عادل حمودة يكتب: 2018 عام نهاية الإرهاب فى مصر

مقالات الرأي



نبوءة الخبرة الألمانية: 2018 عام نهاية الإرهاب فى مصر

الأديان جاءت محبة للبشر.. وغالبًا ما تتحول إلى ساتر ومبرر للحروب العسكرية

الأمن الألمانى استخدم أنيس عمارى طُعمًا..لكنه فاجأهم بعملية الدهس

كان ضباط أجهزة الأمن الألمانية يراقبون أنيس عمارى ليل نهار.. لم يكن يغيب عن عيونهم لحظة واحدة.. اخترقوا بريده الإلكترونى.. قرأوا كل ما فى إيميلاته من أسرار وأخبار.. سجلوا له سبعة آلاف اتصال تليفونى.. أغلبها كان بينه وبين أمير داعش فى ليبيا.. لكن.. رغم خطورته غير الخافية على أحد منهم أفرجوا عنه بعد القبض عليه.. تركوه يمارس حياته بحرية.. ولم يقبلوا بترحيله خارج البلاد استجابة لطلبه.. فقد تصوروا أنه سيكون طعما يصطادون به باقى شبكة الإرهاب التى ينفذ تعليماتها.. سمكة صغيرة توصلهم إلى أسماك القرش المتوحشة.

لكن.. رغم ذلك كله فاجأهم بعملية الدهس الشهيرة فى منطقة سوق الأعياد غربى برلين التى قتل فيها 12 شخصا وأصيب 48 غيرهم.

فى مكتبه شديد البساطة فى جريدة دى فيلت واصلت سماع القصة من رئيس تحريرها أشتيفان أوست.

كانت تلك المعلومات التى كشفها لى جديدة تماما ومثيرة تماما.

بل أكثر من ذلك أضاف: لقد فاجأهم عمارى بحادث الدهس رغم أنه تحت المراقبة.. كيف حصل على الشاحنة التى يزيد وزنها على 25 طنا دون أن ينتبهوا؟.. كيف هرب بعد الحادث بأربعة أسابيع فى قطار سافر به إلى إيطاليا؟.. كيف لم تنتبه أجهزة الأمن الإيطالية لدخوله، رغم المعلومات المتبادلة بينه وبين الأمن الألمانى؟

وعمارى الذى لم يكن عمره ليزيد على 22 سنة ولد فى مدينة تطاون التونسية.. ولكنه تربى وعاش فى مدينة تونسية أخرى هى الإسلانية فى محافظة القيروان، حيث يعمل والده.. وقبض عليه أكثر من مرة بتهمة شراء وتعاطى المخدرات.. على أنه بعد ثورة الياسمين التى أطاحت بالرئيس زين العابدين بن على وخروج التيارات الدينية المتشددة من تحت الأرض إلى سطح الحياة السياسية هاجر إلى إيطاليا بحثا عن حياة جديدة.. لكنه.. على ما يبدو لم يجد أمامه سوى الإرهاب يأكل منه خبزه المعجون بالدم.. وفى عام 2015 كلف بالسفر إلى ألمانيا ليقدم طلب هجرة إليها.. لكن طلبه رفض.. ومنح مهلة لمغادرتها.

أقامت ألمانيا نصبا تذكاريا للضحايا فى نفس مكان الحادث.. ورصدت 100 ألف يورو لمن يرشد عن عمارى.. ولكن.. الصدفة وحدها هى التى قادت إليه وأدت إلى قتله.

بعد أسابيع قليلة من هروبه إلى إيطاليا كان عمارى يقود سيارة فى ميلانو عندما أوقفه شرطى طالبا منه أوراقه الشخصية، لكنه أخرج مسدسا وأطلق النار على الشرطى فجاء زميل للشرطى من خلف السيارة وأطلق النار عليه فسقط صريعا غارقا فى دمائه.

يضيف أوست: إن الإرهاب شر لابد منه.. تسنده شبكات سرية تجنده وتحرضه وتدعمه.. ويمكن أن يحقق نجاحات غير متوقعة.. لكن.. ذلك لا يعنى أنه سينتصر أو يفرض إرادته أو يحقق أهدافه مهما طال الزمن ومهما اشتدت المعارك.

أعترف أن تلك الكلمات الصادرة من خبير تخصص فى الجماعات الإرهابية وقضى سنوات طويلة من عمره فى دراستها وفهم دوافعها هدأت من مخاوفى مما يجرى فى شمال سيناء من عمليات إرهابية شرسة تستهدف سلامة الدولة وتسبب القلق للمجتمع على أمنه وسلامة حدوده.

ربما تلك العمليات تحقق زهوا مؤقتا لمنفذيها.. لكنهم.. قطعا سيهزمون فى النهاية.. ولو طالت الحرب بيننا وبينهم.. كل التجارب السابقة فى الدنيا كلها تؤكد هذه النتيجة الحتمية.. فما هو ضد طبيعة البشر لا يدوم ولو كسب بعض الوقت.. لكن.. علينا ألا نيأس.. وأن نتحفز جميعا للمواجهة.. الكلمة والقنبلة معا.

يوم التقيت أوست كان يحمل معه الطبعة الرابعة من كتابه عن منظمة بادر مانهوف الذى نشره أول مرة منذ 40 سنة وقدم نسخة منه إلى سفيرنا فى برلين بدر عبدالعاطى بعد أن تحدث عنه فى حفل حضره 500 شخصية مؤثرة، مؤكدا أنه أضاف إليه 150 صفحة بها معلومات جديدة.

كانت بادر مانهوف منظمة يسارية متطرفة خرجت من رحم أحداث سياسية متنوعة.. حركة الطلبة فى فرنسا عام 1968.. حرب فيتنام.. انقسام ألمانيا.. حركات التحرر الفلسطينية التى ساندوها.. شراسة النظام الرأسمالى الأمريكى.. وغيرها من الأسباب التى جعلت الشباب يحققون ما عجز عنه آباؤهم من الجيل الذى اعتنق النازية.

وحسب بحث أوست فإن عددا من قيادات المنظمة كانوا ينتمون إلى أسر دينية بروتيستانتية متشددة.. رب واحدة منها وهو والد لمسئول عسكرى فى المنظمة كان قسا لم يتردد فى حرق سوق جملة واعتبر جريمته عملا مقدسا يرضى به السماء التى أوحت إليه بتنفيذه.

إن الأديان التى جاءت هادية للبشر ومبشرة بالمحبة والتسامح والموعظة الحسنة غالبا ما تكون ساترا ومبررا للحروب العسكرية وللتنظيمات الإرهابية، فالكل يتصور أنه يحمل توكيلا من الله يمنح القدسية الوهمية على تلك الجرائم الجنائية.

ونجحت المنظمة فى تفجير قواعد عسكرية أمريكية فى ألمانيا.. واغتالت قادة عسكريين كبارا فى الناتو.. وهاجمت محالات وبنوكا ومراكز إسرائيلية.. واختطفت رجال أعمال طلبا لفدية تمول بها عملياتها.. وبالتعاون مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (بقيادة جورج حبش) خطفت طائرة لوفتهانزا الرحلة (181) القادمة من بالما دى مايوركا إلى فرنكفورت وأعدم وقتل قائد الطائرة التى لم تجد من يقبل بوجودها إلا مقديشيو عاصمة الصومال.. وهناك نجحت فرقة ألمانية فى قتل المختطفين الأربعة.

وساعدت مخابرات ألمانيا الشرقية أعضاء المنظمة.. ودربتهم فى معسكرات الجيش السوفييتى.. وفى السفارة السورية ببرلين الشرقية انضم إلى المنظمة اليتش راميرز سانشيز الشهير بكارلوس الذى وصف بالثعلب وصعب على مخابرات الدنيا كلها القبض عليه.

لكن.. رغم كل ما سببت المنظمة من اضطراب وتوتر وعدم استقرار لعدة سنوات ورغم نجاحها فى تنفيذ عمليات مؤثرة لا تقدر عليها سوى فرق محترفة فإنها انتهت تماما.

أما كارلوس المولود أصلا فى أمريكا اللاتينية فقد انتهى به المطاف إلى السودان.. وهنا.. دست عليه فتاة سمراء.. فاتنة.. وقع فى غرامها.. لكنها.. رفضت أن تسلم له نفسها إلا بالزواج خشية الرجم فى مجتمع مسلم لا يقبل بالزنى.. ووافق على طلبها.. على أنها شجعته على القيام بعملية ختان لاستكمال الزواج.. ووافق على طلبها.

دخل كارلوس الداهية المستشفى مطمئنا.. وخضع للتخدير فى سذاجة لم يتصورها أحد فيه.. وتحت البنج نقل إلى المطار حيث كانت تنتظره طائرة بلا علامات، فيها رجال من المخابرات الفرنسية نقلوه إلى باريس ليحاكم ويسجن هناك دون أن ينسوا دور المخابرات المصرية فى وضع خطة الإيقاع به وتنفيذها ببراعة.

وعاد الاطمئنان إلى العالم الذى وجد فى تلك الموجة من الإرهاب مادة سينمائية قدمها فى أكثر من فيلم ومسلسل تليفزيونى ونشر عنها مئات الكتب.

لكن.. من جديد عاد الإرهاب.. وإن طالنا نحن هذه المرة.. لكنه.. سينتهى كما نتهى من قبل.. فهذه سنة الحياة.. أن نعمل ونحارب.. وما دمنا فهمنا القانون الأزلى للصراع بين الخير والشر.. فلا مبرر لليأس.. فالمستقبل لنا.