صلاح حسن يكتب: "أبي الذي لم يُخلق مثله في البلاد"

مقالات الرأي

صلاح حسن
صلاح حسن


يوم أن دمعت عين النبي "صلي الله عليه وسلم"، سُئل: هل يبكي الرجال؟ قال: إنها رحمة من الله، لم يبخل النبي على نفسه بالدموع واعتبرها  نوعًا من الراحة للقلب الذي انفطر من الألم على فراق إبراهيم.




أن يمنحك الله القوة أسبوعًا كاملًا تشاهد أباك دون حركة أو كلام، دون طعام أو شراب، أن تراه لا ينطق ولا يسمع، ولكن قلبه يشعُر بما يدور حوله، هل جربت حالة السكوت الذي يقترب من الخرس، ومشاعر القلق الممزوجة بحزن وفرح معًا، حزن على المشهد وفرح بعمله الصالح الذي سيقابل به ربه، هل جربت أن تسقط من برج عالٍ للحظة في خيالك؟ أي جهاز عصبي يتحمل هذا وأي قلب يمنحه الله القوة لاستيعاب خطر ملك الموت؟، لا شيء سوى العجز عن التعبير!




اليوم أتم أبي أربعون يومًا على رحيله عن دنيانا، لا يعلم أحد مدى الحزن الذي يملأ القلوب سوى رب الخلائق، "أبي" الذي لم يُخلق مثله في البلاد، حالة متفردة جمع بين قوة داوود وصبر أيوب وحكمة سليمان، منحه الله إيمانًا كنت أشم رائحته وأجد حلاوته في قلبه، لم لا وهو لا يفارقه القرآن، وهو من علمني إياه إلى أن ختمته في سن صغير، رباني أبي على (الفلكة)، لمن يعرفها وكنت أتذمر أحيانًا ولكني عرفت سر مجهوده معي عندما كبُرت.




أتذكر موقفًا حكاه لي أبي عندما كان يحفظ القرآن في "الكُتاب" وهو صغير السن، جاء إليه والده بوجبة الإفطار، وكان محفظ القرآن الذي كان يطلق عليه آنذاك "سيدنا"، يقضي حاجته وأمر أبي بمراقبة الطلاب، وقتها جاء والده (جدي)، ينادي وأبي لا يريد النزول له، مبررًا موقفه: "سيدنا مش موجود استنى لما ييجي عشان أقوله"، خرج "سيدنا"، فرأي جدي غاضبًا مما يحدث وكان رد "سيدنا"، وقتها بردًا وسلامًا عندما قال لجدي: "ياعم محمد انت بتغذي جسمه أما أنا فبغذي روحه عشان كده سمع كلامي، متزعلش"، وكثير من المواقف التي لا تُنسى، ولكن المؤكد أن القرآن كان غذاءًا لروح أبي، فلم يمرُ يومًا دون أن يقرأه.




رحمك الله يا أبي وأستاذي ومعلمي الفاضل، رحمك الله يانورًا يتلألأ في قلبي، ربنا شاهد على حبي ليك، على دعمك وتشجيعك اللي مش غريب عليك، على كل الخير والحنية اللي كانت مع كل اللي حواليك، ربنا ينور أيامنا بنورك يا بابا، طيب الله ثراك يا طيب.