محمد إبراهيم طعيمة يكتب: افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي .. "بضاعة أتلفها الهوى"

الفجر الفني

محمد إبراهيم طعيمة
محمد إبراهيم طعيمة


لا أعلم لما تذكرت وأنا أشاهد حفل افتتاح الدورة 39 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي على قناة DMC، ذلك المشهد الرائع من فيلم "بين القصرين" المأخوذ عن الثلاثية العظيمة للأديب العالمي نجيب محفوظ، عندما ذهبت سلطانة إلى السيد أحمد عبدالجواد في محل العطارة الذي يمتلكه، وأخذت ما تريده من البهارات والعطارة دون أن تدفع مليمًا واحدًا وانصرفت بعدما سحرته بضحكتها، وبعد انصرافها ذهب العامل له وقال إن البضاعة التي خرجت لم يُدفع حسابها، ليقول له صاحب المحل اكتبها: "بضاعة أتلفها الهوى".

 

هذا الفيلم الذي طرح في دور العرض السينمائي عام 1962، جسد ببساطة ما رآه الآلاف من متابعي قناة DMC لحفل افتتاح المهرجان الوحيد الحاصل على صفة الدولية بمنطقة الشرق الأوسط، والذي تحكم فيه "الهوى" أي المزاج، بداية من نقل حفل الافتتاح من دار الأوبرا المصرية العريقة، لقاعة حفلات ومؤتمرات بالتجمع الخامس، مروراً بمنع مصوري الفيديو بالمواقع الصحفية، ومراسلي القنوات الفضائية المصرية والعربية والعالمية من تغطية أي من فعاليات الافتتاح حتى مرور النجوم على السجادة الحمراء والتسجيل معهم كما تفعل كل مهرجانات العالم، وصولًا لتأخر بداية الحفل ثلاث ساعات كاملة حتى ينتهي مذيعي القناة من التسجيل مع الفنانين الحاضرين.

 

ولو نظرنا بعين المشاهد العادي لا الناقد المتخصص لحفل الافتتاح الذي احتكرته القناة الوليدة، فسنجد أنه بالرغم من التكلفة العالية التي تحملتها هذه القناة والتي قيل أنها 70 مليون جنيه، إلا أن الأخطاء التي ارتكبت قد أفسدت هذا العرس الجميل، فلن أتحدث عن فكر وثقافة أو أسلوب المذيعات اللاتي اختارتهن القناة لاستضافة النجوم على السجادة الحمراء، فقد يكون لها وجهة نظر في أن تقول مذيعة للفنانة منى زكي على الهواء "جاسي بتسلم عليكي"، لترد منى باستغراب: "والله.. طب سلمي لي عليها"، أو أن تسأل أخرى الفنان إياد نصار شايف ممكن نهدي الدورة الجاية لمين من الفنانين؟، أو ثالثة تجبر الفنانين على مدح الفنانة شادية على طريقة شيكو في فيلم "بنات العم" قول بحبك يا شادية في المايك.

 

فلو ابتعدنا عن هذه الأخطاء والتي أساءت للقناة الراعية، التي دفعت كل هذه المبالغ وبخلت على نفسها باختيار طاقم مذيعين يشرفها، فقد شهد الحفل عدد من الكوارث التي يجب الالتفات لها مستقبلاً، فلو تغاضينا عن اختيار الفنانة السورية أصالة للغناء في حفل الافتتاح بحجة أننا جميعًا عرب وأن مصر هي هوليود الشرق، وأن مطرباتنا صاحبات الأصوات الذهبية أمثال أنغام و آمال ماهر و ريهام عبدالحكيم و غيرهن المئات لا يوجد لديهن الوقت الكافي للحضور والغناء، ألم يكن جديرًا بمن اختار أصالة أن يجعلها تحفظ كلمات أغنية "الفن" التي كتبها الشاعر الراحل صالح جودت ولحنها وغناها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عام 1945، بدلًا من أن تصعد للمسرح وهي لا تتذكر الكلمات وتتلعثم أكثر من مرة وتضطر لإعادة كوبليه واحد ثلاث مرات، لينقل مخرج الحفل علامات الضيق والضجر على وجوه الفنانين الجالسين في الصالة.

 

وبعيدًا عن أصالة، فلا أعلم حتى الآن سر اختيار الفنان آسر ياسين لتقديم حفل الافتتاح، وهذا ليس به أي تقليل منه أو من موهبته كممثل محترف، ولكن على أي أساس تم اختياره وهو لم يوفق في المرتين السابقتين عندما قدم حفل افتتاح نفس المهرجان، شكل آسر ياسين على المسرح وهو مكفهر الوجه، مفتقد الحضور، وينطق الكلمات بصعوبة، جعلني أجزم أن اختياره جاء بسبب وجود مسكنه بجانب قاعة المنارة المقام بها الحفل.

 

لم تتوقف الأخطاء عند هذا الحد، بل وصلت لكارثة لم تحدث في أي مهرجان سينمائي بالعالم حتى وإن كان من مهرجانات "بير السلم"، فلم نرى أو نسمع من قبل عن راعي تجاري للمهرجان يصعد للمسرح ليلقي كلمة يحكي فيها عن سلعته ويعرض فيلم تسجيلي عن هذه السلعة، حتى وإن كان هذا الراعي BVLGARI، يأتي هذا في الوقت الذي لم تلق رئيسة المهرجان ماجدة واصف بكلمة واحدة خلال الدقائق الثلاث التي صعدت فيهم للمسرح لالتقاط صورة تذكارية مع لجنة تحكيم المسابقة الدولية.

 

استمر السيد أحمد عبدالجواد على منوال "الهوى" الذي يتحكم في كل شيء بحياته وعمله حتى أفاق على موت نجله كمال ليندم ولكن بعد فوات الأوان، فهل تفيق إدارة المهرجان وتحاول تصليح ما أفسده "هوى" مسئولي DMC قبل فوات الأوان؟؟