أحمد الشيخ يكتب: متسول برخصة

مقالات الرأي

أحمد الشيخ
أحمد الشيخ


 

يعاني المجتمع المصري على مر عصور من التسول والمتسولين فهي قوة عاطلة مدمرة، لأنها لا تكتفى فقط بأن تكون قوة عاطلة تضر بالاقتصاد وتعرقل نموه، لكنها أيضاً تتغذى على جزء من دخل الطبقة العاملة المنتجة فيه دون تحقيق أى قيمة مضافة.

 

ورغم تضارب الأرقام إلا أنها تعكس حجم الكارثة، حيث قدرت وزارة التضامن الاجتماعي حجم المتسولين في مصر في عام 2015 بحوالي 3 مليون متسول.

 

 في حين قدرت أخر إحصائية صادرة عن المركزي القومي للبحوث الجنائية عدد المتسولين في مصر - الذين تم القبض عليهم فقط - بحوالي 41 ألف متسول احتل الأطفال العدد الأكبر بمجموع 21 ألفًا و650 طفلا متسولاً يليهم نسبة المسنين ويبلغ عددهم 11ألف متسول و6320 امرأة متسولة و 1140 شاب متسول من 30 إلى 40 عامًا والباقي من فئات عمرية مختلفة.

 

وبلغ عدد المتسولين في شوارع القاهرة - وفقاً للدراسة -  4333 متسولاً تليها محافظة الإسكندرية بنحو1572 متسولاً، كما أكدت الدراسة أن 3.41٪ من المتسولين يتم إجبارهم على ممارسة التسول بغير إرادتهم، كذلك فإن 75٪ من المتسولين يحملون صفة متسولي المواسم مثل رمضان والأعياد.

 

بينما أكد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن عدد الأطفال العاملين في مصر تخطى حاجز 1.5 مليون، وهم أطفال يتسولون ويعملون بالورش والمصانع.

 

وقدر عدد من الاقتصادين الميزانية السرية لعالم التسول بحوالي 6 مليارات جنيه شهريًا وهى مرشحة للزيادة طالما أن العشوائيات ترمى للشارع بالأطفال كل يوم.

 

وقد تعددت حيل التسول في مصر بين الشكل التقليدى للمتسول الذي ألفناه وعرفه أبائنا وأجدادنا، حيث تجد طفل صغير أو رجل أو أمرأة يسألون الناس المساعدة، والأفكار المبتكرة لمن اتخذوا من التسول مهنة لهم.

ولكن المشكلة الحقيقية، أن موظف عام يتحول لمتسول، شوفناها في أفلام السبعينات التي كانت تصف موظف الحكومة محدود الدخل الذي لا يستطيع تدبير مصاريف أولاده فكان يتنكر وينزل إلى الشوارع ليتسول، إنما موظف حكومة "بيشحت" بالزي الرسمي دي اللى جديدة "لانج" رغم أننا بنشوفها كل يوم وتمر علينا مرور الكرام دون أن تستوقفنا للحظة واحدة.

 

عرفته؟ - قصدي الموظف -، "راجل بنقابله كل يوم لابس زيه المميز بينضف شوارعنا"، إنه عامل النظافة ياسادة - موظف محترم يتبع المحافظة سواء القاهرة أو الجيزة وفور ما تمر عليه يقولك: "صباح الفل ياباشا" على أمل أنك تديله أى حاجة -، لو مخدتش بالك يقولك "معلش عاوزين نفطر"، وفي الأعياد والمناسبات يقولك كل سنة وانت طيب ياباشا وبردو يمد أيده - طب هو ده يصح؟!".

 

في بلدنا المحترم لما موظف محترم صاحب مهنة شريفة يمد أيده في وسط الشارع تبقى كارثة يجب الوقوف أمامها، خصوصاً مع مهنة تعتبر على المستوى العام هى مهنة أمن قومي، حيث أن عامل النظافة الوحيد الذي يدخل كافة الشوارع والأماكن والمكاتب والمنازل فهو شخص مهم جداً في أي دولة حتى أن دولاً مثل اليابان ترفض أن يطلق على هذا الموظف أسم "جامع القمامة" وتدعوه "مهندس البيئة" وتمنع عمل الأجانب في هذه المهنة لأنها تعتبرها مهنة أمن قومي، كذلك بريطانيا، ويأتي عامل النظافة كثاني أكثر مهنة احتراماً في ألمانيا بعد الطبيب، وتصل رواتبهم لما يقرب من 500 ألف جنيه سنوياً.

 

أما فى مصر عامل النظافة يتسول قوت يومه لأن مرتبه لا يصل إلى 1200 جنيه شهرياً، أي لا يتخطى 15 ألف جنيه سنوياً، في ظل معدلات تضخم تجاوزت 30% عقب تحرير سعر الصرف، وهو ما يوضح حجم الكارثة، التى تقع على عاتق كل محافظ فى محافظته، فهو المسئول الوحيد عن تلك الفئة التى تمثل أحد عوامل الحفاظ على الأمن القومي المصري، وتركها فريسة للفقر والمرض يهدد الأمن القومي المصري ويخلق متسول برخصة، فهو محمي بالقانون بصفته موظف عام ووجوده في الشارع هو محل عمله، ويحظر على الشرطة إيقافه لأنه يؤدي مهام عمله، وتسوله يسيئ لمصر محلياً وعالمياً ويمثل خطر على الأمن القومي المصري، وهو ما يتطلب اهتمام زائد ودراسة متعمقة لهذه المشكلة لإيجاد حلول جذرية لها تحفظ أمن وسلامة المجتمع.

 

ومن هنا أناشد المحافظين ورؤساء هيئات النظافة والتجميل بكل محافظة، أن يراعوا هذه الفئة ويهتمون بحل مشاكلهم وتنمية دخولهم بتدريبهم وتعليمهم حرفة بجانب عملهم تدر عليهم دخل إضافي بعد أوقات عملهم الرسمية بل وتشغيلهم بهذه الحرف، التي من المفضل أن تتركز في مجال خدمات الصيانة مثل السباكة والنجارة والنقاشة، في تقديم خدماتهم لكافة الجهات التابعة للمحافظة وهي خدمات ضرورية ويتم تخصيص مبالغ لها سنوياً بميزانية كل محافظة، وهو ما سيمثل لهم دخل إضافي ويخلق قيمة مضافة للمجتمعنا الذي يعاني من ضعف خدمات الصيانة.


لمراسلة الكاتب: [email protected]