ليلة سقوط محافظ المنوفية

العدد الأسبوعي

هشام عبدالباسط
هشام عبدالباسط


انتهى من عمله وأثناء عودته للمنزل دعاه ضابط الرقابة الإدارية لتناول فنجان قهوة

فوجئ ببعض التسجيلات وتحولت الدعوة إلى 3 تهم

6 سيارات سوداء اقتحمت المحافظة وتحفظت على جميع الأوراق وحارسه الشخصي


لم يتمن هشام عبد الباسط، بعد انتهاء يومه الذى قضاه بين الجولات الميدانية لوضع اللمسات النهائية على محافظة المنوفية والتأكد من استعدادات ما قبل استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى فى صباح الغد، إلا الراحة، فقد بذل مجهودًا مضاعفًا حتى تشعر القيادة السياسية بلمساته وحسن إدارته.. رُبما طمعًا فى محافظة أكبر.



وعلى بُعد 80 كيلو متراً من المنوفية شمالاً.. كان يستعد أحد ضباط هيئة الرقابة الإدارية لإعداد المصيدة والكمين الذى أوقع بالمحافظ، عن طريق الاتصال به وتوجيه الدعوة لتناول القهوة؛ وللتباحث حول آخر مستجدات المحافظة وملفاتها الشائكة، بالتزامن مع الزيارة المرتقبة لرئيس الجمهورية، وبصوتٍ منهك.. استجاب عبد الباسط للدعوة، وتوجه على الفور إلى القاهرة بصحبة حارسه الشخصى، على طريقة « فنجان قهوة يفوت ولا حد يموت».

وفى مساء الليلة الموعودة للسقوط، وصل المحافظ إلى مقر هيئة الرقابة الإدارية بمدينة نصر، وصعد إلى حيث ينتظره الضابط صاحب الدعوة، وبعد احتساء فنجال القهوة فوجئ بمن يطرق باب المكتب، وبعد الإذن له بالدخول وضع حافظة مستندات والعديد من شرائط التسجيلات والأسطوانات المدمجة أمام الضابط ثم انصرف على الفور دون أن يتفوه بكلمة.

انتاب المحافظ بعض القلق، خاصة بعدما رأى اسمه مدونًا على حافظة المستندات يسبقه كلمة «ملف»، خيم الصمت للحظات على الجلسة وتبادل ضابط الرقابة الإدارية والمحافظ نظرات عابرة.. زادت من حدة توتر عبد الباسط، الذى حاول الإلمام بتلابيب شجاعته، قبل أن يقرر الضابط اختراق حاجز الصمت، موجهًا تهمًا مباشرة لمحافظ المنوفية، بتلقى الرشوة واستغلال السلطة، والتوقيع على محررات رسمية خارج الدواوين الحكومية.

تحولت الجلسة سريعًا من دعوة لتناول فنجال قهوة إلى تحقيق رسمى مع محافظ المنوفية، وأنكر هشام عبد الباسط كل التهم الموجهة إليه، وبطريقة هستيرية تمتم قائلا: «أنا اللى بحارب الفساد.. أنا بتاع البلد، يتعمل فيا كده؟»، ولكن الضابط سرعان ما واجهه بالمستندات والتسجيلات التى تمت بعد استصدار إذن من النيابة، والتى أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن المحافظ ارتبط بعلاقات ومصالح مشبوهة مع رجال أعمال، لتسهيل استيلائهم على أراضى الدولة نظير الحصول على رشاوى مالية.

وبعد استسلام عبد الباسط، اصطحبه رجال الرقابة الإدارية فى مساء يوم الاثنين، داخل احدى سيارات الهيئة، تبعتها خمس سيارات سوداء اللون، إلى ديوان عام محافظة المنوفية الكائن بوسط مدينة شبين الكوم، وبمجرد وصولهم دخل المحافظ معهم إلى مكتبه، واستمروا بداخله لبعض الوقت، وحاول المتهم البحث عن أى مستندات توضح سلامة موقفه، ولكن دون جدوى، وبعد ذلك بدقائق خرج المحافظ بصحبة ضباط الرقابة الإدارية وركبوا السيارات الست مرة أخرى، وعادوا إلى القاهرة لمتابعة التحقيقات التى تجرى معه بمقر هيئة الرقابة الإدارية التى تحفظ رجالها على بعض المستندات.

وفسرت مصادر أمنية المشهد لـ«الفجر»، موضحة أن التحقيق معه سببه طلب المحافظ الحصول على رشوة 2 مليون جنيه، لتسهيل استيلاء رجلى أعمال على قطعة أرض بمدينة السادات، تقدر قيمتها بنحو 20 مليون جنيه، وخلال التحقيقات نفى التهم المنسوبة إليه، مؤكدًا أنه عمل خلال الفترة التى تولاها على محاربة الفساد والمفسدين، وكشف العديد منها بالتنسيق مع هيئة الرقابة الإدارية.

دوافع الحصول على الرشوة سالفة الذكر فسرها البعض بأنه يستعد للزواج للمرة الثالثة، وينوى تأثيث منزل جديد كعش زوجية لزوجته الثالثة.

وأضافت المصادر: الرقابة الإدارية علمت بوجود شبهات فى تعامل «عبدالباسط» مع بعض رجال الأعمال خلال الفترة الماضية، تخللتها اجتماعات سرية فى مدينتى السادات وشبين الكوم، ارتقت إلى حد العزومات، وتطورت إلى طلب رجال الأعمال من المحافظ تسهيل استيلائهم على أراضى الدولة، وعلى الفور.. بدأت الرقابة الإدارية فى نسج خيوطها، ومتابعة تحركات المحافظ عن كثب، فضلاً عن مراقبة جميع مكالماته الهاتفية، وذلك دون التنسيق مع فرعها بالمنوفية، للحفاظ على سرية التحريات، حتى توصلت إلى دلائل تؤكد تورطه فى فساد مع عدد من رجال الأعمال بالمحافظة، وذلك مقابل تقاضيه رشوة بالملايين، تدفعه لتمرير ذلك الهدف المشبوه، والاستيلاء على المال العام.

بدأت تفاصيل ضبط المحافظ بصدور مذكرة من الرقابة الإدارية للقبض عليه والتحقيق معه، حيث توجه الرجل الأحد الماضى إلى مدينة السادات لتفقد الخيمة المقرر إقامة مؤتمر الرئيس عبدالفتاح السيسى بها الثلاثاء، لافتتاح عدد من المشروعات هناك، بمشاركة وزراء ومسئولين كبار بالدولة، وعاد لاحقًا إلى منزله، بعدها تلقى مكالمة هاتفية من أحد ضباط الرقابة الإدارية مساء الأحد، يطالبه بالحضور إلى المقر بالقاهرة للتباحث معه حول بعض القضايا.

وبحسب المصادر الأمنية، ركب عبد الباسط سيارته بصحبة الحرس الخاص به، وتوجه إلى القاهرة، وبعد وصوله تم احتجازه بمقر الرقابة الإدارية، والتحفظ أيضًا على الحرس الخاص به؛ لحين انتهاء التحقيقات، وهنا فوجئ المحافظ بمواجهته بعدد من الاتهامات مرفقة بالمكالمات التى تم تسجيلها له خلال الأربعة شهور الماضية، وبالتزامن مع ذلك بدأت الهيئة تفتيش منزله واستراحته ومكتبه بديوان عام محافظة المنوفية، كإجراء احترازى، لعدم العبث فى الأدلة وجمع المعلومات الكاملة حول الوقائع المتهم فيها المحافظ.

كما ألقت القبض على رجل أعمال بمدينة السادات، يُدعى «رضا.ح»، ورجل أعمال آخر لم يُكشف عن اسمه بعد، إلى جانب القبض على صحفى شهير بمحافظة المنوفية، تجمعه علاقة وثيقة بالمحافظ، حيث عمل الصحفى على تسهيل عملية الرشوة مقابل الحصول على أموال نظير ذلك، وجاءت خطوات القبض عليهم بعد استصدار إذن من نيابة أمن الدولة العليا، أصدر النائب العام المستشار نبيل صادق، قرارًا بالتحفظ على أموال هشام عبدالباسط واثنين من رجال الأعمال على خلفية اتهامهم فى قضية رشوة، فضلاً عن منعهم من مغادرة البلاد.