"بيزنس" الجمعيات الأهلية بين التحايل على القانون والتهرب من الضرائب

العدد الأسبوعي

محمد سعفان - وزير
محمد سعفان - وزير القوى العاملة


تنصب على الشباب باسم وزارة التضامن الاجتماعى.. وتوظف 10% من إجمالى المتقدمين

تحقق 60 ألف جنيه أرباحًا شهرية.. ولا تلتزم بأى اتفاق بين الشباب وجهات العمل


إعلان ملصق أعلى أحد أبواب مترو الأنفاق، يقرأه الملايين يوميا، ويبدو أن اختيار مكان وضع الإعلان، مدروس بشكل جيد، ففى الغالب، مرتادو مترو الأنفاق من طبقات كادحة، تبحث عن الرزق، وهو الأمر الذى استغله أصحاب الإعلان لاصطياد فرائسهم.

الإعلان يدعو الشباب إلى الاتصال بجمعية معنية بالقضاء على البطالة، ولإضفاء الجدية.. كُتب عليه بـ«البونط العريض»: وزارة التضامن الاجتماعى.. مديرية الشئون الاجتماعية، وبموجبه فإن الجمعية تتيح للشباب فرص عمل وتعيينا فوريا طبقا لقانون العمل، بمرتبات ثابتة وتأمين صحى واجتماعى، فى شركات ومنشآت صناعية وفندقية داخل وخارج القاهرة، مع توفير وسيلة مواصلات وإقامة للمغتربين.

استوقفنا استخدام اسم وزارة التضامن الاجتماعى فى الإعلان، ولوضع حد لتلك الحيرة قررنا الاتصال بالأرقام الموجودة أسفل الإعلان، ردت علينا إحدى العاملات بالجمعية، وبدأت التعريف بالنشاط العام لها، قائلة: «نحن جمعية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، نوفر فرص عمل فى سلسلة شركات ومطاعم وفنادق»، وطلبت منا أن نحضر إلى مقر إدارة الجمعية لمعرفة التفاصيل وأعطتنا العنوان.

وبالفعل ذهبنا فى اليوم التالى إلى مقر الجمعية، الكائن فى 446 أبراج نصر الدين - البرج الإدارى رقم 4 الدور العاشر- بمنطقة شارع الهرم أمام محطة مترو الجيزة، وبمجرد دخولنا إلى مقر الجمعية وجدناه مكتظًا بالشباب الطامح إلى الحصول على فرصة عمل، وأمامهم موظفة الاستقبال، التى تدعى دعاء، سألنا عن كيفية الحصول على وظيفة من خلال الجمعية؟، فأجابت: خدمة التوظيف تقدمها الجمعية مجانا لأعضائها.

وتابعت: حتى تحصلوا على فرصة العمل لابد أن تكونوا أعضاء بالجمعية، ويجب دفع مصروفات القيد وقيمتها 30 جنيها، وعند الدفع تملأوا استمارة، وفى اليوم التالى ستقابلوا رئيس مجلس إدارة الجمعية؛ ليعرض عليكم العديد من الوظائف، على أن تختاروا من بينها، وستحصلون على العمل فى اليوم التالى للمقابلة مباشرة، ومن الممكن أن نعمل معهم فى الجمعية؛ لأنهم يحتاجون إلى موظفين وموظفات، فأخبرناها بأننا موافقون أن نعمل معهم بالجمعية، وأعطتنا استمارة لملئها دون دفع أى رسوم، لأننا سنعمل فى الجمعية، وسندخل فى نفس اليوم لمقابلة رئيس مجلس إدارتها.

على الفور قررنا أن نخوض تجربة صحفية، بالعمل داخل الجمعية؛ لمعرفة الكواليس، ذهبنا فى اليوم التالى وقدمنا أوراقنا للعمل بالجمعية، وتقابلنا مع إحدى الفتيات اللاتى تعملن داخل الجمعية، وتدعى رانيا، علمنا منها أنها تعمل هنا منذ سنوات، ورئيس مجلس إدارة الجمعية هو الأمين العام لحزب الثورة ورئيس اتحاد ملاك العمارة وصاحب شركة مقاولات، الأمر الذى أثار التساؤلات بداخلنا، رجل لديه كل هذا.. لماذا يبادر بفتح جمعية لتوظيف الشباب؟

علمنا من رانيا أن نشاط الجمعية يعود إلى 13 عاما، وفى البداية كانت شركة توظيف، ولكنهم حصلوا على العديد من الشهادات المعتمدة وحصلوا على تصاريح من وزارة التضامن، وأصبحت جمعية وليست شركة فى عام 2012، والعديد ممن يأتون بحثًا عن وظيفة يرحلون حينما يعلمون أنه لابد من دفع 30 جنيها مصروفات قيد بالجمعية، ولكن الغالبية العظمى كانوا يوافقون، وكان دخل الجمعية اليومى من هذه الاستمارات يتراوح بين 1500 إلى 2000 جنيه فى اليوم الواحد.

واللافت للنظر أن الجمعية لا تعطى إيصالا لأحد بموجب الدفع، وهو ما يعد مخالفة كبيرة، لأنه فى مثل هذه الجمعيات يجب أن يحصل الشخص الذى يدفع أى مبلغ على إيصال يثبت ذلك، ودائما ما استخدمت الموظفات عبارة «الجمعية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعى»؛ لإقناع الناس بأنهم لن ينصبوا عليهم كباقى الشركات. وتقوم الجمعية بتوفير وظائف وكتابة جوابات تعيين لثلاثة أو أربعة أشخاص على الأكثر، وهذا العدد ضئيل جدا بالمقارنة مع الأعداد التى تتقدم إلى الوظائف يوميًا، وعندما يأتى سعيد الحظ لاستلام جواب التعيين يقوم بدفع مبلغ 60 جنيها اشتراكا نصف سنوى بالجمعية، أو 120 جنيها اشتراكا سنويا، وحينها عليه أن يمضى إقرارًا للجمعية، يكون نصه: «أعلم بأن قيمة الاشتراك المدفوعة للجمعية هى قيمة اشتراكى وليست لها علاقة برفضى وقبولى للعمل ولا يمكن استردادها».

فى الغرفة التى كنا نجلس بها لا يوجد سوى جهاز كمبيوتر واحد، استغللنا وجودنا بمفردنا بالغرفة وفتحناه، فوجدنا محضر اجتماع مجلس إدارة الجمعية لأحد الشهور، فوجئنا بأن المصروفات فى هذا الشهر قيمتها 7090 جنيها والإيرادات قيمتها 8800 جنيه، فتذكرنا على الفور ما قالته لنا رانيا من أن الدخل اليومى يتراوح بين 1500 و2000 جنيه، إذا فمن الممكن أن يصل دخله الشهرى إلى أكثر من 50 ألف جنيه، ما يؤكد وجود تلاعب واضح فى محضر الاجتماع، ويثبت أن الجمعية ما هى إلا سبوبة لجمع الأموال فقط.

خرجنا بعد ذلك إلى صالة الاستقبال، فوجدناها مكتظة بأشخاص تضرروا من الوظائف التى ذهبوا إليها، فمنهم من وجد مرتبا أقل من المتفق عليه، ومنهم من ذهب إلى وظيفة لم يتفق عليها، علاوة على أن الجمعية لم توفر وظائف إلا لـ10% فقط من إجمالى المتقدمين.