د. نصار عبدالله يكتب: رزقت ملكا فلم أحسن سياسته

مقالات الرأي



فى تاريخ الأدب العالمى ..تبرز درر معينة، يشتهر أصحابها بها، بحيث تحجب عن الذاكرة الأدبية باقى أعمالهم، هكذا مثلا لا يذكر لسرفنتيس إلا دون كيخوته ( دون كيشوت)، رغم أن أعماله الأخرى ليست بالقليلة، وفى تاريخ أدبنا العربى لا يذكر الشاعر ابن زريق البغدادى إلا بالقصيدة الوحيدة التى أثرت عنه والتى عرفت باليتيمة، ولكتابة اليتيمة قصة يرويها رواة الأدب، وإن كنا لا نعلم على وجه التحديد مدى نصيب تفصيلاتها من الصدق التاريخى، لكن الصدق التاريخى أو بالأحرى تفصيلاته الدقيقة لاتعنينا كثيرا، فما يعنينا هو ما نستطيع أن نقطع به، وهو أننا إزاء قصيدة متفردة فى مستواها الفنى الرفيع، وأن هذا المستوى ينبئ عن معاناة شديدة الخصوصية عاناها مبدعها، أما قصة القصيدة فيمكن اختصارها فى أن ابن زريق كان قد أحب ابنة عمه وخطبها من أبيها، لكن أباها طلب مهرا كبيرا، فقرر الشاعر أن يسافر إلى الأندلس لكى يمدح أمراءها الذين اشتهروا بمحبة الشعر والإغداق على الشعراء ثم يعود من ثم بالمهرإلى بغداد لكى يثبت حبه لحبيبته من ناحية ولكى يثبت قدرته المالية لعمه من ناحية أخرى، وحاولت حبيبته أن تثنيه عن قراره لا قتناعها أن أباها سوف يقنع فى النهاية بما هو متاح لدى ابن أخيه، لكن الشاعر صمم على الرحيل وسافر بالفعل ومدح أميرا من أمرائها، فلم يجد عليه إلا بالقليل!، فأصابه غم شديد !! ويقال إنه قد قضى ليلته فى المسجد وفى الصباح عثر عليه ميتا وإلى جواره قرطاس فيه القصيدة الآتية التى تألقت بعد ذلك بين درر الشعر العربى، غير أننا نود هنا أن ننبه القارئ إلى أننا لم نوردها كاملة، بل اكتفينا بتخير أبيات منها، وبوسع القارئ إذا شاء أن يطالعها مكتملة فى أى منتخب من منتخبات الشعر العربى على مدى عصوره المختلفة، ( على سبيل المثال : المنتخب من أدب العرب لأحمد أمين وآخرين ) وبوسعه أيضا أن يطالعها على شبكة الإنترنت

لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُه**** قد قلت صدقا ولكن ليس يسمعه

جاوَزتِ فِى نصحه حَداً أَضَرَّبه ** من حيث قدرت أن اللوم ينفغه

فَاستَعمِلِى الرِفق فِى تَأِنِيبِهِ بَدَلا ** مِن عَذلِهِ فَهوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ

ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَه*** رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ ُ

كَأَنَّما هُوَ فِى حِلِّ وَمُرتحل** ٍمُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ

وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُه** رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ ُ

أستَودِعُ اللَهَ فِى بَغدادَ لِى قَمَرا بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ

وَدَّعتُهُ وَبوُدّى لَو يُوَدِّعُنِي** صَفوَ الحَياةِ وَأَنّى لا أَودعُهُ

لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ** عَنّى بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ

إِنّى أَوَسِّعُ عُذرى فِى جَنايَتِه** بِالبينِ عِنهُ وَجُرمى لا يُوَسِّعُهُ ِ

وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ

اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّى بَعدَ فُرقَتِه كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ

إِنّى لَأَقطَعُ أيّامِى وَأنفقُها** بِحَسرَةٍ مِنهُ فِى قَلبِى تُقَطِّعُهُ

لا يَطمِئنُّ لِجَنبى مَضجَعُ وَكَذا لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ

قَد كُنتُ مِن رَيبِ دهرِى جازِعاً فَرِقا فَلَم أَوقَّ الَّذى قَد كُنتُ أَجزَعُهُ

عِلماً بِأَنَّ اِصطِبارى مُعقِبُ فَرَجا **فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ ً

عَسى اللَيالى الَّتى أَضنَت بِفُرقَتَنا** جِسمى سَتَجمَعُنِى يَوماً وَتَجمَعُهُ

وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَه ***لا بُدّ فى غَدِه الثّانى سَيَتْبَعَهُ ُ

وإن يدم أبداً هذا الفراق لنا ***فَما الَّذى بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ