د. رشا سمير تكتب: "زوج حذاء لعائشة".. "المرأة التعيسة فى اليمن السعيد"

مقالات الرأي



رواية جديدة للأديبة اليمنية نبيلة الزبير


المرأة فى العالم بأسره، هى صورة واحدة لألف وجه يطل علينا من خلف معتقدات أجيال وتحكمات ذكورية وقيود طالما حاولت النساء كسرها.. أما المرأة فى الدول العربية فهى امرأة بمذاق مختلف ومعنى أصيل وتراكمات جعلتها تقف فى أول طابور الحرية تطالب باستقلالها.

فاصطف أمامها من حاربوها وبجانبها من أيدوها ووراءها من قرروا المشاهدة دون تعليق..وفى النهاية تبقى القصص والبطولات التى تُكتب عنها مُجرد عناوين تحكيها أقلام تسطر بحسب الهوية.

فالرجال عادة ما يكتبون عن النساء برماح يحاولون صيدهن بها.. ولكن ماذا لو كتبت النساء عن عوالمهن الخاصة؟..هل أنصفت الأقلام النسائية المرأة العربية أم اعتلت القسوة حروفهن؟

هذه باختصار هى الأسئلة التى حاصرتنى وأنا أقرأ رواية (زوج حذاء لعائشة) للكاتبة اليمنية الأصل نبيلة الزبير والصادرة عن دار الساقى للنشر التى تنشر لمعظم الأقلام العربية المتميزة وتتبنى قضاياهم خصوصا لو كانت شائكة.

نبيلة الزبير حاصلة على بكالوريوس فى علم النفس من كلية الآداب جامعة صنعاء، بدأت الكتابة أوائل الثمانينيات فى مجال الصحافة، ثم التحقت بالعمل فى الوظيفة العامة فى سن مبكرة وواصلت الدراسة والعمل معا.. وأصدرت ثلاثة مجاميع شعرية قبل أن تصدر روايتها الأولى «إنه جسدي» فى عام 2000.


1- المرأة فى اليمن

يحدثنا التاريخ عن نساء حكمن فى اليمن: بلقيس ملكة سبأ، أسماء بنت شهاب الصليحى، والملكة أروى بنت أحمد ملكة الدولة الصليحية.. هذه هى المرأة اليمنة فى تاريخ اليمن السعيد..المرأة القوية المثقفة المتحررة الحاكمة.

لكن وكعادة الزمان الذى لا يترك أمرا على حاله، لم تسلم المرأة اليمنية من أن تطالها سلبيات الواقع المشين، وتذوق ويلات الحرب من خراب ودمار، وكشف تقرير نشره المنتدى الاقتصادى العالمى عام 2015، حول أوضاع النساء فى 142 دولة، من الناحية الاقتصادية والأكاديمية والسياسية والعنف والرعاية الطبية، حيث احتلت اليمن المركز الأخير فى العالم، فيما يتعلق بحقوق المرأة، بل أطلق عليها لقب أسوأ دولة يمكن أن تولد فيها النساء!.

تلك فى رأيى هى الخيوط الرئيسية التى التقطت منها الكاتبة خيوط رواياتها وأبطالها..فهى تغوص فى عالم النساء فى اليمن، ولكن المحزن حقا أنها كان من الممكن أن تستغل الحكى لتروى معاناتهن بشىء من الكبرياء وكثير من الحنكة، لأنها فى الواقع أشارت للمجتمع اليمنى بإصبع اتهام مُسلط على رقاب الجميع..

وهو فى الحقيقة ما كان له وقع الصدمة على منذ أمسكت الرواية وحتى انتهيت منها..فقد أسقطت الكاتبة الضوء على كل الأحداث من خلال تسليطه على جسد المرأة فقط بأوصاف شديدة الصراحة وتشبيهات قوية لم نعتدها من أقلام الأديبات، وعلى الرغم من أن هذا الوصف كان فى بعض الأحيان ضروريا إلا أنه كما تابعت من خلال تعليق القراء، أفقدها إعجاب متابعيها فجاءت تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى تحمل الكثير من السخط والتململ من فجاجة اللغة وسخط نساء اليمن ذاتهن.


2- الحكاية الأولى.. زينب

يتم اعتقال زينب بعد أن تسرع ضابط واتهمها بالفساد الأخلاقي  لمجرد  وجودها وحيدة فى سيارة مع سائق، لتجد نفسها فى قسم الشرطة وقد تنكر لها والدها خوفا من الفضيحة، وبرفض الأب تسلم ابنته، تقع زينب بكل سهولة ويسر فى براثن الدعارة إلى أن ينتهى بها المطاف زوجة فى بيت طارق (الفقيه وإمام جامع) معتبرة الزواج منه هو منحة الله لها لتتوب..لكنها تجد نفسها مع رجل مزواج، فقد تزوج من سيدة مُحجبة ومن طفلة صغيرة هى ندى ومن مومس تُدعى ربيعة، بل تزوج زوجة أخيه بطلب منه فلم تنعم معه بحياة زوجية سعيدة بعد أن ظل يغتصبها دون أدنى مراعاة لمشاعرها.. وهنا تستعرض الكاتبة مشكلة التعددية والعنترية الذكورية فى بلدها.


3- الحكاية الثانية..نشوى

ويكون زواج زينب من طارق هو الطريق لدخول شخصية نشوى إلى الأحداث، ابنة عائلة قاسم عبيد الرجل الذى يبدو للناس عصاميا وقد جمع ثروته من تجارة السلاح، نشوى هى صغرى الفتيات وهى دلوعة أبيها إلى درجة رفعت كلفة الأب والابنة بينهما، فهى تدخل عليه وهو يعاقر الخمر ويعاشر خليلاته اللواتى يستقبلهن فى بيته بزى الرجال  على أنهن ضيوفه، مما جعل نشوى تترعرع مدمنة خمر منفتحة على الدعارة غير عابئة بالعواقب ما دامت لديها أسرة ميسورة تحل  كل مشاكلها، وبقصة غير مبررة ولا معنى محدد، تخاف الأسرة على سمعتها فتدبر بمعرفة السلطة الفاسدة فى البلاد سجنا لنشوى لمدة 130 يوما تخرج بعده وقد تابت إلى الله وتعود إلى صوابها وتستكمل دراستها بأحداث مفتعلة.


4- الحكاية الثالثة.. رجاء

فتاة تنحدر من وسط مختلف، فأبوها المقاول الذى أصيب  بكسر فى ظهره إلى فقير، فتدفعه الحاجة إلى أن يقذف ببناته عن كل قناعة ورضا إلى منزلق الانحراف وتتحول رجاء إلى بائعة هوى محترفة بنية تأمين لقمة عيش الأسرة، الحقيقة أن رجاء تبرع فى مهنة الدعارة وهو ما تتناوله الروائية وكأنه مهمة إنسانية!..

تتعدد تجارب رجاء الجنسية وتتعرف على شخصيات نافذة لتتمكن من إنقاذ أسرتها ، وتوفر لهم سكنا وثيرا والغريب حقا أنها تتمكن من مواصلة دراستها وتحصل على عمل شريف مع صديقاتها فى نهاية رحلتها الغريبة!.. وكأن الروائية تريد أن تقول إن الدعارة هى مجرد وسيلة لتبرير الكثير من الغايات والدليل هو وصول بطلات الرواية المنحرفات إلى بر الأمان فى النهاية!..


5- فى مجتمع اللافضيلة

أرى أن الروائية أرادت أن تُسلط الضوء من خلال تجربة هذا الثلاثى على أغلب هفوات المجتمع اليمنى ومآسيه.. فالتُهم التى تعرضت لها الفتيات وأدت إلى السجن كانت طوال الوقت دون محاضر أو تحقيقات وكأن هناك غيابا متعمدا لدولة القانون..

كما ناقشت العديد من القضايا الاجتماعية مثل تدخين القات المنتشر بشدة فى اليمن، زواج القاصرات، التعددية الزوجية الواضحة فى كل الحكايات..الفساد الإدارى والسياسى، التسلط، غياب القانون وسوء معاملة السجينات، تلك هى أغلب القضايا التى عالجتها الرواية أو على الأقل سلطت الضوء عليها وإن كنت أرى أن مساحة تلك القضايا لو كانت كافية فى طرح المؤلفة لخلقت رواية أكثر تكاملا ومصداقية عند القارئ.. لكن الروائية حسبما أرى اكتفت بطرح كل القضايا المتمحورة حول المرأة وما يتعلق بواقعها فى المجتمع اليمنى، وتعرية المسكوت عنه فى قضايا مثل تزويج القاصرات واستغلال شبكات الدعارة والوسطاء وتجار اللحوم البيضاء للفتيات.. يبدو جليا أن الرسالة التى أرادت أن تطرحها الروائية هى أن الدعارة فى اليمن لم تقف عند خط الفقر بل هى الخطيئة التى وقعت فيها كل الفئات، فمن ابنة الفقير، حتى ابنة المقاول، والتاجر، بل حتى زوجة الإمام والفقيه..وكأن البغاء هو مهنة الجميع!..

 
6- عنوان غير مُبرر

الغريب حقا أن عنوان الرواية يجعلك على الفور تنتظر ظهور عائشة، وتبحث عن حذائها منذ السطر الأول..ويُفاجأ القارئ أن عائشة هى إحدى البطلات المهمشات فى الرواية والتى تظهر فى الأحداث بداية من الصفحة الـ246 من الرواية!.

عائشة هى مجرد شخصية لم تلتق بها أى واحدة من بطلات الرواية، وإنما هى مجرد فتاة ولدت فى السجن بعدما سجنت أمها ظلما فكان السجن مجتمعها الذى ترعرت فيه وعاشت تفاصيله فسكنتها تلك التفاصيل بل أودت بحياتها إلى منعطف آخر، فتفاعلت نشوى مع قصتها وقررت  أن تبحث عن هذه الشخصية وأن تجعل حكايتها موضوعا لروايتها الأولى، بل حتى عندما اشترت أربعة أزواج من الأحذية راغبة تقديمها هدية لعائشة، لم تجد لها أثرا فى السجن، هل هذا كان هو المبرر الوحيد للعنوان أم أن للعنوان ربط آخر لم يصل للقارئ، العلم عند الروائية!.

جعلت الروائية من عائشة رمزا للطفولة المغتصبة، المهمشة، المُحطمة، وللفتاة الضحية التى وقفت ضدها كل ظروف المجتمع والسُلطة المُحيطة بها، وتركتها لمصيرها مثل عدد من الفتيات اللواتى امتهن الدعارة كنشوى ورجاء وزينب أو اللواتى فرض عليهن الزواج المبكر وهن طفلات كندى.