محمد عادل يكتب: طبيب نفسى: لقاء "المسمارى" محبط كظهور قاتل السادات فى حفل رئاسى

مقالات الرأي

محمد عادل
محمد عادل


خبراء الإعلام اختلفوا حول مهنية الحوار.. وزملاء المذيع غاضبون


رغم أن لقاء الإعلامى عماد أديب مع الإرهابى المتهم فى قضية الواحات، عبدالرحيم المسمارى على قناة «الحياة» مر عليه أسبوع كامل، إلا أن الرأى العام ما زال غاضبًا، لدرجة أن أسرة الرائد الشهيد «عمرو صلاح الدين»، أحد أبطال معركة «الواحات» قررت منذ يومين اللجوء للقضاء بعدما نشرت بيانا تدين فيه لقاء أديب مع المسمارى، معتبرة ظهور الأخير على الشاشة تسبب فى ضرر نفسى ومعنوى شديد لهم، وقرروا مقاضاة أديب، وشبكة قنوات الحياة أمام المحاكم المصرية.

الحقيقة أن هذا الغضب لم يتوقف عند الجمهور الذى شاهد الحلقة أو أهالى الشهداء، لكن وصل لزملاء أديب فى المهنة وأكثر الإعلاميين غضباً من أديب كان مصطفى بكرى الذى طالب بإيقاف إعادة عرض الحوار مرة أخرى احتراما لأرواح الشهداء ومشاعر أسرهم، ورغم أنه يرى أنه عمل صحفى مميز، لكن لا يجوز استضافة قاتل يداه مغموسة بالدم المصرى، ويستمع الملايين إلى بجاحته وافتخاره بقتل الأبرياء باسم الدين، فالناس ليسوا فى حاجة لذلك، وأكد بكرى أنه كان يتمنى أن يخرج الإرهابى وحده فى فيديو معترفًا بجريمته، وكان ذلك سيؤدى الغرض دون أن يحرق دماء الجمهور بالفتاوى التكفيرية والتفسير الكاذب للدين، وأضاف بالتأكيد أن أسر الشهداء قطعًا عانت كثيرًا وهى تستمع إلى كلمات هذا القاتل الذى تحول لنجم تليفزيونى يحاور ويناور وهى سياسة خاطئة أيا كان مقصدها.

أيضًا الإعلامى رامى رضوان اندهش من عدم الاستعداد للحوار، لمواجهة وضحد أفكار المسمارى، واستنكر أن يكون السبب هو الاستعراض فقط، وكان على الأقل يمكن إشراك قامات دينية رفيعة لها ثقلها للرد بالإثباتات والبراهين على تخلف فكر الإرهابى ومن مثله، وأوضح أنه لم يفهم من اللقاء شيئاً ولا يعلم ما هو الغرض منه.

رغم كل ذلك لم يشعر أديب بالخطأ ويرى أنه نجح بامتياز فى إجراء حوار يراه بكل المقاييس سبقًا صحفيًا من الوزن الثقيل لا يصل إليه إلا من هم فى خبرته المهنية، وبرر فى تصريحات صحفية أنه حاول أن يعطى للمسمارى الفرصة كى يتكلم ويشرح نفسه لأنه فى النهاية له ذات والذات يجب أن تعبر عن نفسها وفى نفس الوقت يعلم أنه شخصية قتلت أبناء وطنه، وشخصية يحمل لها كراهية شديدة لكنه حاول أن يكون مهنيا، لأنه يعتبر أن المحاور مثل الجراح الذى يجرى عملية لمريض إرهابى لابد أن يتعامل بأصول المهنة وعندما يفتح بطنه قد يكون يحبه أو يكرهه لا تعنى شيئاً.

وعما إذا كان أديب تعامل بمهنية فى حواره أم لا؟!، تباينت آراء المتخصصين حول طريقة حوار أديب، لكن الإجماع كان عن الأخطاء التى وقع فيها ومنها عدم تحديد الهدف من المقابلة، والتشعب لقضايا فرعية شتت الحوار.

وأكد الدكتور ياسر عبد العزيز أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن أديب لم يقم فى الحوار بدور المحقق الذى يريد انتزاع أشياء بعينها من الشخص الذى يجلس أمامه، ورغم أن هذا كان مطلوبا لأن الهدوء الذى تحلى به فى الحوار جعل المجرم يتحدث براحة كشفت عن حجم عمليات غسيل المخ التى يتعرض لها هؤلاء المجرمون، لكن لم يكن هذا الهدوء مرضياً للجمهور، خاصة أن أديب تجنب محاولة تصحيح فكر المتهم، لأنه ليس فى مناظرة فكرية.

بينما رأى خبراء آخرون أنه لم يكن هناك ضرورة لظهور هذا الإرهابى على الشاشة من الأساس وإجراء حوار بهذا الشكل وليس من المعقول ترك إرهابى يردد أفكارا تكفيرية دون وجود أحد يرد عليه ويحاوره، بفكر متجدد حتى لا يقع من يشاهده فى نفس الفخ.

ولإنهاء الجدل حول تأثير هذا الحوار الذى أجراه أديب على الجمهور، وعما إذا كان بالفعل جاء عكسياً، تواصلنا مع الدكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية، الذى أكد أنه بالفعل كان للحوار تأثير عكسى، وتحول الأمر إلى ترويج لأفكار الإرهابى.

وتابع هندى: إنه من أهم أدوات الانتصار فى الحروب النفسية هو تغيير الصورة الذهنية تجاه شيء وتفكيك عناصرها وبعثرة مكوناتها الأساسية، ودائما ما يمثل الإرهابى صورة ذهنية مخيفة فى نفوس وعقل ووجدان المواطنين، وكان لابد من تفتيت هذه الصورة الذهنية، بعدما نجحت بالفعل القوات المصرية فى القبض عليه، وهذا لم يتم إلا من خلال متخصصين فى مجال الإرشاد الدينى ومجال مكافحة الإرهاب مع الاستعانة بعض المتخصصين فى العلوم النفسية، وقبل كل هؤلاء محاور محترف يعلم متى يتكلم ومتى يصمت، وكل ذلك افتقده الحوار الذى دار مع الإرهابى عبد الرحيم المسمارى الأسبوع الماضى، خاصة أنه تم التأكيد على مقولاته كما أن لغة التخاطب بين المحاور والإرهابى لم تكن على المستوى المرضى للجمهور، وافتقد أديب فى هذا اللقاء أيضاً أبسط أساليب لغة الجسد ومهارات التواصل غير اللفظى وبالتالى خسر أمام حجة الإرهابى المدرب على التأثير. وكان عليه أن يقرأ قبل الحوار فى سيكولوجية الإرهابى ومكونات شخصيته، ليغوص معه خلال الحوار فى تنشئته الاجتماعية، وتكوينه الأسرى، وتحوله من شخص غير ملتزم دينيا إلى شخص ملتزم، ومعرفة ما إن كان هناك مقابل مادى للعملية، والمراحل التى تحول فيها من متلق داخل جماعته إلى منفذ، وما هى المحفزات التى جعلته ينفذ العملية، كل هذه الأمور لم يتطرق لها أديب فى حواره، وكان لابد أن يناقشها للرد على تساؤل كيف يتكون الإرهابي؟ ومن الذى يؤثر فيه، وهذا الأمر مهم جداً حتى يستفيد الجمهور من كل هذا المعلومات وكذلك الجانب الشرطى، لكشف هؤلاء الإرهابيين فى مرحلة الإعداد، وأوضح هندى أن تأثير ظهور هذا الإرهابى على الشاشة لم يقل، تأثيراً عن ظهور قاتل الرئيس السادات فى 6 أكتوبر وجلس بجوار رئيس أسبق، وشعر الجمهور بخيبة الأمل حيث كان المرجو والمستهدف أعلى مما تحقق بكثير.