طارق الشناوي يكتب: يريدونه سرادق عزاء

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


تلك الضربات المجنونة التى تُوجه لقلب مصر هدفها العميق والأساسى هو إيقاف تدفق الحياة فى شرايين الوطن، إنها أجندتهم الحقيقية التى يعملون على إنجازها بكل خسة ودناءة، يعادون الجميع، الجيش والشرطة والأقباط والمسلمين، وكما يشعلون المتفجرات فى الكنيسة يشعلونها فى الجامع، وكما يقتلون القسيس فى المذبح المقدس يقتلون الشيخ وهو راكع فى اتجاه القبلة، سلاحنا لكى نواجههم هو مواصلة الحياة، هم يتعطشون لإراقة الدماء الطاهرة وإزهاق الأرواح البريئة، ليحيلوا الوطن إلى سرادق عزاء كبير.

سألتنى مراسلة إحدى القنوات العربية: كيف تستمر فعاليات مهرجان القاهرة السيمائى ومصر فى حالة حداد؟ أجبتها: على العكس يجب أن تستمر فى مصر كل أنشطتها الثقافية المتعددة، هم يريدون أن يروا الوطن متشحا بالسواد وهكذا تتعدد جرائمهم، لكى يقتلوا الأمل وينشروا العقم، يرفعون رايات الموت والقبح، وعلينا أن نواصل رفع شعار الحياة والجمال.

علينا أن نتعلم كيف نواجه هؤلاء القتلة بالفن والثقافة التى لا تعنى أبدا أننا مبتهجون أو أن مشاعر الناس فى واد والقائمين على النشاط الثقافى فى واد، لماذا لا تتسع الدائرة لنرى الصورة أعمق وأوضح؟

دأبت مثلا فى السنوات الأخيرة دار الأوبرا المصرية على تعليق أنشطتها ثلاثة أيام للمشاركة فى الحداد، وأرى أن توقف النشاط الفنى هو هدف الإرهاب، فلماذا نفعلها بأيدينا، هل ما تُقدمه الأوبرا المصرية مجرد عروض لكى تلهى الناس أم أنها مصدر طبيعى لشحنات الجمال الفنى، أتذكر أثناء حكم الإخوان، كان السؤال الذى يتردد مع كل عرض فى الأوبرا، (يا ترى بكرة فيه عرض أم أنهم سيطبقون قانونهم الخاص بتقديم باليه وأوبرا وموسيقى شرعية)؟ المقاومة بحضور عروض دار الأوبرا كان أحد أسلحة المصريين فى مواجهة حُكم الإخوان. أختلف تماما مع المنطق الذى تمارسه د. إيناس عبدالدايم فى إيقاف النشاط، لو كان هناك مأتم عند جارك فأنت تؤجل حفل عُرسك تلك هى الثقافة المصرية المتأصلة فى الضمير الجمعى المصرى، بينما عروض الأوبرا ليست أبدا معادلا موضوعيا لحفل الزفاف، الأمر برمته لا يقاس على هذا النحو أبدا، نشاط الأوبرا ليس له علاقة من قريب أو بعيد برقصات هشك بشك ولا أغانى مهرجانات ولا أوكا وأورتيجا.

الشاشات المصرية حكومية وخاصة تتناول الحدث، نرى شريطا أسود على (الكادر)، كل هذا بديهى جدا ومنطقى، ولكن لا تلغى أى برامج ثقافية أو فنية، استمرار الإيقاع الطبيعى لتفاصيل الحياة على أرض المحروسة هو حقا ما يجعلهم يشعرون بالهزيمة.

أقسى مرحلة عاشتها مصر كانت قبل 50 عاما مع نكسة 67 وتجرعنا مرارة الانكسار، كان الاتجاه الذى رأته وقتها القيادات السياسية والإعلامية هو أن تنضم كل الموجات ولا تذيع سوى القرآن الكريم، وأنقذت الموقف- كما قال لى الإذاعى الكبير أحمد سعيد متعه الله بالعافية والصحة- الإذاعية الراحلة نادية توفيق، وكانت هى أصغر المشاركات سنا فى الاجتماع، وتذكرت أن محمد فوزى كان قد سجل أغنية وطنية قبل رحيله بعام (بلدى أحببتك يا بلدى)، وبسبب قصر زمن الأغنية تمت إعادة المونتاج، وكان المقطع الواحد يتكرر ثلاث مرات، حتى تؤنس المصريين بصوت فوزى الذى ينفذ مباشرة للروح.

هم يريدونه وطناً تتسع حدوده ليحيطه سرادق عزاء من كل جانب، وبسلاح الثقافة والفن نقهرهم!!

نقلًا عن المصري اليوم