محمد أيسر.. سر الفقيد الذي هتفت الجماهير باسمه

ركن القراء

محمد أيسر فتحي
محمد أيسر فتحي


صقر محمد 

"يوما ما سأقول لم يكن الأمر سهل، ولكنني فعلتها"، هكذا دون الشاب الفقيد محمد أيسر فتحي علي صفحته قبل مغادرة الحياة بشهور بسيطة، محمد الفتي الذي صارع مرض السرطان اللعين علي مدار شهور، بين آلام ومعونة من اللّه، وهبة عظيمة من الخالق أن ألهمه صبراً وقدرة وإيمان علي مواجهة هذا المرض الخبيث، وسك مؤازرة الأهل والأقارب والأحباء وحتي الأغراب.

في البداية قد يعتقد البعض أن هذا المقال قد يدون بشكل شخصي، أو لن يعود بالفائدة علي عامة القراء، ولكن عندما واتتني فكرة تدوين هذه السطور لم تكن إلا للتحدث عن ما أصفه بمعجزة إلهية أو لغز أو سر لهذا الفتي!!
الذي أعتقد أنه يحيا الآن في نعيم الله وجنته.

بين الحين والأخر بل كل ساعه ودقيقة وكل ثانية نفقد أشخاص عزيزة علينا، شباب وكبار وأطفال، لكن حالة محمد أيسر حالة ربانية لم أري مثلها من قبل ولم تخطر في أحاديث ولم تُذكر علي ألسنة أحد من قبل، ولكن من الآن وصاعدا ستدون في الذاكرة والعقول والكتابات والذكريات.

محمد أيسر صاحب الـ'18 ربيع' أرادت مشيئة الله أن يصيبه هذا المرض، علي مقربة عام تقريبا وأكثر ظل محمد يصارع هذا المرض بكل ما منحه الله من قوة، كانت أسرته ذات الأب والأب وثلاثة أشقاء يواجهوا هذا المرض معه بين صمت الصدمة وبين الدعاء والمؤازرة وبين بكاء التألم في الأحيان الأخري، وبين أسرته الكبيره من أهالي الإسماعيلية قرابة الآلاف من الذين زاروه ودعوا له بالشفاء، لدرجة أن مستشفي المعادي العسكري لم تهدأ ساعة بسبب كثرة الزيارات إلي محمد علي مدار شهور من الأقارب وأصدقاء دراسته وجيرانه ورفاق حياته.

إلي أن جاء اليوم الذي توقعه الجميع ولكن رفضوا فكرة مجيئة ولكن إرادة الله ودستور الحياة  "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام"ِ .. الرحمن(26)(27)، وصُدم الجميع بوفاة محمد في ساعات متأخرة من الأيام الأولي لهذا الشهر، وإهتز مُجتمع بأكمله لهذا الخبر، من ساسة ورياضيون وشخصيات عامة وإجتماعية، وللعلم أن هذا الفتي لم يكن شخصية منتشرة في هذه الأوساط، ثم عاد جثمان محمد إلي مسقط رأسه بالإسماعيلية ، في صلاة جنائزية كأنها عرس أو حفل وداع لن أجد وصف مُقرر علي هذه الحالة النادرة، إحتشد الآلاف من جميع الأعمار في مشهد لم أراه من قبل ولن يتكرر كثيراً، وفي العزاء أيضاً، كُنت أري إرهاق المقرئ من كثرة الختام ليتسع المكان إلي الكثير من الوافدين من مختلف أرجاء الإسماعيلية.

حالة ربانية من بعد وفاة محمد مابين الفرح والحزن، الحزن علي وفاته بعد كل هذا الألم والمصارعة مع المرض، ولكن أمانة ورُدت إلي خالقها، والفرح لكم هؤلاء البشر الذي مشوا خلف جسمانه، وحملوه علي أكتافهم وكم الادعية والحب التي حظي بها هذا الشاب المحظوظ الذي فضله اللّه علي كثيراً من عباده، حالة ربانية عندما تنظر إلي أعين أمه التي تري فيها صمود رهيب وصبر وحكمة ورضاء لقضاء الخالق، وسكينة أنعم الله بها عليها، وبين إبتسامة والد محمد لرفاق نجله الذي آزاروه بالمئات، حالة ربانية ان هذا الشاب لم يعرفه قبل موته إلا أصدقاءه وعائلته ورفاقه وجيرانه، وبعد وفاته أصبح يعرفه الآلاف من أهالي الإسماعيلية، كم الناس الذين لايعرفوه ونشروا صورته حزناً، وكم الناس الذي دعوا له غيباً، كم الناس الذي إتصلوا بأسرته لينعوهم وهم لايعرفوهم، إذا فهي حالة ربانية تستحق التأمل والتركيز، حالة أملّي الله عباده علي صناعتها من أجل هذا الفتي.

 بعد أيام من وفاة محمد صارت المقادير إلي إلهام قلب أمه الصبر والسلوان، أراها عناية إلهية لا تحدث كثيرا، منزل الأسرة لم يهدأ أيضاً من أعداد الناس التي تتوافد عليه يومياً صباحاً ومساءً حتى هذه اللحظات التي تقرأون فيها هذه الكلمات، بين أقارب وأصدقاء وأحباب، وبين السيدة التي تقدمت بالعمر، ولم تري محمد مره واحدة في حياتها، ولكن رأته في منامها مبتسم والفرحة تغمره، يد الله هنا أيضا كدلالة علي ربانية الحالة.

إلي أن هتف ألتراس الإسماعيلي بإسم محمد في إحدي التدريبات، «في الجنة يا أيسر» لم يكن هتاف الجماهير فقط بل دعاء إجتمع عليه الصغير والكبير والرجل والمرأة والشاب والفتاة.

ومن حب الله له آزاد الله محبته في قلوب البشر، حتي قام أصدقاءه وأسرته بنشر صناديق خيرية في شوارع الإسماعيلية لجمع صدقات علي روح محمد، وإنفاقها في بناء مسجد يحمل إسم "محمد أيسر"، وتنظيم قافلة طبية لعلاج البسطاء علي روحه، كل هذا من وجهة نظري نعمة لا تحصي ولا تعد لهذا الشاب الذي تحيا روحه بيننا ولم يرحل سوي جسده.

اكتب هذه الكلمات بصدق أمام حالة لن نقابلها كل يوم، حالة أحبها الله كثيرا وعوّضه عن صبره وآلامه مع المرض بحب ودعاء ومؤآزرة الناس.

«بحبك» آخر مانطق به محمد إلى أمه قبل نطق الشهادتين ومغادرة الحياة، وأعتقد أنه عقبها مِنحة من الله بحياة أبدية عظيمة لامرض فيها ولا آلام ولا حزن ولا فراق، ليس فيها إلا نعيم وما لم يخطر علي بال بشر إلي الآن، مُستنداً إلي قوله تعالي "وَبَشِّرِ الصَّابِرِين"َ وهذا الفتي صبر وتحمل كثيراً وكثيراً، هذه الكلمات لن تكفي كل ما تعايشته ورأيته مع هذه الحالة خلال الأيام القليلة الماضية، أسألكم الفاتحة علي روحة الطاهرة.