"علي معزة وإبراهيم" .. سينما عن الحب والاختلاف

الفجر الفني

بوستر الفيلم
بوستر الفيلم



قدمت السينما العالمية والمصرية على حد سواء العديد من الشخصيات المصابة بأمراض نفسية وعقلية بصور مختلفة، لكن فيلم "علي معزة وإبراهيم" للمخرج شريف البنداري، نجح في رسم شخصيتين مختلفتين عما قدمته السينما من قبل، شخصيتين تفردتا في تشخيصهما ومرضهما.


لعب الخيال دور كبير في الفيلم الذي وضع قصته الكاتب إبراهيم البطوط، وكتب السيناريو والحوار أحمد عامر، فالفيلم يتتبع قصة كل من علي معزة المتعلق بمعزة يسميها "ندى" وإبراهيم المصاب بنوع من الهلاوس السمعية الذي ورثه عن عائلة والدته التي انتحرت هربًا من الأصوات التي تلاحقها.


تتقاطع مصائر كل من علي وإبراهيم حين يلتقيان عند دجال يبيع لهما وهم شفائهما من مرضهما بثلاث حجرات ويطالبهما بإلقائها في ثلاثة مسطحات مائية مختلفة، وعلى الرغم من عدم إيمان علي بجدوى وصفة الدجال فإبراهيم على النقيض يرى فيها أمل أخير، من هنا يعزم كل من علي وإبراهيم على السفر إلى الإسكندرية ثم سيناء والعودة للقاهرة لإلقاء الحجرات في البحر الأحمر والبحر المتوسط ونهر النيل، وخلال رحلتهما يطور كل من علي وإبراهيم صداقة مختلفة جمعتها المِحنة ونبذ المجتمع لكل ما لا يفهمه ويختلف عنه.


برع الفيلم في التعبير بصدق عن شخصيتين مختلفتين ربما لا يوجد لهما مرجع على أرض الواقع، لكن براعة التمثيل خصوصًا لبطل العمل علي صبحي، الذي نال جائزة أفضل ممثل في مهرجان دبي السينمائي الدولي، جعلت المشاهد يتعاطف مع شخصيته حتى دون فهم دوافعها التي لم يٌكشف عنها سوى في الدقائق الأخيرة من العمل، فلخص علي علاقته بالمعزة بأنه أحب الروح ولم يهتم بالشكل الذي جاءت عليه حيوانًا كان أم إنسانًا.

 

وبالحديث عن الحب، قدم الفيلم قصة حب مختلفة حين وقع "كماتا" في حب عاهرة "صباح" بعد انقاذها ورغبته في الزواج بها مفسرًا الأمر بأنه وقع في حبها ولا يهتم بماضيها، وكذلك الصراع الذي عايشه أحمد مجدي والذي قضى على مستقبله لكنه استثمره في النهاية لمساعدة صديقه.


قدم الفيلم عددًا من النماذج العبثية، ففي بداية الفيلم يستوقف ضابط كمين علي لحمله "دبدوب" ويضيع الوقت في أسئلة تافهه حول ماهية الدبدوب ومحتواه، في الوقت الذي تمر سيارة بها فتاة تصرخ طلبًا للنجدة لكن الضابط لا يلتفت لها، كما ظهرت العبثية في تفسير تعلق علي بالمعزة حيث فقد خطيبته ندى حين سقطت من إحدى فتحات كوبري، كما جاءت نهاية الفيلم خيالية بشكل كبير فالمعزة ندى اختفت بعد أن تقبل سكان الحارة حقيقة أنها ندى وليست مجرد معزة.


يٌحسب للمخرج شريف البنداري جرأته في التجريب في فيلمه الروائي الأول سواء على مستوى القصة الفنتازية والتي ليست النوع المفضل لعموم المشاهدين المصريين والعرب، وكذلك اختياراته للممثلين خصوصًا الأبطال في تجارب أولى لهم، كذلك تميز الفيلم بالموسيقى التصويرية التي وضعها أحمد الصاوي خصوصًا وأن الموسيقى كانت موهبة إبراهيم بطل الفيلم، لكن يعاب على الفيلم عدم اهتمامه بالدعاية والترويج الكافيين خاصةً أن الكثيرين لم يسمعوا عن الفيلم إلا مؤخرًا، وقد يكون السبب راجع إلى إيمان القائمين على العمل بعدم قدرته على المنافسة في شباك التذاكر وأنه فيلم مهرجانات، فلم يحقق الفيلم نجاحًا جماهيريًّا يذكر وقت عرضه في صالات السينما المصرية مطلع مارس العام الماضي ولم يستمر عرضه لأكثر من شهر، لكنه حقق نجاحًا كبير بعد مشاركته في العديد من المهرجان الدولية منها مهرجان البندقية ودبي والقاهرة وشرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية والدورة التاسعة عشر من سوق "موعد مع السينما الفرنسية"، كما لا تزال تحقق عروضه الخاصة في مراكز السينما رواجًا كبيرًا بين الشباب الذي يبحث عن سينما مختلفة وهو مايعني أن القائمين على العمل قد خسروا أموالاً لكنهم اختاروا تقديم عمل سيبقي طويلاً وستتناوله الأجيال القادمة بالدراسة باعتباره مهد الطريق لسينما أكثر واقعية لا تخشى التجريب.