طارق الشناوي يكتب: "كُخ ودح"!!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


واضح أنه لا محيص عن تلك اللجنة، وعلى الجميع الرضاء بالمقسوم، وعدم استفزاز أولى الأمر، ناظر جديد قادم ومجموعة من الأساتذة الذين توقف أغلبهم قسراً عن الإبداع، سيتحولون إلى قراء للنصوص ومشاهدة المسلسلات لكى يُوجِّهوا دفة الدراما، قائلين لهذا «كُخ» ولذاك «دح». 

سوف أفترض جدلاً أننا بصدد نجيب محفوظ العصر، وأن المجلس الأعلى وجد فعلاً «نجباء محفوظين» شكَّل من خلالهم لجنته الموقرة، افرض مثلاً، مثلاً يعنى، أننا طلبنا من نجيب محفوظ أن يوجِّه مثلاً أحمد مراد، مؤلف «الفيل الأزرق» ومحمد صادق، مؤلف «هيبتا»، هل يجوز لكاتب كبير أن يضع بصمته ومنطقه على إنجاز غيره؟، المبدع هو ابن الزمن بكل تفاصيله حتى السيئ منها، يجب أن نعترف بأن هناك قانوناً آخر فرض نفسه على الحياة، الأم كان اسمها «نينة» فى زمن الأبيض والأسود، هكذا كان يناديها عماد حمدى، صار اسمها فى زمن الواقع الافتراضى «نانسى» (حاف)، هكذا يناديها أحمد مالك، قد يعجبك المشهد القديم الذى كان فيه أبناء «سى السيد» يقبِّلون يده ولا يجلسون على المائدة إلا بعد أن يبدأ ويأذن، ولكن لا يمكن اعتبار أن هذا السلوك هو الدلالة فقط على الاحترام، قد ترى أن خضوع «أمينة» هو الذى ينبغى أن تتحلَّى به النساء، ولكن لا يعنى ذلك أننا كنا بصدد مجتمع سوى.

لماذا تحولت مصر فى السنوات الأخيرة إلى دولة رقابة؟ لدينا رقابة على المصنفات الفنية يقودها د. خالد عبدالجليل الذى يعلم بالضبط ما الذى تريده الدولة، فما الحاجة إذن لاختراع عشرات من الجهات الرقابية تفتش فى عقول الناس؟.

هم لا يجرؤون على القول إنهم لجان رقابية. يخففون الكلمة، يقفون فى منطقة رمادية بين التقييم الفنى والرقابى، فى الحقيقة هم رقباء، ولكن إذا قالوا إنهم لجان فنية فإن السؤال: مَنْ يوجِّه مَنْ؟.

هل يجوز لكاتب أن يشير مثلاً لتامر حبيب أو مريم نعوم أو محمد أمين راضى ويطلب منهم أن يكتبوا كذا ويتجنبوا كذا، هم من تلاميذ وحيد حامد، من الممكن أن يلجأوا للأستاذ فى سؤال على المستوى الشخصى، ولكن لا يجوز ذلك عبر لجنة تتباهى على الملأ أنها ستصلح حال الدراما.

الرغبة فى السيطرة على العقول واحد من الأسلحة التى تُستخدم بكثرة هذه الأيام، إلا أن الزمن تغيَّر ولا مجال لإغلاق الأبواب.

ليس كل المبدعين الكبار فقدوا قدراتهم، يقينى فقط أن قسطاً منهم قد تضاءل عطاؤه تماماً، ولم يعد مطلوباً، فقرر أن يلعب دور الناظر، الآخرون- وهم الأقلية- لا يزالون يملكون الكثير.

الإبداع يتأثر سلباً بالعمر بنسبة ما لا يمكن إنكارها، راجعوا الأفلام الأخيرة للأساتذة المخرجين الكبار مثل يوسف شاهين وصلاح أبوسيف وكمال الشيخ وعاطف سالم، السهم كان يهبط، تذكروا أحمد رامى فى «يا مسهرنى» عندما بدأ قطار الإبداع يتوجَّه إلى محطته الأخيرة وهو يقول: «ماخطرتش على بالك يوم تسأل عنى»، وتأملوا رامى فى «رق الحبيب» فى عز عنفوانه الشعرى وهو يقول: «من كُتر شوقى سبقت عُمرى/ وشُفت بكرة والوقت بدرى».

«سوق الحلاوة جبر واتقمعوا الوحشين»، الكل سيعتبر نفسه من الحلاوة، وأن الوحشين سيطروا على المشهد، ولن تفعل هذه اللجنة المزمع إنشاؤها سوى طرد الحلوين من المشهد، ولو كان الأمر بيدهم لطردوهم من الدنيا!!