رامى المتولى يكتب: الستات «منورة» فى أفلام المهرجان

مقالات الرأي




عن قضاياها.. وكفاحها.. ورغبتها فى الحياة

حالة من التناغم يمكن ملاحظتها بمنتهى السهولة بين أفلام الدورة الـ39 من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، سواء على مستوى العروض اليومية المتتالية حيث نجد خطًا عامًا يربط أفلام اليوم بشكل أو بآخر، أو على المستوى الأكبر بين أقسام عروض المهرجان وندواته، هناك خط فى الخلفية يسير يربط العديد من الفعاليات معًا تحت عنوان كبير هو «المرأة»، عن قضاياها وكفاحها والرغبة فى الحياة يبرز مهرجان القاهرة المرأة فى أبهى صورها فى الدورة.

1- ندوة رسمية وضيف شرف المهرجان

البداية مع ندوة «مناهضة العنف ضد المرأة» تزامنًا مع اليوم العالمى لنفس القضية 25 نوفمبر من كل عام، وهى الندوة التى أدارتها الناقدة ماجدة موريس بحضور السفير الأسترالى فى القاهرة تيل هوكينز وعدد كبير من الشخصيات العامة والجمهور وتطرق النقاش للعديد من النقاط التى تعدد اشكال العنف ضد المرأة والتصورات حول مقاومته، تيل قال نصًا «مع الأسف فإن العنف ضد المرأة موجود فى العالم كله، ففى أستراليا تقتل امرأة أسبوعياً على يد رجل، وهناك خطة قومية فى أستراليا للقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة» لذلك ليس غريبًا مع كون أستراليا هى الدولة ضيف شرف هذه الدورة من المهرجان أن تخصص 4 أفلام من أصل 10 مخصصة للتكريم يركز بشكل رئيسى عن المرأة أولهم Moulin Rouge أو الطاحونة الحمراء والذى يعد تنويعة ورؤية حديثة للرواية الكلاسيكية غادة الكاميليا، وخلاله تظهرا معاناة أشهر فتيات الليل فى فرنسا والممزقة بين الحب والحرية من جانب وتسليع جسدها بمقابل مادى والتضحية من جانب آخر، الفيلم الثانى هو Astralia أو أستراليا خلاله يظهر نموذج السيدة الأرستقراطية التى ترث مزرعة مواشى كبيرة وتقرر إدارتها والوقوف فى وجه الرجال الذين يرغبون فى تحطيمها والاستفادة منها قدر المكان، أما The Sapphires أو الياقوت فعن أربع شابات من سكان أستراليا الأصليين يمتهن الغناء وأعضاء فرقة موسيقية واحدة يتتبع الفيلم رحلتهن وأحلامهن وتفاعلهن مع الحرب والقضايا العامة التى تحيط بهن أى انهن يمثلن نموذجا ناجحا آخر ووجها قويا للمرأة وأخيرا مع فيلم The Dressmaker أو خياطة السيدات وهو الفيلم الذى يعد أبلغ تعبير عن القوة والصلابة والذكاء مع القدرة على إحداث الفروق الضخمة بطرق ناعمة وشاعرية، الفيلم يتتبع هذه السيدة التى خرجت من قريتها شبه ذليلة وذهبت للعمل فى بيت أزياء فرنسى لتعود على بلدتها وتحدث ثورة وسط سيدات القرية وبناتها فقط بالفساتين وكذلك انتقمت ممن سببوا لها الأذى فى الماضى.

2- مسابقة «أسبوع النقاد» صناعة نسائية خالصة

7 أفلام تشكل معًا عروض «أسبوع النقاد» وهى المسابقة الموازية للمهرجان والمتخصصة فى أفلام العمل الأول أو الثانى للمخرج، الناقد رامى عبدالرازق جعل من هذه المسابقة نسائية خالصة وشرح رؤيته فى اختيار الأفلام السبعة بالتفصيل فى مقاله المنشور فى كاتالوج الدورة 39 تحت عنوان «المرأة مفتاح العالم» تتبع اختياراته بالمشاهدة خلال أيام المهرجان التسعة تؤكد الجهد الكبير الذى بذله ليؤلف هذه المجموعة من الحكايات المتنافرة من عدة دول ليصنعوا معًا نسيجا واحدا نشاهد من خلال عدة أوجه لصلابة وقوة المرأة فى العالم وباستثناء فيلم واحد مخرجه رجل وآخر يشترك فى الإخراج رجل وامرأة فالأفلام الخمسة الأخرى هى صناعة نسائية خالصة مخرجتها وموضوعها وبطلها الرئيسى هو امرأة.

الفيلم الفرنسى Ava أو آفا ومخرجته ليا ميسوس ترسم نظرة عامة لمجتمع المهمشين فى فرنسا من وجهة نظر فتاة مراهقة تبلغ 13 عاما هذه الرؤية الفلسفية الكاشفة لفرنسا بشكل آخر، الفتاة الصغيرة آفا مصابة بمرض نادر تمنعها أعراضه من الرؤية ليلاً أى أنها عند نزول ستار الليل تصبح عمياء تمامًا تحتاج لمن يقودها.

آفا على الرغم من صغر سنها متمردة وثورية ترفض وصاية أمها عليها وما كان رغبة من الأم فى جعل آخر إجازة صيفية للابنة قبل أن يتمكن منها المرض بشكل كامل هادئة وممتعة، فإن تمرد وقوة شخصية آفا يدفعانها لخوض مغامرة كبيرة بالتأكيد غيرت فى شخصيتها وجعلتها اكثر اعتمادا على نفسها.

من الهند نقف أمام الفتاة دونو من فيلم Village Rockstars أو نجوم القرية، الفتاة الصغيرة تحلم بتكوين فرقة تعزف وتغنى موسيقى الروك وتحلم بامتلاك جيتار كهربائى، كانت هذه هى الأحلام أما الواقع فخانق، أهالى القرية يعايرون والدة دونو لأنها اقتربت من سن البلوغ أو بلغته فعلا ومازالت تصاحب الأولاد، وكذلك الفقر الذى ربما يمنعها من استكمال تعليمها وبالتالى ستعانى من الجهل، لكن قوة شخصية الفتاة الصغيرة ومثابرتها ودعم والدتها غير المحدود ووقوفها فى وجه اهل القرية جعل من تحقيق حلم دونو ممكنًا.

نموذج ثالث مميز من هذه المسابقة قادم من الولايات المتحدة فيلم Barracuda أو باراكودا والذى يركز على شكل آخر من أشكال دعم المرأة للمرأة، سينا الشابة القادمة من بريطانيا إلى قلب تكساس واحدة من اكثر الولايات المحافظة فى أمريكا والتى تمثل فيها العائلة والمظاهر الخارجية أسلوب حياة رئيسى عن المجتمع ككل، تأتى سينا لتؤكد انها ابنة مغنى وفنان موسيقى الروك الراحل نتيجة علاقة مع والدتها فى المملكة المتحدة.

سينا تعلن أنها لا ترغب فى ميراث بل تتعرف على اختها غير الشقيقة وعائلة ابيها، سينا بوهيمية فى حين أن اختها الأمريكية تعيش وفق قواعد مجتمعها وناجحة جدًا فى حياتها العملية والعاطفية أو هكذا تظن، وجود سينا وتصرفاتها جعل الأخت غير الشقيقة ميرل فى الخروج من شرنقتها الزائفة التى تصور لها النجاح دون أن يكون لها شخصية حقيقية، لتبدأ خطوة بخطوة فى التأثر بأختها وإعادة النظر فى وظيفتها وصديقها الحميم ووالدتها وكل شيء حولها لتتغير كلية فى الوقت الذى تسعى فيه سينا لتحقيق انتقامها أو العقاب المستحق لمن تراهم سببا فى تدمير والدتها.

قصة كفاح أخرى لامرأة لكن ذات بعد سياسى تأتى من فيلم Miracle أو معجزة حيث نتتبع إيرينا مديرة مزرعة للخنازير آلت ملكيتها لها وللعمال بعد انهيار الاتحاد السوفييتى وبالتبعية النظام الشيوعى، وعلى الرغم من امتلاكهم للمزرعة فإنهم فقراء يعانون من النظام الاقتصادى المتردى عام 1992 فى بلدهم ليتوانيا.

إيرينا نموذج رائع للمرأة الصلبة التى لا تغلب حيلها نشيطة وقادرة على التأقلم تحت أى ظرف، فمع معاناتها لتحافظ على المزرعة من الإفلاس والتعامل مع العمال مالكى الأسهم المهملين الكسالى من جانب، وزوج سكير لا يهتم بها كثيرًا على العكس يعيش عالة عليها تقريبًا محرومة من الانجاب من جانب آخر لكنها صامدة وتعيش وفق نمط معين لا ترغب فى تغييره، لكنها تختبر قدرتها على التغيير والتأقلم من جديد مع مجىء الأمريكى برنارداس الذى يعد بأن يصلح من حال المزرعة وانهم سيكسبون الكثير من الأموال، على الرغم من فشل إعادة الانطلاق الثانية لإيرينا فإنها تظل واقفة على قدميها وتستطيع أن تجد لنفسها مكانا من جديد فى المجتمع الناشئ لتصبح هى المعجزة.

3«المسابقة العربية» تدافع عن المرأة فى تونس

ثمانية أفلام تتنافس فيما بينها ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية الجديدة» والتى اختارها الناقد احمد شوقى، ربما لا تحمل هذه المسابقة طابعا واضحا وصريحا كنظيرتها «أسبوع النقاد» لكن شوقى قال فى إحدى ندوات أفلام المسابقة أنه حرص بشكل كبير على التنوع على المستوى السياسى والفكرى والجغرافى ربما تبدو المسابقة وأفلامها بلا رابط لكن العكس هو الصحيح التنوع والثراء فى مناقشة القضايا التى تهم العرب هو الرابط الحقيقى لهذه المسابقة.

هذه المسابقة تضم بلا مبالغة الفيلم الأهم فى تقدير وإبراز دور المرأة فى مجتمعاتنا المتشابهة، فيلم Al Jaida أو الجايدة هو الأهم فى أفلام الأيام التسعة للمهرجان عندما يتعلق الأمر فى إعطاء المرأة العربية حقها وإبراز كفاحها الصعب والطويل لنيل مساحة الحرية التى تستحقها على قدر مساهمتها فى المجتمع.

مخرجة وسيناريست الفيلم التونسى سلمى البكار اختارت أن تبدأ الحكاية قبل عودة الحبيب بورقيبة بالاستقلال لتونس، فبالتوازى مع وقوع الدولة ذات الحضارة العريقة تحت الاحتلال الفرنسى ومحاولات الشباب الكفاح ضد المحتل ونيل استقلال تونس، هناك احتلال آخر جاثم على انفاس سيدات تونس بمختلف مراحلهن العمرية وبيئاتهن الاجتماعية وثقافتهن أيضًا.

قبل الاستقلال التونسى كانت تعانى النساء من حكم فاسد وتأويلات متعددة للأحكام الشرعية فيما يتعلق بالعلاقة بين الزوجين مصدرها قضاة/شيوخ، هذه الأحكام تنتصر للرجل دومًا وبشكل ظالم، وأى سيدة تخالف أو تخرج عن «طوع» زوجها تصبح «ناشز» ويرسلها القضاة إلى بيت جود المؤسسة الإصلاحية الوهمية التى تترأسها الجايدة المرأة العجوز التى لا يرد لها أمر.

نماذج مختلفة للسيدات كانت داخل دار »جود« من مختلف الطبقات، هذه الدار كانت المدخل الرئيسى لسلمى لتعبر عن حال تونس قبل الاستقلال سياسيًا واجتماعيًا وبمنتهى الذكاء وبلغة سينمائية طاغية على العمل تظهر تجليات جودتها وتمكنها منها فى السيناريو ورمزية الشخصيات فيه، فمن المقارنة بين بهجة (وجيهة الجندوبى) وزوجها طيب (خالد هويسة) وقسوته وتعنته فى التعامل معها ويستغل القوانين التى تنتصر له ليزج بزوجته التى شهدت خيانته مع أختها بعينيها إلى دار جود، وقصة حب حسينة (سلمى محجوب) والشاب الثورى عثمان (بلال الباجى) نستطيع أن نرى كيف اختزلت سلمى الماضى والحاضر فى زمن الفيلم منتصف الخمسينيات - بمنتهى الذكاء فقط تتبع الحوار والحبكات الدرامية وتصاعد التفاعلات بين الشخصيات الأربع كل ثنائى على حدة- يمنح رؤية شاملة ووافية لجزء كبير من المجتمع التونسى خاصة أن الشخصيات الأربع تنتمى للمثقفين والمتعلمين، كما استغلت ابنة بهجة لترسم المستقبل التونسى وتعامله مع كفاح السيدات التونسيات الذى لم يتوقف مع إصلاحات بورقيبة بل امتد حتى فترة زمنية قريبة بقرارات جريئة تساوى بين المرأة والرجل فى الميراث.

سلمى بقصد رسمت صورة لقوة واهمية المرأة فى مجتمعها، دورها فى الكفاح والدفاع عن حبها والتشريع والانتفاض لمقاومة المحتل بالعلم والعمل، كل هذا دون مباشرة وبحس وطنى وبالمحافظة على جودة وتفوق عناصر الفيلم الفنية وعدم اللجوء للابتزاز العاطفى والمتاجرة بقضية التحرير والمساواة، تصميم الإنتاج فى الفيلم حافظ على روح الخمسينيات وكذلك الملابس وكذلك لغة وأداء الممثلين تحديدًا فى الأداء الحركى التى هندسته سلمى لحد كبير حتى يكون مواكبًا للعصر وقتها.

التفانى الذى بذلته المخرجة الكبيرة مع الممثلين الجيدين بمختلف مراحلهم العمرية جعل من قضية فيلم «الجايدة» تنعكس على العديد من البلدان التى تتشابه فى ظروفها مع تونس فيما يتعلق بوضع المرأة وأهم عمل فنى يبرز المرأة ودورها الرئيسى فى المجتمع من بين أفلام المهرجان المختلفة.

4- المرأة موجودة فى فروع أخرى أيضًا

صور أخرى للمرأة ومعاناتها من مختلف بلدان العالم كانت حاضرة وبقوة فى عدد آخر من مسابقات وفروع عروض المهرجان، فمن المسابقة الرسمية يأتى فيلمى Disappearance أو اختفاء بشخصية رووس التى تزور والدتها ربما للمرة الأخيرة فى النرويج وكيف تتعامل بقوة مع التغيرات الخطيرة فى حياتها وتصالح الماضى لتستطيع المضى قدمًا، والثانى هو Insyriated أو فى سوريا تأتى سيدتان من مرحلتين عمريتين مختلفتين هما أم يزن (هيام عباس) وحلمية (دايامان أبوعبود) حيث تضطر كلا منهما لاتخاذ قرارت قاسية وربما تكون مدمرة نفسيًا تحت وطأة الحرب فى سوريا، لكن هذه القرارات تكفل لهن البقاء احياء وكذلك ذويهم من الرجال.

أما القسم الرسمى خارج المسابقة فنشاهد من خلاله سيدتين من أماكن مختلفة فى العالم كلودين وآنا من فيلم Birds Are Singing In Kigali أو الطيور تغرد فى كيجالى، نقترب من العالم المختلف لكل من السيدتين بكل تعقيداتهما والقهر الذى يمارس عليهما وكيف استطاعت كل منهما أن تعالج الأخرى بشكل أو بآخر، ومن قسم «مهرجان المهرجانات» المعنى بعرض الأفلام المتوجة بجوائز عالمية نجد العديد من الأفلام التى تضم شخصيات لسيدات وشابات ومراهقات فى صراعهن مع الحياة والرجل لكن فيلم Foreign Body أو جسد غريب التونسى الفرنسى هو المثال الأبرز فى هذا الفيلم بشخصيتى سامية (سارة حناشى) الشابة التى تهرب من القهر وتعامل أخيها المؤذى والعنيف ضدها إلى فرنسا بهجرة غير شرعية تفضل خلالها مواجهة خطر الغرق على البقاء تحت وطأة تعذيب أخيها وليلى (هيام عباس) سيدة المجتمع الفرنسية ذات الأصول الشرقية والتى استطاعت تحقيق ذاتها والاستقلال لتمد يد العون بدورها إلى سامية.

فيلم آخر من نفس القسم هو Sexy Durga أو دورجا المثيرة من الهند والذى يتعامل مع قضايا المرأة من حريتها وحقها فى الحب والتنقل بشكل رمزى ويرسم بشكل متفوق بصريًا وسرديًا مراحل تحول دورجا الشابة من شمال الهند من تابع يحاول النجاة بقصة حب يرفضها المجتمع لامرأة قوية تستطيع اتخاذ قراراتها والوقوف فى وجه العادات.

وأخيرًا من قسم «البانوراما الدولية توجد أفلام كثير، تركز على قضايا المرأة منها Indivisible أو غير قابل للقسمة من إيطاليا، وLunas Revenge أو انتقام لونا من روسيا، وMercy أو رحمة من باكستان، لكن الفيلم الأمريكى الوثائقى Mansfield 66/67 أو مانسفيلد 66/67 يعد من أبرز الأفلام التى تنتصر للمرأة فى هذا القسم خاصة أنه يعرض لمعاناة الممثلة الأمريكية الشهيرة ورمز الإغراء جاين مانسفيلد فى أيامها الأخيرة وكيف وصلت لما هى عليه.