محمد عادل يكتب: .. وتحيا شادية

مقالات الرأي

محمد عادل
محمد عادل


رحلت الفنانة شادية منتزعة معها قلوب محبيها، الذين عاشوا معها الحب فى دلال صوتها بأغنيات «أبوعيون عسلية، فارس الأحلام، أنت أول حب، الحب الحقيقى، شبكت قلبى، يا قلبى سيبك، وإن راح منك يا عين»، وتعلموا منها الأمومة عندما لخصت مشاعرها بصوت دافئ فى أغنيات «يا قلب ماما»، «أمى»، بخلاف الانتماء وحب الوطن الذى زرعته بصوتها العذب فى كل جيل بأغنيات «ياحبيبتى يا مصر»، «مصر اليوم فى عيد»، و«يا مسافر بورسعيد».

تركت شادية خلفها كنزًا فنيًا وتاريخًا ورثه جمهورها، ليس ليكتفى به لنفسه بل ليتم تدريسه لأجيال وأجيال فى معاهد الغناء والتمثيل المصرية والعربية بل العالمية أيضًا، لأنها رمز لن يكرره التاريخ مرة أخرى.

ربما كانت لشادية أمنية واحدة طيلة عمرها تتمنى تحقيقها قبل أن تتم الخمسين من عمرها، وصرحت عنها فى مجلة الكواكب لعام 1966، وكتبت بخط يدها: «إن الأمنية التى لم يعرفها عنى الناس هى أننى أتمنى أن تكون عندى دستة من الأطفال عندما أبلغ سن الخمسين»، ومرت الأعوام وتزوجت ثلاث مرات، وأدت دور الأم على الشاشة لكنها لم تحقق حلم الأمومة.

لكن الحقيقة أنها ليست أم لدستة من الأبناء، هى أم لملايين يدعون لها تطبيقا لحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، بأن عمل بنى آدم لا ينقطع عندما يكون له ولد صالح يدعو له، وربما تشعر هى الآن وهى بين يدى الله، بدعوات أبنائها الذين حزنوا على فراقها وتذرف قلوبهم الدموع وهم يودعونها إلى الجنة، بعد فترات من الألم فى كل مرة عرفوا أنها تعانى بسبب مرضها.

قد تكون شادية اختفت عن الأضواء منذ عام 1986، بل فكرت فى الاعتزال بعد فيلم «لا تسألنى من أنا» عام 1984، وصرحت قائلة: «لأننى فى عز مجدى أفكر فى الاعتزال، لا أريد أن أنتظر حتى تهجرنى الأضواء بعد أن تنحسر عنى رويدًا رويدًا، لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز فى الأفلام فى المستقبل بعد أن تعود الناس أن يرونى فى دور البطلة الشابة، لا أحب أن يرى الناس التجاعيد فى وجهى ويقارنوا بين صورة الشابة التى عرفوها والعجوز التى سوف يشاهدونها».

لكنها اتخذت القرار بالفعل عام 1986 بعد وفاة شقيقها، وعدة جلسات مع الشيخ الشعراوى حينها، وقررت عدم الظهور مرة أخرى.

بالتأكيد كان هذا القرار صعبًا عليها، والتزمت به لأكثر من 31 عامًا، إلا أنها لم تغب لحظة واحدة عن ذاكرة عشاقها الذين كانوا يتلهفون لمعرفة أخبارها من المقربين منها.

قد يكون لديها الحق فى الاختفاء لأنها عانت فى حياتها الشخصية منذ أن نالت شهرة واسعة بسبب وفاة خطيبها أثناء تأديته واجبه العسكرى لأنه كان ضابطًا فى القوات المسلحة، لكنها مرت من هذه الأزمة النفسية بعد وفاته بفترة، وتزوجت ثلاث مرات وأزواجها هم؛ الفنان عماد حمدى، وعزيز فتحى، والفنان صلاح ذو الفقار.

وقدمت خلال مسيرتها الفنية أكثر من 110 أفلام، بعدما انطلقت إلى قمة التألق، وأصبحت بالفعل نجمة الشباك الأولى وتنازع على توقيعها جميع المنتجين، بداية من أنور وجدى الذى أنتج لها فيلم «ليلة العيد» وتجاوزت إيراداته ما كان متوقعًا مما جعل أنور وجدى يمنحها بطولة مطلقه فى فيلم «ليلة الحنة».

وقدمت مع كمال الشناوى أفلامًا حققت نجاحات كبيرة فى فترة الخمسينيات، منها «حمامة السلام، وعدل السماء، والروح والجسد، وساعة لقلبك، وظلمونى الناس»، وفى ثنائيتها مع عماد حمدى قدمت أفلام «أشكى لمين، وأقوى من الحب، وارحم حبي»، ومع صلاح ذو الفقار انطلقت موهبتها الكوميدية، وقدما معًا «مراتى مدير عام، وكرامة زوجتى، وعفريت مراتى».

إضافة إلى مجموعة كبيرة من الأفلام محفورة فى تاريخها مثل «ميرامار، وشىء من الخوف، واللص والكلاب، وزقاق المدق، والطريق، ونحن لا نزرع الشوك»، وكلها روايات لنجيب محفوظ، قال عنها إنها فتاة الأحلام لأى شاب ونموذج للنجمة الدلوعة وخفيفة الظل لكن ليست قريبة من بطلات أو شخصيات رواياته وسرعان ما غير رأيه فيها بعد تقديمها شخصية نور فى «اللص والكلاب» وقال: «إنها ممثلة بارعة تستطيع أن تؤدى أى دور وأى شخصية وليست فقط الفتاة الدلوعة»، فوداعًا يا صوت القلب والوطن.