وزير الثقافة الأسبق: العثمانيون علقوا المشانق لكل من يعترض على الحكم

توك شو

محمد صابر عرب
محمد صابر عرب


كشف الدكتور صابر عرب، وزير الثقافة الأسبق، أزمة العلاقات العربية التركية، في مقال على "فيس بوك".

وجاء في مقاله: "غالبا لا يقرأ العرب التاريخ وإذا قرأوه اختلفوا حول تفسيراته المتباينة ، فمن الحقائق التاريخية الثابتة أن الأتراك العثمانيين قد احتلوا بلادنا طوال ما يزيد علي أربعة قرون، وهي ذات القرون التي قطعت فيها الحضارة الأوروبية الحديثة خطواتها الهائلة علما وثقافة وتنمية. 

بينما عاش العرب في ظل الحكم العثماني حياة العصور الوسطى الأوروبية بكل ملامحها، فضلا عن قسوة العثمانيين في فرض نمط حياتهم البدائية علي أمة كان لها السبق في بناء الحضارة الإنسانية.

لعل أكبر الهجرات العربية من قطر إلي آخر حدثت في العصر العثماني، بسبب جور الحكام في فرض الضرائب لدرجة تعليق المشانق في الشوارع ومطاردة كل صوت عربي يبدي اعتراضا علي أي سياسة عثمانية ، والغريب أن هؤلاء لم يحملوا معهم مشروعا حضاريا أو ثقافيا أو تنمويا ، وهو ما ضاعف من تراجع دور العرب وتخلف حياتهم، لذا حينما قدم الأوروبيون إلي بلادنا مع نهايات القرن الثامن عشر تبين للعرب أن زمنا طويلا قد مضى علي غفلتهم ، وقد مارس العثمانيون كل صنوف العذاب باسم الدين " الخلافة الإسلامية " التي لم تكن تحمل من الإسلام إلا عنوانا مطاطا لم يعد مناسبا لزمن جديد ، تفتحت فيه العقول وانكشف فيه المستور عن عالم من الوهم والخرافة.

 ورغم ذلك فقد نسي العرب كعادتهم كل ذلك ، ولم يحملوا غضاضة أو كراهية لعدوهم ، وإنما راحوا يواجهون عدوهم الأوروبي الجديد القادم عبر البحار والمحيطات طوال ما يزيد عن قرن ونصف.

لقد تناسى رجب طيب أردوغان، كل ذلك وقد أطل علينا حينما جئ به رئيسا للوزراء في مارس ٢٠٠٣ ، وقد خاطب السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية وقتئذ بأن تبذل الجامعة العربية جهدا في سبيل تغيير الصورة النمطية السلبية عن تركيا في المناهج الدراسية، وقد تناولت وسائل الإعلام العربية وقتئذ هذا الخبر دون تعليق، حتى من جانب المثقفين والمؤرخين ، الذين لم يتنبهوا لهذا المطلب العجيب.

نفس الفكرة قد سعى إليها أردوغان، حينما دعا إلى مؤتمر كبير للمؤرخين الأتراك والآجانب في عام ٢٠٠٤ - على ما أعتقد - وكنت من بين الحضور، وكان الهدف من هذا الحشد واضحا للجميع، وقد سمعت بعض المؤرخين الأجانب وهم يتندرون علي ما يحدث في المؤتمر، حينما تبين لهم أن القضية التاريخية الشهير المعروفة باسم مذابح الأرمن، التي ارتكبها العثمانيون مازالت تمثل عبئا ثقيلا عليهم وعلي تاريخهم، وآن هذا الموضوع هو الهدف الحقيقي من هذا الحشد الكبير.

لم ينتبه العرب لكل هذا التاريخ العبء الذي دفعوا فيه ثمنا باهظا ، بل انفتحوا علي الأتراك الجدد، وقد نسوا تمامًا ما أحدثه العثمانيون بهم، وبينما كانت تركيا تواجه موقفا أوروبيًا موحدًا ضد دخولها الاتحاد الأوروبي، كانت الأموال العربية تتدفق علي تركيا، وكانت الصادرات التركية تجد لها رواجًا هائلاً وهو ما أوجد رواجًا كبيرًا للاقتصاد التركي.

كنا نتصور أن الأتراك قد أغلقوا صفحتهم المسيئة إلي العرب ، وأن الإسلام هو الرابط الأقوى في دعم العلاقات، وقد واكب ذلك حملة هائلة في كل وسائل الإعلام راحت تتغنى بمستقبل العلاقات العربية التركية، ولم يلتفت الإعلام إلي المواقف السلبية الهائلة لحزب العدالة والتنمية، الذي راح منظروه في كل مناسبة يحملون العرب مسئولية هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، بل وزاد من سخف بعضهم ما اسموه بخيانات العرب، ثم راح الموقف يتكشف يوما بعد يوم، ابتداء من احتلال العراق ومرورا بالأزمة السورية المعاصرة، التي يظهر فيها الموقف التركي المتآمر واضحا، ثم يفيض الكيل أكثر بعد أن اتضح الموقف التركي من الجماعة الإرهابية (داعش) والغريب في الأمر أن الأمم المتحدة ومعها الدول الأوروبية تعمل علي تفويض تركيا في تدريب المقاومة السورية والعراقية بحجة مواجهة داعش، بينما لا نسمع تصريحا واضحا للسيد أردوغان وحزبه يدين العمليات الإرهابية التي تمارسها هذه الجماعات الإرهابية صباح مساء.

أعتقد أن الشعب التركي كان ضحية حكامه من أل عثمان ، كما هو ضحية أردوغان وجماعته الآن وعلي العرب أن يعيدوا تقييم العلاقات العربية التركية، فضلا عن أهمية إعادة كتابة تاريخ العلاقات بين العرب والأتراك، بداية من القرن السادس عشر وحتى الحرب العالمية الأولى ١٩١٤.