رؤساء مصر فى عيون الصحافة الإسرائيلية

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


خُطب ناصر أثارت رعُب تل أبيب.. والسادات لم يحظ بالاحترام قبل أكتوبر 73

سخروا من مبارك رغم التزامه باتفاقية السلام


اختلفت نظرة الإعلام الإسرائيلى لرؤساء مصر طوال العقود السابقة، وفقاً للظروف السياسية التى مرت بها البلاد خلال فترات حكمهم وموازين القوى المصاحبة لكل رئيس. وأثر موقف الرؤساء المصريين من إسرائيل على موقف المجتمع الإسرائيلى، الذى أثر بدوره على الاتجاهات والمواقف الإعلامية بصورة ملحوظة، لكن اللافت فى تناول الإعلام الإسرائيلى لرؤساء مصر هو الرغبة فى الحفاظ على معنويات المجتمع الإسرائيلى، دون تقديم أى رؤية موضوعية عن شخصية الرئيس المصرى.


1- "ناصر

البداية كانت مع اندلاع ثورة يوليو 1952، عندما كان الإسرائيليون لا يزالون يعيشون نشوة إقامة كيانهم الصهيونى على أرض فلسطين، آنذاك سخرت إسرائيل كل إمكانياتها الاستخباراتية والعسكرية بل والإعلامية أيضا، من أجل مواجهة هؤلاء الضباط الذين تولوا شئون الحكم فى مصر، خاصة بعدما رفعوا شعار «تحرير فلسطين من أيدى الصهاينة».

فى ذلك الوقت.. كان الحفاظ على الحالة المعنوية الهائلة التى اكتسبوها بعد إعلان قيام دولتهم هو الشغل الشاغل لقيادات ذلك الكيان الوليد، وترجم ذلك دعوات الكراهية التى تبناها الإسرائيليون ضد عبد الناصر، الذى نجح بخطواته نحو القومية العربية فى إقامة حاجز نفسى كبير بينه وبينهم، ولم ينهار ذلك الحاجز إلا بعد وفاته فى سبتمبر عام 1970.

وطوال هذه الفترة، كانت خطب عبد الناصر تمثل للإسرائيليين «فيلم رعب أسبوعي»، وكثيرا ما حاول الإعلام الإسرائيلى -الذى كان قاصرًا على الإذاعة والصحف- التقليل من شأن عبد الناصر؛ للحفاظ على معنويات الإسرائيليين والظهور متماسكين، وهناك واقعة شهيرة جسدت إلى أى مدى وصل هذا الرعب فى قلوب الإسرائيليين، وهى باختصار: «مع بداية مشروع الوحدة مع سوريا، كانت مصر معروفة باسم الجمهورية العربية المتحدة، ويشار لها بالعبرية «ريبوبليكا عرفيت مئوحيدت»، وكان يتم اختصار الاسم أثناء إلقاء النشرة، بأخذ الحرف الأول من كل كلمة.. لتصبح «رعم»، ولسوء حظ الإسرائيليين تعنى تلك الكلمة بالعبرية «الرعد»، لذا كان الإسرائيليون يشيرون إلى جمال عبد الناصر فى النشرة الإخبارية بعبارة «روش رعم»، أى رئيس الرعد، ما تسبب فى مشكلة نفسية للعديد من مستمعى الإذاعة العبرية، ليقرر القائمون عليها بعد ذلك إلغاء هذا الاختصار نهائيا».

ظل هذا الحاجز النفسى قائمًا بين الإسرائيليين وعبد الناصر، حتى قبل حرب 1967، حيث بدأت تنتشر مجموعة من الأغانى للسخرية من الرئيس المصري؛ بهدف الحفاظ على معنويات الإسرائيليين مرتفعة، وصدرت أغنية لمطرب يدعى إيريك لافى، بعنوان «ناصر فى انتظار رابين»، وهناك أغنية أخرى تم إعدادها وتلحينها داخل الجيش الإسرائيلى بعد حرب1967، وغنتها فرقة القيادة المركزية الإسرائيلية، تقول كلماتها: «صوت الجمهورية العربية المتحدة من القاهرة، أجرى زعيمنا العظيم جمال عبد الناصر وهو يبكى مكالمة، مع الملك حسين ملك الأردن، الذى قال له هل شاهدت يا جمال ما حدث لى، يا ويلى لقد بليت الأسلحة الروسية التى فى حوزتنا، فليرحمنا الله، يا جمال أشعر أننى غير طبيعى، لقد تلاشت الأسطورة من أمام عيناى أين أصدقاؤنا وحلفاؤنا».

وفى تلك الفترة انتشرت مثل هذه الأغنيات، لتكون بمثابة التنفيس عن المجتمع الإسرائيلى، الذى ظلت أنفاسه محبوسة طوال فترة تولى عبد الناصر حكم مصر، والمثير أنها كانت تلقى تجاوبا من الجمهور الإسرائيلى بشكل كبير، ومن فرط نجاحها وانتشارها تناقلها عدد كبير من المطربين الصهاينة خلال تلك الحقبة.


2- "السادات"

النظرة التى كان ينظر بها الإسرائيليون للرئيس السادات اختلفت عن سابقه، على الرغم من أن بدايات عصره شهدت خطبا تحمل التهديد والوعيد لإسرائيل والتلويح بإعادة الأراضى المغتصبة مرة أخرى، إلا أنها رغم قوتها لم تزعج الإسرائيليين كثيرا، خاصة بعدما صورت الصحف والإذاعة العبرية السادات -بناء على تحليلات مخابراتية- بالرجل الضعيف، الذى يحاول ترسيخ شعبيته فى مصر أولا؛ لمضاهاة شعبية عبد الناصر الطاغية، وبعدها سيفكر فى مواجهة إسرائيل عسكرياً.

كانت هناك حالة من الاسترخاء الإعلامى تجاه الرئيس السادات، حتى بعد تلويحه فى أكثر من مناسبة بالحرب على إسرائيل، وأدى عدم تنفيذه لتهديداته المتكررة ولو بعملية استنزاف واحدة إلى ترسيخ هذا المفهوم لديهم، ولكن سرعان ما اختلفت النظرة تماما بعد حرب أكتوبر 1973، حيث بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تهتم بتصريحاته ونقل خطبه على الهواء، واعترفت الأوساط الإعلامية الإسرائيلية بخطئها فى عدم القدرة على فهم هذا الرجل، وكيف أنها استندت على التقارير المخابراتية المضللة والتحليل النفسى الخاطئ لشخصيته.

وعندما هبطت طائرة السادات فى مطار بن جوريون عام 1977 للتفاوض بشأن اتفاقية السلام بين البلدين، ووقوفه احترامًا للسلام الوطنى الإسرائيلى، تحولت الكلمات المسيئة لمصر إلى عبارات حب وإطراء، وتبدلت عبارات السخرية إلى عبارات تحمل أسمى معانى الاحترام والتقدير، وتبارت الأقلام الإسرائيلية فى تأليف الأغانى المؤيدة لخطوات السلام التى تبناها السادات، وتغنت المطربة الإسرائيلية أهوفا عوزرى بأغنية تحمل عنوان «اللقاء التاريخي»، كما غنى المطرب الإسرائيلى يجئال باشان أغنية للسادات، بعنوان «الماراثون»، والتى استعرض فيها تاريخ إسرائيل، بدءًا من عام 1948 مرورًا بحروب 1956 و1967 و1973، حتى قدوم السادات لإسرائيل.

وظل مشهد وقوف السادات مصغيا لعزف السلام الوطنى الإسرائيلى فور خروجه من الطائرة فى ذاكرة عدد كبير من الإسرائيليين، ويتم عرضه على شاشة التليفزيون الإسرائيلى كل عام، أثناء الاحتفال بمناسبة التوقيع على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.


3- "مبارك"

أما الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، فيعتبر أكثر الرؤساء المصريين تعرضا للإهانة والسخرية فى البرامج والإعلام الإسرائيلى، فإذا كنا تفهمنا سبب محاولات الإسرائيليين للتقليل من شأن الرئيس عبد الناصر واحترامهم للسادات، فإن ما تعرض له الرئيس الأسبق من سخرية عبر البرامج التى كان يبثها التليفزيون الإسرائيلى لا نجد لها مبررًا، خاصة أنه لم يوجه عبارات التهديد والوعيد لإسرائيل، كما فعل عبد الناصر، بل على العكس، كان مبارك ملتزمًا بسياسة السلام وحسن الجوار التى أقرها السادات.

وربما يرجع سبب ذلك إلى رفضه المستمر لزيارة إسرائيل، والتى اقتصرت على زيارة وحيدة طوال فترة ولايته التى استمرت نحو 30 عامًا، وكانت أثناء تقديم واجب العزاء فى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق رابين، يوم 4 نوفمبر 1995، وكانت صورة الرئيس السابق مبارك حاضرة دائما على برنامج العرائس الإسرائيلى الساخر «حرتسوفيم»، الذى كان يجسد صور الزعماء على شكل عرائس ويسخر منهم بشكل دائم، والتصقت بمبارك صفة «العنيد.. قليل الفهم»، كما خصص المنولوجست والمهرج الإسرائيلى إيلى يتسبان، حلقات خاصة لتقليد الرئيس السابق، وعندما اندلعت ثورة 25 يناير فى مصر، لحن وألف مجموعة من الشباب الإسرائيلى أغنية تحمل عنوان «ارحل يا مبارك».


4- "مرسي"

كانت هناك مخاوف شديدة لدى الإسرائيليين بعد تولى محمد مرسى رئاسة مصر عام 2012، وتوقع الكثيرون منهم وقوف رئيس مصر «الإخواني» عائقًا أمام الانتهاكات التى كانت تمارسها إسرائيل بشكل مستمر تجاه الفلسطينيين، خاصة سكان قطاع غزة، وخلال تلك الفترة بث التليفزيون الإسرائيلى إعلانًا ترويجيًا حمل عنوان «الأطفال مستعدون»، ظهر خلاله طفلان يلعبان فى رمال إحدى الشواطئ، وقاما بتشييد بناء من الرمال على هيئة «هيكل سليمان»، وبعد الانتهاء من العمل توجها إلى أبيهم، الذى كان يقرأ الجريدة، وطلبا منه مشاهدة قصر الرمال الذى يشير إلى الهيكل المقدس، وعندما وصل إلى المكان، ألقى الجريدة على الأرض، وبها صورة الرئيس المصرى الأسبق مرسى، فى إشارة إلى عدم الالتفات لتهديداته، وأن الأمل موجه نحو الأطفال والشباب مستقبلاً.


5- "السيسى"

بعد نجاح ثورة 30 يونيو وإطاحتها بالإخوان المسلمين، صدرت الأوامر مبكرًا من ديوان مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، لمنع الكتابة عن وزير الدفاع المصرى آنذاك عبد الفتاح السيسى، حتى لا يتم إغضاب السلطة فى مصر خلال تلك الفترة الدقيقة.

واستمرت حالة الحظر لمدة عام تقريبًا، وبعدها بدأت الصحف الإسرائيلية تتناول شخصية الرئيس المصرى من الجانب النفسي، واحتارت وسائل الإعلام الإسرائيلية فى تحليل شخصيته، فهناك من وصفه بجمال عبد الناصر الجديد، الذى يتخلص من خصومه بكل شدة وحزم ويرفض الحوار أو النقاش، ومنهم من قارنه بالسادات، الذى اتسم بالهدوء والدهاء وإخفاء شخصيته الحقيقية عن أعدائه ومعارضيه.

هذا التخبط زاد بعد التقارب المصرى الروسى، وسعى السيسى للتخلص من التبعية للولايات المتحدة، كما احتلت صفقات السلاح التى أبرمها مع روسيا وفرنسا والصين وألمانيا وكرواتيا عناوين موقع وزارة الدفاع الإسرائيلية أسبوعياً تقريباً، وتحول الرئيس المصرى فى نظر الإسرائيليين من حليف أمريكى واضح إلى حليف روسى غامض، أعاد إلى الأذهان فترة الحرب الباردة.

إسحاق لفانون، سفير إسرائيل السابق بالقاهرة، لخص الأمر وأكد أن العلاقات مع مصر الآن تمر بأسوأ مراحلها منذ عام 1979، على عكس ما تناولته بعض الأقلام مؤخرًا، باختصار تحول الرئيس السيسى فى أذهان الإسرائيليين إلى لغز غامض يصعب فك شفرته، ولم يتحدد حتى هذه اللحظة وفقاً لرؤيتهم موقفه الصريح من تل أبيب، هل هو عدو أم حبيب؟.