عادل حمودة يكتب: باحثة أمريكية جادة جدا.. ترامب يعبر عن مصالح أغلبية بيضاء تؤيده ولو خشيت دعمه علنا

مقالات الرأي



قرار القدس وجد ترحيبًا هائلًا فى كنائس المسيحية الصهيونية التى تنتظر عودة المسيح إلى الأرض ليقيم مملكة الرب

ترامب الأكثر جرأة فى إصدار القرارات الرئاسية وما يقوله يلقى استحساناً.. و70% من الأمريكيين لا يلتفتون إلى فضائحه

خفض الضرائب بنسبة 17% فارتفعت شعبيته بين الفقراء قبل الأغنياء!

"يسوق الهبالة على الشيطنة" ويلغى تأثير الأزمات بأزمات أخرى


لم أصدق أن الفتاة الساحرة التى تجلس بجوارى فى قاعة تدخين مطار ميونخ تستعد للحصول على الدكتوراه فى السلوكيات السياسية للرئيس ترامب من جامعة ييل فى الخريف المقبل.

ما مد جسور الحوار بيننا أن كلا منا كان يحمل نسخة من كتاب النار والغضب الذى كشف عن كثير مما خفى عن ترامب وأثار اهتمام الدنيا كلها من باحثى العلوم السياسية إلى متابعى الفضائح الجنسية وتبادل الكاتب والمكتوب عنه شتائم تجهز على ما تبقى من أخلاق الحوار.

اسمها سارة برجمان.. دراستها مثيرة بالقطع للباحثة.. تأتى فى وقتها تماما.. لتساعد البشرية كلها فى فهم شخصية تثير السخرية والحيرة معا.. قدر لها أن تحكم العالم.. وتتحكم فيه.

دون مقدمات سمعت منها فيما يشبه الصدمة: إن ترامب جرىء إلى حد الذهول يعبر بصوت مرتفع عما يخشى أنصاره من البيض الأمريكيين البوح به وإلا اتهموا بالعنصرية والهمجية وربما الفاشية أيضا.

يوصف البيض فى الولايات المتحدة بأصحاب الرقبة الحمراء.. أو رد نيك.. وهم أغلبية يصل عددهم إلى 275 مليون نسمة.. ويمثلون 72 % من السكان.. مما يعنى أن قرارات ترامب مرحب بها.. أما فضائحه فلا أحد من تلك الأغلبية يلتفت إليها ما دام يحقق لهم ما يريدون.

إن البيض يؤمنون بأنهم أصحاب البلاد وسادتها وعناصر قوتها وتفوقها وتميزها.. لكنهم فى الوقت نفسه يشعرون بالخطر على أنفسهم من تزايد الأجناس الملونة (السوداء والصفراء) الذى يهددهم فهم سيصبحون أقلية فى عام 2050.. تحت نسبة أربعين فى المئة.. مما يفقدهم السلطة والثروة والنعمة.

لكن.. البيض لا يملكون الشجاعة الكافية للتعبير عن مخاوفهم وإلا تعرضوا إلى نيران الغضب من جميع الجهات بما لا يقدرون عليه داخليا وخارجيا فى عالم يقظ يرفض التمييز بكل أشكاله ويهدد بعاقب من يتبناه أو يروج لانتشاره.

على أن البيض وجدوا فى ترامب متحدثا صريحا (وربما وقحا) عما فى أعماقهم من تعنت وتعصب دون أن يمسوا بسوء.

إن ترامب قوى بحكم منصبه.. ثرى مصاب بجنون العظمة.. لا يراجع كلماته قبل أن ينطق بها.. يهوى الأضواء ولو جاءت من الفضائح.. كلماته قذائف محرجة لا تمر على عقله.. يجيد المقامرة.. يعرف كيف يلفت الأنظار إليه.. ويجيد الخروج من المتاعب التى يورط نفسه فيها ولو تورط فى متاعب أسوأ منها.

إن البيض المتعصبين العنصريين المتشددين الذين يعبر عنهم ترامب مثله يكرهون الملونين والمسلمين والمهاجرين.. ومثله يرون غيرهم بؤرا قذرة.. ومثله يرفضون الرعاية الصحية والمساعدة الاجتماعية للفقراء.. فمن لا يقدر على الحياة ليس أمامه سوى الفناء.. ومثله يتحمسون لبناء سور بطول الحدود مع المكسيك (3200 كيلومتر) لمنع الجريمة والمخدرات والهجرة غير الشرعية ولو بلغت التكلفة ثمانية مليارات دولار.. ومثله يؤمنون برأسمالية بلا قيود مهما كان عدد ضحاياها.. ومثله يرفضون منح المعونات للدول المحتاجة ولو مات نصف سكان العالم جوعا.. ومثله يرون فى المال قوة سياسية يخضعون بها الضعفاء.

لكنهم ليسوا مثله فى جرأة التصريحات وسرعة اتخاذ القرارات وتحمل التبعات.

إن ترامب أكثر رؤساء الولايات المتحدة سرعة فى اتخاذ القرار.. وغالبا لا يستشير أحدا فيما يقرر لأنه يرى نفسه فوق الجميع.. ألم يحقق بنفسه ما لم يتصوره أحد ويصبح رئيسا للدولة الأكثر قوة على وجه الأرض متخطيا كل التوقعات بفشله من مراكز الأبحاث الاستراتيجية وأجهزة الإعلام القوية وحسابات السياسيين التقليدية؟

وربما لذلك السبب يتعمد توقيع القرارات علنا.. بقلم أسود سميك وخط كبير عريض دون أن ينسى رفعها فى وجه الكاميرات فى حالة غير مسبوقة ممن حكموا البيت الأبيض قبله.

لقد كان البيض الأكثر حماسا لقرار ترامب بمنع رعايا ست دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة ليس فقط بسبب وجود تنظيمات إرهابية مسلحة على أرضها وإنما أيضا لكراهية الكنائس البروتستانية الأصولية التى ينتمى إليها البيض المتشددون لغيرها من الأديان والمذاهب.

وتؤمن هذه الكنائس بحتمية تحقق نبؤات الكتاب المقدس (بعهديه القديم والجديد) التى تشكل مقدمة مجىء المسيح (المخلص) إلى الأرض ملكا منتصرا.

وتوصف تلك الكنائس بتيار المسيحية الصهيونية، وهى تجبر رعاياها ومؤيديها على الدفاع عن اليهود (رغم صلبهم للسيد المسيح) وتفرض عليهم الحماس للدولة العبرية فى فلسطين ويعارضون من ينتقدها خاصة فى الولايات المتحدة، وهو ما حول إسرائيل هناك من قضية سياسية إلى قضية سماوية وهى رؤية خطرة يجب الانتباه إليها ونحن نعالج القضايا الإقليمية التى سلمناها باطمئنان إلى ترامب.

بل إن تأسيس الولايات المتحدة على إبادة شعبها الأصلى (الهنود الحمر) كانت نموذجا لما فعل اليهود فى فلسطين فقد منح المستطوطنون الإنجليز (80 ألف مغامر) الهاربين من الاضطهاد الدينى أنفسهم لقب شعب الله المختار وقدسوا اللغة العبرية، وطالبوا بتطبيق شريعة موسى وسموا الأراضى التى اغتصبوها أرض الميعاد ولم تكن التبريرات الدينية غائبة عن الأذهان.

حسب سكوفيلد وهو أحد أهم مفكرى تيار المسيحية الصهيونية فإن كنيستهم تدخل الحقبة السابعة والأخيرة.. حقبة آخر الزمان التى تنتظر رجوع المسيح إلى الأرض لتأسيس حكمه فوق جبل على أنقاض مدينة أورشليم (القدس) معلنا قيام مملكة الرب وبهذا المفهوم تصبح إسرائيل أرضا موعودة للمسيحيين ذات طبيعة روحانية أزلية لا صلة لها بأرض إسرائيل التاريخية.

سيدخل المسيح أورشليم فتتفجر قدور السمن والعسل الهابطة بغزارة المطر من السماء ليعم السلام والرخاء على الأرض ولكن فى غياب الأشرار من أتباع الديانات الأخرى.

بهذة الرؤية الكنسية للمسيحية الصهيونية نفذ ترامب مشيئة الرب وصلى أمام حائط المبكى (الحائط الغربى للمسجد الأقصى) فى حالة لم يسبقه إليها رئيس أمريكى من قبل.. وبعدها قرر نقل السفارة الأمريكية إلى أورشليم ليسهل للمسيح المخلص العودة إلى الأرض.. وربما شارك ترامب فى هدم المقدسات الإسلامية فى القدس لو طلب منه أنصار الكنيسة البروتستانية الأصولية ذلك.. فالمسيح لن يأتى إلا على الأنقاض.. مما يعنى أننا أمام حالة دينية.. متشددة.. يصعب مواجهتها بالتصرفات الدبلوماسية.. ولا يمنع ذلك بالقطع أن تؤدى هذه الحالة إلى حرب صليبية إسلامية جديدة كما يتنبأ سكوفيد ولو لم نحسب ذلك الحساب.

بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يعترف ترامب بأنها عاصمة موحدة وأبدية للدولة العبرية.

وعلى عكس ما يبدو وجد ترامب تأييدا ساحقا فى أوساط المتدينين المسيحيين لذلك القرار وأن لم يفصح أحدهم عن ذلك.

لكن.. قرار ترامب الأهم الذى هلل له الأمريكيون جميعا بلا استثناء هو قرار تخفيض الضرائب على الشركات من 38 % إلى 21 % مما يعنى زيادة أرباحها التى ستعيد استثمارها من جديد بما يوفر فرص عمل جديدة تخفف من حدة البطالة التى أخذت فى التراجع فعلا.

واستفاد أصحاب الدخول الصغيرة والمتوسطة من تخفيض الضرائب بنسبة لا تقل عن 5 % أتاحت لهم مزيدا من الرفاهية عكست نفسها فى شراء سلع وخدمات ونشطت حركة الأسواق فى نمو متصاعد، وهو ما يهم المواطن الأمريكى المستعد أن يغفر لترامب كل ما يقول وما يفعل مقابل مائة دولار تدخل جيبه.

ولا شك أن تخفيض الضرائب يقلل من إيرادات الدولة التى تعانى موزانتها العامة من عجز كبير ولو لم تزد الاستثمارات بما يعوض نقص الإيرادات فإن الاقتصاد الأمريكى سيدخل فى نفق مظلم ينتهى بكارثة وللخوف من هذا المصير سيتمسك الأمريكيون ببقاء ترامب فى البيت الأبيض وسيسعون لنجدته من الاتهامات التى تهدد استمره ومنها السماح بتدخل الروس فى الانتخابات الرئاسية.

ستأخذ التحقيقات التى يجريها روبرت موللر وقتا لن يقل عن العامين وهى المدة نفسه التى استغرقتها تحقيقات كينث ستار فى قضية بيل كلينتون ومونيكا برونيسكى وانتهت إلى لا شىء سوى انشغال الرأى العام فى أربع أنحاء الكرة الأرضية بتفاصيل الفضيحة الجنسية.

وبسبب قدرته غير المسبوقة فى إثارة الغضب مما يقول ويفعل فى مسلسل لا يتوقف نجح ترامب فى أن يفقد العالم اهتمامه بقضية كوريا الشمالية بتفجيره قضية القدس ثم فقد العالم اهتمامه بقضية القدس بتفجيره قضية البؤر القذرة فى دول بعينها فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية تأتى منها الهجرة إلى الولايات المتحدة وسرعان ما تراجعت هذه القضية، مثل غيرها بالكشف عن عاهرات وممثلات بورنو استقبلهن فى بيت من بيوته.

إننا أمام مسلسل يومى يوصف بالكوميديا السوداء.. نتابعه بشغف وغضب.. يصر فيه البطل الموهوب فى التأليف الفورى على أن يظل فى قلب المسرح ولو ألقى عليه البيض الفاسد.

لقد هدد زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون بالضغط على زر تفجير القنابل النووية التى تمتلكها بلاده لتدمير الولايات المتحدة فإذا بترامب يرد عليه قائلا: أنا أيضا عندى زر.. دون أن يعرف أن القنابل النووية الأمريكية لا توجد فى مكان واحد وإنما يحملها عدد من الجنرالات فى حقائب.

لكنه جنون الضوء الذى أصيب به ترامب ورغبته فى أن يكون وحده الممثل والمؤلف والمخرج ومهندس الديكور وقاطع التذاكر ولو صرخ الجمهور مطالبا بطرده من المسرحية.

على أن ذلك لا ينفى أننا أمام ظاهرة سياسية لا يجب الاستهانة بها ويجب دراستها وفهمها جيدا بعيدا عن صفحات الفضائح والنميمة فهو يحقق المثل الشعبى الشهير: يسوق الهبالة على الشيطنة.