أحمد الشيخ يكتب من الصين: البجعة السوداء

مقالات الرأي

بوابة الفجر


"توقع حدوث غير المتوقع" هذا هو جوهر نظرية البجعة السوداء حيث يُفترض أنّ جميع البجع أبيض بالتالي، تُعتبر البجعة السوداء (التي لم يكُن لها وجود فعلي قبل اكتشاف البجع الأسود في أستراليا الغربية في القرن ال ١٨) ظاهرة مستحيلة ومفاجئة.

 

وتدعوك النظرية دائماً لتوقع حدوث الأسوء وكيفية التعامل معه مهما كان، وهذا هو جوهر فن إدارة الأزمات، وكانت هذه هى الفكرة المبسطة التى حاولت شركة هواوي الصينية أن تغرسها في نفوس موظفيها وكافة طلاب اكاديميتها للتدريب أو ما يطلق عليه في مدينة شينزن الصينية "جامعة هواوي" أو كل من يزور هذا التجمع الهائل من المباني القابع بوسط المدينة والتابع لهذا العملاق التكنولوجي الصيني.

 

وقامت هواوي بعمل بحيرة جميلة وأطلقت فيها ٣ بجعات سوداء، وأطلقت عليها بحيرة البجع الأسود أو (Black Swan LAKE)، كرمز لتوقع غير المتوقع أو المستحيل لتصبح مزارا لكل من يزور هذه القلعة العملاقة تزرع داخله حكمة "أن لا شئ مستحيل"، وإنه يجب توقع المستحيل ووضع خطة التعامل معه.

 

 

ووفق نظرية البجعة السوداء، تملك بعض الأحداث وقعاً كبيراً على مجرى التاريخ على الرغم من أنها غير متوقعة ومستبعدة في أكثر نماذج الاحتمالات دقة وتفصيلاً، وهو من وجهة نظرى نمط تعليمي يدعو للتأمل والتفكير، حيث تجد على شاطئ البحيرة أمهات وأطفال بسطاء ينظرون لهذه البجعات، مما يدعوك لتتساؤل فيما يفكرون؟!.

 

وعلمت خلال زيارتي للبحيرة، أن شركة هواوي رأت في هذا النموذج تذكير للصينيين بالأحداث التى كان مستبعد وقوعها ووقعت بالفعل مثل الأزمة المالية العالمية في عام 2008، والذي يعتبر من أشهر أحداث البجعة السوداء على مستوى العالم بحسب تقييمات عام 2016، وكان للانهيار المالي الذي أعقب هذه الأزمة وقع كارثي وعالمي ولم يتوقع حدوثه سوى بعض الأشخاص البعيدين عن الساحة.

 

وللتذكير: كان للأزمة الاقتصادية العالمية نتائج وخيمة حول العالم بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، منها انخفاض أسعار النفط بأكثر من 70%، وانهيار أسعار الأسهم وانخفاضها دون القيمة السوقية للسهم لكثير من المؤسسات الكبيرة في العالم، وتراجع مستوى التضخم في جميع أنحاء العالم، إعلان الكثير من المؤسسات والشركات والبنوك عن إفلاسها، وفقدان الملايين من العمال حول العالم لوظائفهم مما أدى إلى زيادة نسبة البطالة والباحثين عن عمل .

 

هذا بجانب توقف العديد من المشاريع العملاقة حول العالم، وتراجع معدل دخل الفرد، وانكماش النمو الاقتصادي العالمي، و ظهور العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في العالم .

 

ودفعنى هذا الفكر النموذجي الذي يدعو الصينين للتفكير دائماً في كيفية إدارة الأزمات المستقبلية وتوقع الغير متوقع، ودراسة كافة المخاطر للمقارنة بما نعيشه في مصر من لامبالاة يصل لحد البلاهة في إدارة أى ازمة أو توقعها، فدائماً تفكيرنا في حلول للأزمة مهما كانت صغيرة متأخر بعد وقوع الكارثة، معلقين خيبتنا على شماعة الإمكانيات الضعيفة أو الزحام، أو الجهل والفقر، أو المرض، رغم أن الصين بعدد سكانها الذي يزيد 12 ضعف عن مصر وإمكانياتها المشابهة لما لدينا تستطيع الإبداع والحلم وتحقيق الحلم في ذات الوقت، وتستغل نماذج بسيطة في تعليم قيم ونظريات قد لا تصل إلى شبابنا، وليس أطفالنا.

 

 

نحن في مصر ياسادة قد نُتقن نظرية المؤامرة بكل حذفيرها، في مضايقة زملاء العمل والإيقاع بهم، وننفذها بكل دقة ونتشكك في كل شئ من باب الفراغ والبطالة المقنعة والجمود الفكري، ولكننا لا نفكر في النظريات الإيجابية التى يمكن أن تخلق نمط فكرى وسلوكي متميز ومبتكر يدفع مجتمعنا للنمو والإيجابية والمبادرة والإبداع، وهو ما يجب أن تركز عليه الحكومة في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ الوطن.


للتواصل مع كاتب المقال:

[email protected]