تزامنًا مع الانتفاضة.. تعرف على تاريخ إيران في القمع والاستبداد

تقارير وحوارات

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية


تزامنا مع اندلاع المظاهرات والاحتجاجات بكافة أرجائها إيران في الآونة الأخيرة ضد انتهاكات نظام الملالي في طهران لرفضهم التام للإهمال الحكومي والفساد، أكدت دراسة أعدتها الباحثة هالة أسفندياري قبل طرحها منذ أيام بشأن الانتفاضة الأخيرة في إيران وكأنها كانت تدرك أن ظلم المهمشين في إيران لن يطول بهم الانتظار وأن الحكومة القمعية في هذا البلد التي أفقرت شعبها ومنعته من حرية التعبير لن تصمد طويلاً.

 

مجتمع الفساد

وأكدت الدراسة أن إيران خلال القرن العشرين شهدت البلاد ثلاثة اضطرابات سياسية رئيسة: الثورة الدستورية في 1905-1911، وحركة تأميم النفط في الفترة 1951-1953، والثورة الإسلامية 1978-1979. وكل واحدة تختلف عن الأخرى بشكل كبير، ولكن كلها جاءت كرد فعل على الفساد وسوء الحكم والاستبداد وعكست جميعها انتشار محو الأمية، وتوقعات متزايدة من الطبقة المتوسطة المتنامية ونفاد صبر مجتمع الأعمال والأثرياء مع سوء الإدارة الرسمي.

 

وقد اتسمت جميعها بتطلع إلى شكل من أشكال الحكم الديمقراطي ولكن في كل مرة، كان هذا الطموح مخيباً للآمال إذ أنشأ دستور عام 1906 برلماناً لمراقبة سلطة الشاه وإعطاء الشعب الإيراني السيطرة المطلقة على بلده. ولكن بعد عقدين من الزمن، حكم الشاه مرة أخرى بمنطق "ملك مطلق" وأصبح البرلمان مجرد هيئة صورية، وتم تجاهل الدستور الجديد إلى حد كبير.

 

وقد تأثرت حركة 1951-1953 أساساً بطلب تأميم صناعة النفط الإيرانية، التي كانت تسيطر عليها الحكومة البريطانية، وكان زعيم الحركة، رئيس الوزراء محمد مصدق، شخصاً ذا شعبية ومصلحاً، وبطلاً بالنسبة للسلطة البرلمانية، بدلاً من السلطة الملكية ولكن مرة أخرى ما كان البعض يعتقد أن آفاقاً للديمقراطية قد اختفت عندما تمت الإطاحة بمصدق في عام 1953 إثر انقلاب خططت له وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، والاستخبارات البريطانية فيما احتفظ الشاه بعرشه، وتبع ذلك حملة ملكية على النشاط السياسي.

 

وعد ديمقراطي فاشل

وفي كتابه "الديمقراطية في إيران"، يستعرض ميساغ بارسه، السبب وراء اكتساب قوى القمع دائماً اليد العليا على حساب الدوافع الديمقراطية، وكيف يمكن أن تظهر الديمقراطية في نهاية المطاف في إيران. ويركز الكاتب بشكل أساسي على ما يعتبره "الوعد الديمقراطي الفاشل" للثورة الإسلامية 1978-1979 ويخلص إلى أنه نظراً لطابع الجمهورية الإسلامية، فإنه إذا جاءت الديمقراطية إلى إيران، فإنها ستفعل ذلك من خلال الثورة وليس الإصلاح التدريجي.

 

النظام الإيراني يعمل لمصلحته

يعتقد بارسه أن الثورة الإسلامية كان بإمكانها أن تؤدي إلى حكومة ديمقراطية، فقد تحققت من خلال ائتلاف واسع شمل طلاب المدارس والجامعات، وأصحاب المحال التجارية والتجار والمثقفين والعمال وعبأ رجال الدين حشوداً كبيرة ومتنوعة في الشوارع ولكن حتى أولئك الذين ساروا للثورة تحت راية المبادئ الدينية، والذين صوتوا في ما بعد لإنشاء جمهورية إسلامية، لم يتوقعوا الاستبداد والتطرف الديني اللذين سيؤسّسهما رجال الدين في ما بعد، وقد قاد زعيم الحركة آية الله الخميني الكثيرين، إلى الاعتقاد بأنه يؤيد شكلاً من أشكال الحكم الديمقراطي، وأنه ملتزم بحرية الصحافة وحرية التعبير، وليس له مصلحة في حكم البلاد لوحده، أو وجود رجال دين آخرين يديرون الحكومة.

 

الاستبداد الديني

وأكدت الدراسة، كانت عقيدة "ولاية الفقيه" المحور الرئيس للمشروع الثوري، وهي فكرة السلطة المطلقة في الدولة الدينية، ويجب أن تخوّل لأكبر فقيه على قيد الحياة، مع تحديد رجال الدين للإطار الأساسي للقوانين، والنظام القضائي، وكيفية حكم البلاد، والنتيجة كما كتب بارسه هي أن الخميني وحلفاءه انتقلوا إلى تأسيس الحكم الديني المطلق، واعتمدوا على آليات أيديولوجية وسياسية وقمعية لكسب تأييد شعبي، وتحييد المعارضة المتزايدة. وحتى مع تبنّي الزعيم الجديد لإيران سياسات العدالة التفضيلية لصالح الفقراء والمضطهدين، فقد حارب المنافسين بلا رحمة، وعمل على إسكات المعارضة.

 

القمع سمة بارزة

لقد ظل القمع سمة بارزة في إيران منذ الثورة الإسلامية، ولكن لم يتم القضاء على المعارضة، في هذه الحملة كما يروي بارسه نشر الخميني ومساعدوه الشرطة الدينية وقوات الحرس الثوري، والقوة العسكرية الموازية بجانب الجيش النظامي، المسؤولة عن حماية الطابع الجديد للدولة؛ إضافة إلى أعمال البلطجة التي مارستها مجموعات، مثل جماعة "أنصار حزب الله".

 

وأوقف أعضاء هذه الجماعات التجمعات المعارضة والمنشقة، في حين أغلق النظام الجديد الصحف، التي تنتقد النظام الناشئ، وحظر منظمات المعارضة، بما في ذلك الحزب الديمقراطي الكردي الذي وصفه الخميني بـ"حزب الشيطان"، وتوفي مئات الأكراد في مناوشات مع الحرس الثوري أو أعدموا، بعد إدانتهم بجرائم غير واقعية؛ مثل التمرد، وتلقت حركات أخرى قامت بحملات لصالح الأقليات العرقية مصيراً مماثلاً

 

 وأخيراً، تحول رجال الدين نحو الخميني ضد حلفائهم السابقين. وكانت الجماعات اليسارية الراديكالية، مثل حركة "مجاهدي خلق"، والأكثر اعتدالاً، مثل "الجبهة الوطنية" وحركة "حرية إيران"، برئاسة مهدي بازركان، أول رئيس وزراء للخميني، قد دعمت في البداية الخميني، ولكن في غضون بضعة أشهر، وجدوا أنفسهم أهدافاً للنظام.

 

معاناة المعارضة

وظل القمع سمة بارزة من سمات الجمهورية الإسلامية منذ ذلك الحين، ولكن أيضاً لم يتم القضاء على المعارضة، وظلت أفكار الإصلاح وسيادة القانون والحكومة الديمقراطية الخاضعة للمساءلة على قيد الحياة. كانت هناك دائماً انشقاقات داخل النخبة الحاكمة، ويلاحظ بارسه أن أصوات المعارضة كانت دائماً مسموعة، خصوصاً في موضوعات مثل إعدام السجناء السياسيين، وحظر الصحف، والعبث في الانتخابات وفي عام 1981، قال أحد أحفاد الخميني لشبكة "بي بي سي"، إن الحكومة الحالية "أسوأ من حكومة الشاه والمغول" واتهم نظام بلاده بـ"قتل الناس وسجنهم بلا سبب".

 

من وقت لآخر، طفت تيارات سفلى إلى السطح، ففي عام 1997، انتخب محمد خاتمي رئيساً بأغلبية كبيرة، وبوعود أكبر، شملت الحريات الاجتماعية والسياسية، والصحافة، واحترام سيادة القانون، وحقوق الخصوصية. لم يكن خاتمي ثورياً، كما يشير بارسه، كما أنه لم يكن يريد الإطاحة بالجمهورية الإسلامية، أو الطعن في أسس النظام، لكنه حاول تخفيف الضوابط على الصحافة والنشاط السياسي، ومواجهة الأجهزة الأمنية، والدفع بجدول أعمال اقتصادي موجّه نحو السوق.

 

وعاش المعارضون أصعب أيامهم في تاريخ إيران الحديث، بعد أن أغلقت المحاكم الصحيفة الشعبية والليبرالية "سلام"، اندلعت احتجاجات في جامعة طهران، وقد رد النظام بقسوة، إذ أرسل قوات الأمن إلى الإقامة الجامعية، قبل الفجر، لضرب الطلاب وهم نائمون، ثم تخريب مقر سكنهم، وتسبب الحادث في مشكلة للسلطة الحاكمة، وكما يلاحظ بارسه، في العقدين اللذين انقضيا، منذ الثورة، تضاعف عدد الطلاب الجامعيين 10 مرات تقريباً، من نحو 160 ألفاً في أوائل الثمانينات إلى 1.5 مليون في عام 2000. وتشارك أقلية فقط من هؤلاء عادة في النشاط السياسي، لكن لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لتسييس البقية.