طارق الشناوي يكتب: (الأوركسترا) درس بليغ لسينما التفاصيل.. فهل نتعلم؟

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


بينما تُصدر نقابة الموسيقيين قراراً بإيقاف شيرين عن الغناء لمدة شهرين، تنتهى منتصف يناير القادم، يستمر شعبان عبدالرحيم في الغناء تحت مظلة النقابة، بحجة أنه لم تخرج منه كلمة خارج النص، ولايزال بين الناس من يتبادل أغانيه على الموبايل بحجة أنه يغنى على جراحنا المصرية والعربية وآخرها سخريته من ترامب.

تذكرت الفيلم الفرنسى (الفنان الفاشل) للمخرج جيمس فرانكو، حيث إنه قدم أسوأ فيلم في التاريخ بعنوان (الغرفة) ولا يتمتع كممثل بأى كاريزما ولا يملك شيئا من مقومات المخرج وحرفيته، سوى الادعاء الكاذب بأنه يمتلك موهبة، ويقدم فيلمه الجاد جدا والذى يتحول أثناء تلقى الناس له إلى فيلم كوميدى، لأن الجمهور لم يصدقه، وهو الذي أضفى عليه هذه الروح الساخرة، ليحظى بتجاوب في صالة العرض لم يستطع أي فيلم آخر تحقيقه بمن فيهم مثله الأعلى المخرج الفريد هيتشكوك، الفيلم يعرض في القسم الذي أحرص على متابعته ليلاً في مهرجان (دبى) في (العروض الافتتاحية) لأفلام العالم، حيث أكتشف مع انتهاء أيام المهرجان أننى تقريبا شاهدت كل الأفلام المهمة التي ترشح بعد ذلك للأوسكار.

الادعاء الفنى أم أن هناك من يصدق حقا أنه موهوب؟ تلك هي المساحة التي يتحرك فيها دراميا فيلم (الفنان الفاشل) وهى نفسها مثلا التي شاهدنا فيها شعبولا يستمر في الغناء لأنه يسخر من ترامب وقراره الأخير بنقل سفارة دولته إلى القدس باعتبارها عاصمة إسرائيل، بينما شيرين بسبب نكتة سخيفة توقف عن الغناء، عموما لا بأس من أن تتعلم شيرين الدرس، والرسالة قد وصلت بأن عليها أن تراجع كل ما يصدر عنها، بينما شعبان لايزال مستمرا في الغناء وتسطيح القضايا، شعبان يتقمص دور المغنى الشعبى الذي ينفعل بكل قضايا بلده، كما أنه يدرك ما هو المطلوب سياسيا، غالبا هناك من يوجهه، بدأها في زمن حسنى مبارك فكان لا يكف عن دعم كل مواقف الرئيس، حتى إن الدولة قد استعانت به في الترويج لسيناريو التوريث عندما غنى قبل ثورة 25 يناير واحدة من تلك التي ينهيها قائلاً (وان ما اترشحتش انت أنا ح انتخب جمال) أي أنه مدرك الحساسية التي طرحت نفسها على العائلة التي كانت تحكم مصر، حيث كان ينبغى أن يعلن الأب لا أريد المزيد لكى يتقدم الابن، شعبان لم يتعلم حرفة الغناء ولكنه يغنى، بينما العلم يعتبر هو البنية التحتية لمن يمارس الفن.

وهو ما ينقلنا لفيلم آخر (صف الأوركسترا) الذي عرض أيضا في قسم (سينما العالم سنجد هذا المعنى كامنا أثناء التحضير للفيلم حيث تعلم جميع المشاركين في التمثيل أولا أساسيات الحرفة، قبل أن يشرعوا في تنفيذ الفيلم، وهذا هو الدرس الذي يغيب دائما عن أفلامنا العربية.

هل تتذكرون فيلم (شارع الحب) للمخرج عزالدين ذوالفقار، تحديدا المايسترو (جاديليو) الذي أدى دوره حسين رياض، المفروض أنه ملحن ويجيد العزف على آلة العود، بالإضافة إلى قدرته على قيادة الفرقة الموسيقية، كانت مشكلة عز تكمن في أن حسين رياض لا يجيد العزف على أي آلة، وبالتأكيد لا يعرف كيف يُمسك بعصا المايسترو، ويحرك يديه في إشارات واضحة للفرقة أثناء القيادة في الأغنية الأخيرة (نعم يا حبيبى نعم).

(ح تغنى يا منعم وح يروح جاديليو السجن)، لا يمكن أن ينتهى الأمر بكل تلك البساطة، مثلما كانت تقود زينات صدقى الفرقة الموسيقية (التخت الشرقى) وعبدالسلام النابلسى على الجانب الآخر يقود (فرقة حسب الله).

هذا من الممكن تقبله في موقف هزلي ولكن في الفن التفاصيل هي التي تمنح للفن خصوصيته وعمقه، وهذا هو ما حققه المخرج الجزائري الأصل، رشيد حامي، في فيلمه ( صف الأوركسترا) عندما قرر أن يقدم مجموعة من الطلبة في المدرسة من خلال مدرس قرر أن يجازف بهم ويضعهم في البؤرة بين العازفين.

المخرج والكاتب رشيد حامي، الفرنسي الجنسية، يتناول في فيلمه «إحباط الأستاذ» الذي يتشبث ببقعة الضوء، أقصد التلاميذ الذين وجد بهم بلسماً لشفائه من معاناته الشخصية وأيضا العائلية، تلك هي المشكلات التي نعايشها في هذا المعترك داخل تلك المنظومة.

إنها السينما عندما ترنو للكمال، كان من الممكن أن يستعين المخرج بطلبة من معهد موسيقي ويوفر على نفسه الكثير من الجهد، ولكنه آثر أن يبحث أولًا عن الممثلين من الأطفال وبعد ذلك يعلمهم العزف على الكمان ليصبح الأداء التعبيري هو الذي يحتل مقدمة (الكادر) وتلك تبدو بالنسبة لي واحدة من الأساسيات.

أتذكر أن الفنان الراحل ممدوح عبدالحليم عندما رشح لأداء دور بليغ حمدي في مسلسل (مداح القمر) أخذ دروساً على مدي ستة أشهر لكي يتعلم أصول العزف على العود، صحيح في نهاية الأمر لم ير المسلسل النور ولكن هذه حكاية أخرى، يبقي أن هناك من فكر في الخطوة الصحيحة، وهى ألا نلجأ لحيل إخراجية مباشرة وفجة، حيث إن المخرج يلجأ للحلول التقليدية وهي أن يتجنب تصوير أصابع الممثل أثناء العزف أو يستعين بعازف آخر محترف ويتم تركيب اللقطات، الأجمل قطعاً هو أن يمتلك الممثل الحرفة، وهو ما حرص عليه المخرج.

ومن الأفلام المهمة أيضاً في نفس القسم (شكل الماء) الفيلم يعود بنا لمرحلة مهمة جداً في تاريخ الإنسانية الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا (الاتحاد السوفيتي) سابقا، اشتعلت تلك الحرب بقوة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتأججت خلال الستينيات من القرن الماضي، المخرج جيليرموديل تورو، الذي قدم فيلمه الأول بتلك المسحة الفنية التي ترنو ناحية الخيال العلمي، من خلال تخليق إنسان مائي في أمريكا، هذا الكائن لا يمكن بسهولة السيطرة عليه، وتفشل كل الخطط، ولكن مشاعر الحب مع الفتاة البكماء التي كانت عاملة في (دورة مياه المعمل) وفي نفس الوقت تبحث عن شيء آخر لم تجده في عالم البشر، هذا الكائن المائي تصعب السيطرة عليه ولكنه يحب.

شكل الماء بكل تنويعاته تجده حاضراً في كل تفاصيل الشريط السينمائي الذي ينتقل بنا بين الواقع والخيال ولكن الفيلم هو الذي يصنع قانونه.. وتتوالي مع الأيام عروض (سينما العالم).

نقلًا عن المصري اليوم