إيمان كمال تكتب: مذكرات «معبودة الجماهير»

مقالات الرأي




أول أجر لها 24 جنيهًا

مخرج طلب منها إجراء عملية «اللوز» لإبعادها عن الغناء

المرأة الوحيدة التى عرض عليها فريد الأطرش الزواج

نسمة رقيقة، لاحت بساطتها ورنت ضحكتها الصافية لتخترق القلوب فهى تملك حنية الأم والحب الغامر لكل من حولها، إنها (شادية).

قررت أن أبدأ كلامى بأن استعير كلمات الفنان فريد الأطرش عنها فى مذكراته التى حكى فيها أن شادية هى المخلوقة الوحيدة التى عرض عليها الزواج، وإن كانت قصة حب لم تكتمل، فأسطورة شادية وحدها ومحبتها تجعل الحديث عنها مربكا.. وهى التى صنعت الحب بصوتها ومزجته بالحنين لهذا الزمن الجميل .. الزمن الذى عاشت فيه شادية سنوات ذهبية زينتها بالاعتزال بعد الصراع الذى عاشت فيه لاتخاذ القرار.

1- اعتزال راق يليق بنور محبتها

(عندما كنت أمارس الفن خدمت مجتمعى فى ذلك المجال كرسالة فنية واجتماعية وأديت دورى فى توعية المجتمع بالكثير مما قدمت وكان الله فى دمى ووجدانى ولم أكن انساه لحظة وعندما وصلت لدرجة العشق لله سبحانه وتعالى نفضت عن حياتى متع الحياة الزائلة وأضحت كل خلية فى جسدى تردد اسم الله وهجرت حب النفس إلى حب الذات الإلهية لذا فأنا اعيش الآن فى مرحلة التوجه لله بكل جوارحى وهو توجه مختلف عن الحب الذى عشناه وعانينا منه إنه عشق يملأ القلب نورا، فكنت أخاف الموت فهو كان يعنى لى حالة فزع وخوف أما اليوم أشعر انى سعيدة به بل أتمناه فهو الدخول لعالم الدوام البعيد عن الزيف وأطمع فى رضا الله سبحانه وتعالى ذلك أن الموت يعنى لى ابتداء الحياة الآخرة وما أعظمها من حياة).

كلمات كتبتها شادية وهى تأخذ قرارها الاعتزال الذى راودها كثيرا خاصة بعد وفاة شقيقها طاهر الذى وصفته بتوأم روحها وكانت وقتها تقدم مسرحية «ريا وسكينة» وعزمت على تنفيذ الفكرة بعد العرض إلا انها لم تتشجع إلا بعد ثلاث سنوات. وفى عام 1968 غنت شادية «خد بايدى» للشاعر على الجعار ولحن عبد المنعم البارودى وكانت تغنى لأول مرة فى حفل الليلة المحمدية فكان الجمهور رافضا ذهابها ويطلب منها أن تكرر الكوبليه الأخير «خد بايدى ..خد بايدى» وكانت وقتها قد عادت من العمرة قبل أن تعلن على المسرح بأن هذا اللون الغنائى الذى تنوى تقديمه وهى سعيدة بهذا اللون الحلو الجميل كلاما ولحنا وحققت وقتها الأغنية بيع مليون نسخة وكانت أفضل اغنية فى العام. التقت شادية فى العمرة بالشيخ الشعراوى وقالت له «عمى الشيخ الشعراوى ..ألا يغفر الله لنا» فرد عليها بأن الله لا يغفر لمن يشرك به ويغفر ما دون ذلك»، بعدها كانت تستعد شادية لغناء «أم النبى» التى غنتها ياسمين الخيام فهاتفت فى هذا الوقت مصطفى محمود الذى قال لها إن عليها أن تلتقى الشيخ الشعراوى وبالفعل نفذت النصيحة لتقرر بعدها الاعتزال وتعلن التفرغ للعبادات وقراءة القرآن وقامت بتغيير هاتفها المحمول وارتداء الحجاب والابتعاد عن الحياة الفنية ،لتعيد ترتيب حياتها بعد حياة صاخبة مليئة بالأفلام والاغنيات لتجد السكينة والهدوء وترتبط أكثر بحضن عائلتها والطمأنينة التى كانت تبحث عنها.

2- خطوبة حولت حياتها كابوس

(بدأت نبرات صوتى تشف عن أننى اغنى لنفسى أكثر مما أغنى لكم ..ولكنكم والحق أقول اعجبكم هذا التغيير بدليل أن اغنياتى التى غنيتها حازت اعجابكم أكثر مما حازته اغنيات القلب المحروم فكان الحب هو الذى غيرني) ... كلمات قالتها شادية بعد أول قصة حب عاشتها مع الفنان عماد حمدى وبعد سنوات طويلة لم يكن قلبها قد دق بعد ولم تجد فارس الأحلام بل انها أكدت فى مذاكرتها الشخصية التى نشرتها تباعا فى مجلة الكواكب على حلقات فى الخمسينيات بأنها لم تكن تفكر فى الحب ولم يكن هوسها الزواج فكانت تحلم بالنجاح والنجومية حتى غيرها الحب.

وهى التى رفضت العرسان والمعجبين.. ففى سن الثالثة عشرة وفى رواية على لسانها أصرت والدتها على خطبتها وكانت وقتها فى قرارة نفسها ترغب فى أن تتجه للسينما وكانت ليلة الخطبة كالمصيبة بالنسبة لها فلم تستطع الرفض لكنها اسرت لشقيقتها عفاف كاتمة الأسرار التى كانت تسدى لها النصائح والتى استطاعت أن تمهد السبل لأسرتها أن تقنعهم بألا يتم الزواج فإذا تزوجت فى هذا الوقت ستصبح أتعس مخلوقة فى الوجود فمرت هذه الفترة كئيبة وحزينة ومليئة بالدموع بعد أن كانت لا تكف عن الضحك والابتسام ولا تخلو ساعة من ساعات نهارها من الفرح.

3- أول علقة بسبب مسرح «السرير»

شادية مصرية الأب تركية الأم التى ولدت فى الحلمية الجديدة 1931 انتقلت مع اسرتها إلى انشاص حتى عادت إلى القاهرة بعدما دخل اشقاؤها المدرسة وكانت وهى صغيرة تهوى أن تغنى للسيدة ليلى مراد وكانت مدرستها «أبلة سنية» كما تقول عنها تتباهى بها وتمتدح فى صوتها أمام الصديقات وتطلب منها دائما أن تغنى «يا قلبى مالك كدا» التى غنتها ليلى مراد وتقول شادية بأن ابلة سنية كانت توصى بها المدرسات وتهديها قطع الشيكولاتة التى تحتفظ بها لتقتسمها مع زميلاتها وكانت أول فرقة مسرحية كونتها شادية وهى فى ثالثة ابتدائى وكان المسرح هو السرير الذى تنام عليه فكانت تحفظ حوار الأفلام التى تشاهدها مع أسرتها وكانت تختار الدور الذى يقترب «للصريخ» وقبل أن يقفل الستار تأتى والدتها وتعطيها العلقة اللازمة وإن كان هذا الضرب لم يجعلها تعدل عن فكرة التمثيل والغناء.

وفى بداية الأربعينيات وبالتحديد فى عام 1944 كانت شادية مع اسرتها ومعهم المطرب التركى منير نور الدين الذى دهش لحلاوة صوتها وطلب من والدها بإلحاح بأن تتعلم الموسيقى وتأثرت شادية كثيرا حينما صفق لها والدها الذى فوجئ بحلاوة صوتها ،فكان مدرس الموسيقى الذى علمها الغناء هو الأستاذ محمد الناصر الذى دعمها عند المخرج أحمد بدرخان وأكد له بأنها اكتشاف جديد.

وقعت وقتها عقدا على أن تتقاضى 24 جنيها فى الشهر الواحد واستمرت تحصل على راتبها ثمانية اشهر قبل أن تكتشف بأن الفيلم لن يتم انتاجه حتى شاركت فى اغنية دوبلاج لفيلم المتشردة فكادت تطير فرحا حينما سمعت صوتها فى فيلم ولم يكن باقيا لها سوى الظهور على الشاشة حتى جاءتها الفرصة فى فيلم «أزهار وأشواك» الذى قامت ببطولته حكمت فهمى ولكن وقتها لم يقتنع المخرج بأنها تجيد الغناء واحضر إحدى المطربات تغنى بدلا منها بطريقة الدوبلاج. وتقول شادية فى مذاكراتها التى نشرتها فى عدد الكواكب 127 فى 5 يناير لعام 1954: هكذا لم يتحقق حلمى المشترك فى أن أمثل واغنى لكنى كنت دائمة الابتسام ولم اكن اطلب المستحيل ولا اقفز الدرجات دفعة واحدة.

وحكت عن هذه الواقعة ايضا قصة طريفة حينما قالت بأن احد المخرجين لم يعجب بصوتها الذى باتت ترفعه وترقق نبراتها وتحاول أن تكثر من الإشارات المعبرة عن كل معنى وكان لا يزال عابسا فى وجهها حتى انتهت من الغناء فقال لها «انت لازم تشيلى اللوزتين قبل ما تفكرى تغنى» لتذهب إلى اكبر الأطباء الذين اكدوا لها بأن اللوز سليمة ولا تؤثر على صوتها وقال لها «تقدرى يا مودموازيل حرام تشيليهم وتتعذبى» ولكنها لم تقتنع حتى فهمت بأن المخرج «زحلقها» على حد تعبيرها ولو كانت قد استمعت لنصيحته لما كانت المطربة التى وصلت لها فقررت وقتها أن تطرح عن رأسها فكرة الظهور كبطلة اولى وعليها أن تقبل دورا ثانيا واتفقت حينها على فيلم «المتشردة» عام 1954.

وبعدها قدمها الأصدقاء للمخرج حلمى رفلة الذى كان يخرج «العقل فى اجازة» الذى شاركت فى بطولته وقدمت اغنية مع الفنان محمد فوزى فكان فاتحة المستقبل لتقدم فيلما وراء الآخر ووقتها نسيت أنه كان يتقدم لها الكثيرون منهم رجال مرموقون ولم تكن قد قابلت فتى احلامها.

ولأن تجربة شادية لم تكن سهلة بعد أن عانت من كراهية الوجوه الكبيرة التى اعترضت وجودها لكنها استطاعت بالصبر وقوة الإيمان أن تتغلب عليها فقررت أن تكون نصيرة للوجوه الشابة تشجعهم وتحنو عليهم وتهتم بهم حتى حينما نزلت لميدان الإنتاج فوضعت فى برنامجها الوجوه الجديدة.

4- الإسراف والنسيان أهم عيوبها

وفى مذكراتها ايضا التى نشرتها فى الخمسينيات تقول شادية عن عيوبها:

الإسراف
أنا كسائر البشر لى عيوب أبرزها الإسراف فأنا ابغض المعنى الذى يهدف له المثل العامى «القرش الابيض ينفع فى اليوم الاسود» بل أؤمن بأنه اصرف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب، فأنفق كل ما يصل إلى جيبى من المال.

النسيان
تقول شادية عن تجربتها مع النسيان: تشكو صديقاتى من عادة النسيان حتى أننى اتذكر بأننى كنت قد ركبت سيارتى مع ابنة شقيقتى وكانت طفلة صغيرة وكنت ذاهبة لزيارة الأقارب ونزلت من السيارة لأكتشف بأننى نسيتها فى السيارة.