السر في "2 جنيه".. مغامرة صحفية لـ"الفجر" تكشف بيع أسماك فاسدة بأسواق القاهرة

تقارير وحوارات

محرر الفجر أثناء
محرر الفجر أثناء المغامرة


انتشرت في الآونة الأخيرة، كثير من الأقاويل والأنباء حول وجود أسماك فاسدة بالأسواق المصرية، مما أدى ذلك إلى قلة حركة البيع والشراء بسبب تخوف المواطنين من شراء تلك الأسماك، الأمر الذي استدعى الحكومة إلى زيادة جهودها من أجل ضبط تلك الأسماك الفاسدة وإجراء تحليل على عينات الأسماك المختلفة الموجودة بداخل تلك الأسواق.

 

وعقب قرار تحرير سعر الصرف، وإرتفاع قيمة الدولار أمام الجنية المصرى، دخلت الأسماك في موجة الإرتفاع، خاصة وأن مصر تستورد كمية كبيرة منها، فإزداد سعرها لأكثر من الضعف، وأصبحت وجبة السمك من الوجبات بعيدة المنال عن المواطن البسيط، الأمر الذي جعل إهتمام المواطن بسعر السمك، والبحث عن أسعار أقل أكثر أهمية من البحث عن جودته وصلاحيته، معتمداً فى هذا الأمر على أجهزة الرقابة على الأسواق وقوة جهاز حماية المستهلك في مكافحة الغش التجاري.


وبالرغم من الفوائد العديدة لتناول الأسماك لما تضيفه لجسم الإنسان من عنصر "البروتين، اليود، الكالسيوم، والفسفور" وفوائد عديدة أخرى، إلا أن أضراره تفوق بدرجة كبيرة جداً إذا ساء تخزينه، ويكون له أثر سلبى على صحة الإنسان.

 

لذا قررت "الفجر" خوض مغامرة صحفية، استمرت أكثر من 7 ساعات، وذلك لمعرفة مستوى الرقابة على الأسواق المصرية من قبل الدولة, من حيث ضبط الأسعار والجودة وإن كانت تلك الأسماك التى تباع من خلالها صالحة للإستخدام الآدمى أم لا.



فقام محرر "الفجر" باستئجار ميزان وقفص من إحدى الباعة الجائلين، وقام بشراء كمية من سمك البلطى الفاسدة، ووضعهم داخل القفص، وقام بوضع القليل من الماء عليهم حتى يعطى لهم شكل جذاب للناظرين، وطرحهم للبيع بسوق السمك بالسيدة زينب، بسعر أقل من سعر السوق بجنيهين فقط، حيث سجل سعر كيلو "البلطى" داخل السوق 23 جنيه، وعرض محرر "الفجر" سعر الكيلو ب21 جنيه فقط، وقام بالهتاف "صاحى يا سمك.. بتلعب يا سمك.. أقل من سعر السوق يا سمك" حتى يجذب إليه إنتباه المارة، أو أحد المسئولين على رقابة الأسواق، أو حماية المستهلك.

 

بدايةً.. كان الإقبال ضعيف جداً لقرابة خمس عشر دقيقة، ولكن بعد توقف أحد المارة أمام قفص السمك، وقام بطلب الشراء، وجد محرر "الفجر" زيادة ملحوظة فى الإقبال، وكل منهم يريد الشراء, وأغلبهم ظل فترة يقلب فى الأسماك داعيين فحصها، حتى أن محرر الفجر شك أنهم سوف يكتشفوا أن هذه الأسماك بها علة، ولكن حدث عكس ذلك حيث قام البعض بطلب وزن 2 كيلو وغيره 3 كيلو، وكأن تاثير خصم الجنيهين عن سعر السوق أعلى من تأثير جودة السمك نفسه على الناس، مما إضطر محرر الفجر بإخبارهم أن هذا السمك فاسد ويستخدمه فقط لكشف الرقابة على الأسواق، والذى لقى على أثره ترحيب شديد ودعاء منهم، مطالبينه أن يستمر فى هذا النهج على باقى السلع بداخل الأسواق.

 

ومن جانبه قال له أحد المارة بعد أن كُشف أمره، إننا أصبحنا عرضة لجشع التجار من حيث غلاء الأسعار, كما أصبحنا فرصة لكل منهم يسعى جاهداً لإقتناصها، مشيرًا إلى أن المواطن الآن حائر لايجد أرضاً تحت قدميه، ويبحث دوماً عن كيفية توفير جنيه واحد على الأقل، معللاً بتوقف العديد من المارة أمام محرر الفجر لأنه يبيع أقل من سعر السوق فقط، ولا أحد منهم اهتم إذا كان هذا السمك صالح أم لا.



وبعد أن كُشف أمر محرر "الفجر"، وجد اثنين من أصحاب المتاجر بالسوق أتوا إليه مهددينه بالضرب إن لم ينصرف من هذا السوق فوراً، لأنه تسبب فى إرباك حركة البيع والشراء داخله على حد قولهم، مما اضطر محرر "الفجر" للرحيل، وتكرار هذه التجربة فى مكان آخر على أمل أن يجد أحد من الرقابة حتى وإن كان ماراً بالصدفة.

 

توقف محرر "الفجر" عند ناصية بالقرب من سوق السمك، وكرر هتافه (صاحى يا سمك، أقل من سعر السوق يا سمك)، مما جعل كل من كان بطريقه للسوق يتوقف أمامه، ويسأل عن سعر الكيلو، ويرد عليه محرر الفجر ب 21جنيه، وفوجئ بأول مواطن طلب أن يزن له 2 كيلو دون أن يضع يده على السمك، مكتفياً بنظرة منه فقط، مما إضطر محرر الفجر بأن يأخذه جانباً ويبلغه بأن هذا السمك فاسد، وأنه فى تحقيق صحفى لكشف حقيقة الرقابة بالأسواق، وطلب منه بأن لايبلغ أحداً بهذا حالياً حتى يرى ماذا سيكون تصرف الناس عند وضعهم أمام أسماك فاسدة، حتى فوجئ محرر الفجر بسيدة مسنة تبلغه بأن هذا السمك فاسد، وبسؤاله عن سبب ذلك، قالت له أن هناك إنتفاخ فى بطون تلك الأسماك وله رائحة كريهة، وقامت بفتح خياشيم إحدى الأسماك والتى بينت تغير لونها من اللون الوردى الطبيعى إلى اللون الداكن الغامق، وعلى الفور أبلغها محرر الفجر بحقيقة الأمر، مما جعلها تضحك بشدة وتنظر له بنظرة خوف عليه، قائلةً له: "لو عايزنى أقعد جمبك وأبيع ممكن أعمل كده والله ربنا يكرمك يابنى"، ولكن هذه السيدة لم تكن الوحيدة التي وقفت لتشتري من المحرر بل كان هناك غيرها من الذين كانوا على أهب الإستعداد لشراء السمك لولا تحزيرهم في نهاية الأمر.

 

وانتقل بائع السمك إلى سوق لبيع الخضار، في منطقة مجاورة لتكرار تجربته, ولمعرفة مدى إهتمام المواطنين بجودة المنتج والسلعة الغذائية، وعسى أن يصادفه أي درجة من درجات الرقابة على الأسواق والسلع، وبمجرد أن قام المحرر بفرش بضاعته إلا أنه ووجد إقبال كثيف على السمك حيث تفاجىء بوجود ما يقرب من خمسة أشخاص دفعة واحدة كلاَ منهم يريد أن ينال كمية أكبر من هذا السمك الأقل في السعر، دون أي إكتراث لمدى صلاحيته، على الرغم من فساد هذا السمك وبعلامات واضحة، لكن سعر السمك هو أهم ما جذب إنتباه الماره الذين وجهوا لبائع السمك المزيف عبارات رضا لأنه يساعدهم في ظل إرتفاع الأسعار على أن يتناولوا وجبة سمك، ظلت بعيدة عن منازلهم لفترة كبيرة، ولكن سرعان ما كسر المحرر حالة الفرحة لديهم، وأبلغهم بأنه محرر صحفي وليس بائع سمك، تخفى في هذا المظهر ليكتشف مدى قوة الرقابة على الأسواق التي ربما تكون معدومة في أغلب مناطق البيع والشراء.



لذا قرر محرر "الفجر" خوض تجربة جديدة بسوق الاثنين بمنطقة عابدين، ووجد صعوبة في البداية في فرش بضاعته لإزدحام المكان بدرجة كبيرة، ولكنه إستطاع في النهاية أن يصل لهدفه بعرض بضاعته أمام أحد المحال التجارية المغلقة، وبدأ في جذب المواطنين إلى السمك وسعره الرخيص على جيوب المواطنين، وهو ما جعل كل من يمر أمامه يلتفت إليه وإلى السعر الذي ينادي به بشكل أكبر، وإلتف حوله البعض للشراء، وندم البعض الآخر بعد شرائهم الأسماك بأسعار أعلى لدى باعة آخرين، وبعد أن وجد المحرر إقبالاً على الأسماك، قرر أن ينفذ رغباتهم وقام بوزن كل الكمية التي كان يحملها، وتوقف عن محاسبة المشتريين كأنه يود أن يقول لهم شيئاً ما، وبالفعل بعد أن وزن كل الكمية التي أمامه طلب منهم فحص السمك الذي بأيديهم عسى أن يكتشفوا به أمراً ما قبل مغادرتهم، ولكن قلة خبرة المواطنين جعلتهم يجهلون مدى فساد السمك مما اضطره لإبلاغهم بهذا الأمر وبالحقيقة كاملةً، والذي تسبب غضب بعضهم لضياع فرصة الحصول على سمك بسعر أقل، ولكن البعض وصل لهدف وفكرة المحرر في كشف غياب الرقابة على الأسواق، وطلبوا منه فضح المسئولين عن الرقابة، وعدم التراجع عن كتابة الحقيقة، خاصةً وأن الأمر يتعلق بفساد الطعام الذي يتناولوه.



لم يُصادف محرر "الفجر"، أحدًا من رجال الرقابة على السلع الغذائية أو جهاز حماية المستهلك، فقرر الذهاب إليهم فى عقر دارهم.

 

وبالفعل ذهب محرر الفجر إلى جوار بوابة رئاسة حى السيدة زينب, والذى بجانبه رئاسة حى الخليفة، بشارع قدرى بمنطقة السيدة، وقام بالتهليل (صاحى يا سمك.. إلعب يا سمك.. أرخص من السوق يا سمك)، ولكن ظل هذا الوضع قرابة نصف ساعة، دون أدنى اهتمام من المارة ولا يعلم سبب لذلك، ولكن الأهم هنا أنه لم يجد اهتمام المسئولين بداخل رئاسة الأحياء المتجاورة "السيدة زينب، والخليفة" على الرغم من علو صوته، وعلى الرغم أيضاً من تواجده أمامهم، وعلى إثره فقد محرر "الفجر" الأمل فى تحرك أي شخص مسئول تجاهه، وقام بلملمة سمكه الفاسد وانصرف.