تامر بجاتو يكتب: النجومية والمسئولية

ركن القراء

تامر بجاتو
تامر بجاتو


من أحب وأهم الأشياء التي يسعى إليها كل فرد في أي من مجالات الحياة هي "النجومية" ، ليس فقط أن يصبح نجمًا في مجاله ، و لكن أن يكون  بمثابة النجم الأبرز للمجتمع ككل ، يتابعه الجمهور ويقلّدون تصرفاته ويتابعون أعماله، مما يمنحه دافعًا وحافزًا لمزيد من النجاح والإبداع في عمله ، محاولًا الحفاظ على هذه النجومية ، وهناك فرق بين الشخصية المعروفة أو المشهورة وبين "النجم" ، ولكن في بلادنا نطلق لفظ "نجم" على أي شخصية أصبحت مشهورة ، حتى و إن لم تتجاوز شهرته نحو شهر أو بضعة شهور !!


وأن تصبح نجمًا في مجال ما ، فإن الأمر يحتاج للكثير من الجهد والتعب والفكر والتخطيط والتركيز والمثابرة والحظ أيضًا، لأن "طريق النجومية" طريق طويل، يحتاج إلى سنين طويلة من الجهد والكفاح للوصول الى هذه المرتبة والمكانة الجديرة بأن تحوّل مسار حياتك من مواطنًا عاديا إلي رمز وقدوة وعلامة عند الناس والجمهور في أي مجال سواء كان رياضيًا أو فنيًا أو إعلاميًا أو سياسيًا أو غيرها


وفي مجتمعاتنا العربية –للأسف- تتنحي اعتبارات الجهد والعرق والكفاح جانبًا ،لتظهر العلاقات الشخصية  كعامل رئيسي ومؤثر في  إبراز نجمًا ما أو خفوت نجمًا آخر ، ولكن ليست هذه هي المشكلة أو النقطة المحورية في الموضوع ،إنما المهم هو ماهية النجومية ، و مفهومها ، وماذا بعد بلوغها ؟ وماهي مسئولية النجم تجاه المجتمع الذي جعل منه نجمًا ساطعًا في سمائه ؟

للأسف الشديد مفهوم النجومية في وطننا العربي ناقص ، يقتصر فقط على عامل الظهور بشاشات الفضائية و الملاعب و المسارح و دور السينيما ، أو الحضور يوميًا  داخل أروقة الندوات و المناسبات العامة و الخاصة ، أو ظهور "النجم" في إعلانات الشركات الخاصة والحكومية، متبرعًا بأجره بهدف جمع التبرعات لهذه المؤسسات والمستشفيات التي تخدم المواطنين بالمجان ،وبالطبع لا بد في نهاية الإعلان من الإشارة إلي توجيه أسمي آيات الشكر والعرفان لهذا النجم أو النجمة ... ولكن ماذا بعد ؟! ، هل هذه فقط مسئولية النجم؟ وهل هذا كل ما ينبغي أن يصنعه تجاه المجتمع ؟

 

 وللإجابة علي هذا التساؤل كان لزامًا الذهاب بعيدًا عن مجتمعاتنا العربية لنصل إلي المجتمعات المتقدمة "إنسانيًا" مثل أوروبا وأمريكا ، ونري ما يفعله  "النجوم الحقيقيون" لخدمة المجتمع والإنسانية داخل وخارج بلادهم ، لنلمس حينئذ واقعًا صادمًا يوقظنا من غفلة الإدعاء و "البروباجندا" إلي واقع العمل والخدمة المجتمعية والأهداف الإنسانسة النبيلة .

 

فعلي سبيل المثال وليس الحصر كريستيانو رونالدو أفضل لاعب بالعالم لعام 2018 والذي حاز ذات الجائزة لمرات أخري ، نجده قد أسس منظمًة خيريًة تحمل اسمه كي يخدم بها مدينة "ماديرا" – مسقط رأسه-كما تبرع بأكثر من 3 ملاين دولار لمنكوبي غزة ، وفي أفريقيا أين نحن من  دروجبا أسطورة تشيلسي ومنتخب ساحل العاج ، و الذي اختارته مجلة تايمز  كأكثر الشخصيات تأثيرًا في بلاده لما قدمته منظمته “The Dider Drogba Organization” من جهود بناءة في خدمة وتنمية بلاده في جميع المجالات أثناء الحرب الأهلية التي استمرت لـ 5 سنوات ،وأين نحن من مبادرة الدوري الانجليزي علي درب المسئولية والخدمة المجتمعية ، و التي تسمح للاعبين بالتبرع بـ 1% فقط من مرتباتهم من أجل تقديم أوجه الدعم والخير للمستشفيات و الجمعيات الخيرية.

 

حقًا الأمثلة كثيرة ، والقائمة تمتد طويلًا لتضم نجومًا أخري مثل البرازيلي نيمار و الأرجنتيني ميسي و الإيطالي بالوتيللي و الغاني مايكل إيسيان وغيرهم ،ليأتي السؤال ملحًا وبشدة أين نجوم الكرة المصرية من هؤلاء ؟ ،  لماذا هذا البعد والعزوف عن الانغماس في المجتمع ، والقصور في خدمة أفراده غير القادرين ، و لماذا هذا الكم من الإفراط والتكالب علي الظهور بالإعلانات وسد الفراغ في شاشات الفضائيات .

 

ستظل بلادنا تتكبد آثار أزماتنا الفكرية التي تعد المنبع الأول والسبب الرئيسي لسائر مشاكلنا الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية ، ذلك لأن الفكر والعلم يسبقان العمل والتنفيذ ، وتغيير هذا الفكر القائم علي الوهم والخداع وشهوة الشهرة وحب المال تتطلب دربًا من دروب التفكير والحراك المجتمعي الثائر علي كل ما هو شائع داخل المجتمع من أفكار نمطية ، فالفكر الرشيد ينهض بالمجتمعات ، و عندما يجتمع الفكر مع الإنسانية تولد الحضارة .