المصحات النفسية بوابة خلفية لأمراء داعش والقاعدة

العدد الأسبوعي

عناصر داعش الإرهابية
عناصر داعش الإرهابية - أرشيفية


هشام عشماوي.. أقام 3 أشهر فى مصحة نفسية للعلاج من الاكتئاب الحاد

مهاجم مارسيليا.. خرج من عيادة الطبيب لدهس المارة

منفذ هجوم الغردقة.. أودع مستشفى "العباسية".. وصدمة عاطفية حولت حبارة إلى إرهابى


المفاجأة من العيار الثقيل بكل المقاييس.. فـ«المقنع» هشام عشماوى، أبو عمر المهاجر المصرى، الذى يدير الإرهاب فى مصر الآن، والشبح الغامض والمخطط الاستراتيجى، لأهم وأخطر العمليات الإرهابية التى ضربت البلاد من سيناء والفرافرة إلى القاهرة والمحافظات، على مدار السنوات الأربع الأخيرة بكاملها، كان بالأمس القريب فقط، نزيلاً فى إحدى المصحات النفسية.

ولمدة ثلاثة أشهر كاملة، خضع عشماوى فى تلك المصحة، للعلاج النفسى من حالة اكتئاب حاد، وصدمة نفسية عنيفة، عصفت به ودفعت به فى الاتجاه المضاد، فارتمى فى أحضان الإرهاب، إلى غير رجعة، بعد أن فشلت معه كل محاولات إعادة التأهيل.

ومن هنا تحديداً يمكن التقاط طرف الخيط، وتتبع مسار التحول الأخطر فى حياة هشام، من ضابط صاعقة «متفرد» إلى أسطورة حية للإرهاب على أرض مصر.

بحسب التسريبات، تعرض هشام عشماوى لهزة نفسية عنيفة لم يستطع تحملها، تسببت فيها واقعة مرض والده ثم وفاته، أثناء تغيبه لعمله فى سيناء، حيث لم يتمكن من النزول لرؤيته قبل الوفاة، وكان ساعتها يخدم هناك كضابط فى القوات الخاصة، على مدار عشر سنوات كاملة.

منذ تلك الواقعة اتجهت الأمور نحو التصاعد، فبدأ هشام بالتأثر بدعايات الجماعات الإرهابية المتطرفة، التى كان يقاتلها فى سيناء ونفذت تفجيرات طابا وشرم الشيخ، فيما بدأ مجموعة من المتطرفين فى نفس التوقيت فى التقرب منه وإقناعه بأن التزامه بعمله، كان هو السبب وراء إهماله فى رؤية والده قبل وفاته.

لفت هشام إليه الشكوك والأنظار أيضاً، بعد واقعة تعنيفه بحدة لخطيب مسجد كان يصلى فيه لمجرد أنه قد أخطأ فى تلاوة القرآن، فتم التحقيق معه بسبب ما حدث، كما وضع تحت المراقبة فى أعقابها.

قدم هشام عشماوى وعوداً بالانضباط فى سلوكه، غيرأن الأمور تفاقمت بعدها بشدة وتطورت إلى الأسوأ، فبحسب رواية منسوبة لأحد أقاربه، بدأ التحول الحقيقى فى حياة هشام عام 2006، أى فى العام التالى مباشرة لوفاة والده، حين تم إلقاء القبض على أحد أصدقائه وقد توفى داخل السجن، وهو ما شكل صدمة بالنسبة لعشماوى سارعت به نحو التطرف.

ظاهرة الاضطراب النفسى، كدافع للتحول نحو الإرهاب، مثلما هى مؤثرة فى حالة هشام عشماوى، كما يبدو من سيرته الذاتية، تتجسد بوضوح أيضاً فى واقعة إرهابية لم يلتفت إليها الكثيرون، وهى واقعة هجوم، «ذئب» إرهابى منفرد على ما يبدو، هو عبدالرحمن شمس الدين، فى يوليو الماضى،على السياح فى مدينة الغردقة.

عبدالرحمن قام بطعن سائحتين ألمانيتين على شاطئ أحد الفنادق بالمدينة ثم استمر فى السباحة حتى وصل إلى شاطئ فندق آخر مجاور، فبدأ فى طعن عدد إضافى من السائحات وهن مستلقيات يحصلن على حمام الشمس الخاص بهن، بينما كان يردد هتافات دينية وعبارات عدائية بلغة ألمانية طليقة، وقد لقيت سائحتان ألمانيتان وأخرى تشيكية الجنسية مصرعهن وأصيبت ثلاث أخريات.

اتضح من تحقيقات الواقعة لاحقاً أن إرهابى الغردقة كان قد خضع لعلاج نفسى لفترة سابقة، ورغم الانطباع بأن الواقعة هى هجوم إرهابى فقط، إلا أن الفحص الطبى على عبدالرحمن شمس الدين، بحسب الروايات الرسمية، قد أكد تماما أنه حالة مرضية واضحة، وعلى ذلك فقد تم إيداعه إلى مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية للإشراف الطبى عليه بقرار من النيابة العامة.

بالقطع لا يمكن إطلاق الحكم على جميع الإرهابيين باعتبارهم مرضى نفسيين،أو النظر إلى المرض النفسى وكأنه البوابة الوحيدة (فقط) نحو العنف والتطرف، لكنه فى نفس الوقت لا يمكن انكار تأثير الدوافع النفسية فى التحولات الأيديولوجية لدى عدد لا بأس به من الإرهابيين.

فى حالة عادل حبارة، سفاح سيناء وقاتل المجندين فى «مذبحة رفح الثانية»عام2013، فإن صدمة عاطفية قاتلة بالنسبة له كانت مدخلاً للتطرف، ودفعت به لقراءة كتاب «الداء والدواء» لابن القيم الجوزية بالصدفة ليتغير مسار حياته بالكامل بعد ذلك.

وبالرجوع للوراء قليلاً نكتشف أن العلاقة المشوهة بالمرأة، هى بالأساس أحد محددات التطرف لدى سيد قطب، سواء بسبب تجارب حبه الفاشلة المتتالية فى مطلع شبابه، أو بسبب صدمته الجنسية فى أولى تجاربه مع المرأة فى الغرب، فى رحلته الشهيرة للولايات المتحدة الأمريكية، كما كانت العلاقة المضطربة بالمرأة كذلك على سبيل المثال،عاملاً مؤثراً فى تولد العنف لدى شكرى مصطفى زعيم جماعة التكفير والهجرة، الأمر الذى أشعل لديه الكراهية ضد مجتمعه وعادات بيئته فى الصعيد، بسبب زواج العمدة من راقصة، بعد انفصاله عن أمه.

فى سياق آخر، وضمن تحقيقات هجوم مرسيليا بفرنسا21أغسطس الماضى، حيث استهدف أحد الأشخاص بسيارته محطتين للحافلات قبل شهرين، فقد عثر مع منفذ العملية على رسالة تشير إلى علاقته بأحد المستشفيات النفسية، وقد تبين أنه قد خرج من عيادة الطبيب النفسى قبل تنفيذ العملية مباشرة!.

فى أعقاب ذلك مباشرة أعلن وزير الداخلية الفرنسى جيرار كولومب، أن نحو ثلث الأشخاص الذين ترد أسماؤهم على لائحة المتطرفين فى فرنسا أوتم رصدهم أمنياً، يعانون من اضطرابات نفسية.

وذلك علما بأن فرنسا تأتى فى مقدمة الدول الغربية التى شهدت هجمات إرهابية مؤخراً تبين أن أصحابها هم مرضى نفسيون بالأساس، وقد تحولوا إلى التطرف، أشهر تلك العمليات، كانت حادث الدهس فى مدينة نيس يوليو2016، وقد أعلنت عائلة منفذ الهجوم، التونسى محمد لحويج بوهلال أنه كان يتلقى علاجاً نفسياً فى فترة سابقة قبل سفره إلى فرنسا، وصرح والده بأنه «كان عنيداً ويغضب ويصرخ ويحطم كل شيء أمامه، وأنه كان عنيفاً ومريضاً جداً ويتعاطى المخدرات»، وأشار إلى أن ابنه كان دائماً وحيداً وصامتاً ويرفض الحديث، ولا يلقى التحية على الناس فى الشارع».

فيما تكررت نفس المعادلة فى وقائع أخرى، كمحاولة استهداف نقطة المراقبة فى برج إيفل. وقد تبين أن منفذ الهجوم يحمل تاريخاً من المرض النفسى، وسبق وضعه تحت ملاحظة مختصى الأمراض العقلية وأنه كان على اتصال بأحد عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» الذى طلب منه تنفيذ العملية، وكذلك الحال مع مرتكب حادث الطعن فى مدينة سورغوت فى روسيا 19أغسطس الماضى، والذى أسفر عن إصابة 8 أشخاص، حيث أعلن داعش مسئوليته عن الواقعة رغم ترجيحات روسية فى البداية بأن المهاجم مجرد مختل عقلياً فقط.

مؤخراً قررت السلطات الفرنسية تخفيف الإجراءات الأمنية على صلاح عبدالسلام، مسئول الدعم اللوجستى، والناجى الوحيد من منفذى هجمات باريس الدامية نوفمبر2015، داخل السجن وذلك بعد أن رصدت إشارات رأت أنها مقلقة بشأن حالته النفسية منها حالة اكتئاب شديدة، وأعراض جنون عظمة وميل إلى الشهرة، ما أصبح يخشى معه إقدام عبدالسلام على الانتحار.

دائماً ماكانت الدوافع النفسية، هى سلاح داعش الأهم، فى تجنيد أمثال صلاح عبدالسلام من «المجرمين الصغار» وأصحاب السوابق الجنائية، خاصة داخل السجون، ممن لا يملكون الأيديولوجيا، وربما لم يواظبوا فى حياتهم على الصلاة فى مسجد، فكان التنظيم يقدم لهم الحاضنة والملاذ النفسى الآمن، ويكفل لهم الاحترام والشعور بالذات، ويحولهم إلى أبطال وقيادات فى صفوفه، ويضمن لهم الجنة أيضاً مقابل الجهاد، وذلك فى مقابل حالة الضياع وفقد الهوية والمعاناة من البطالة ومشاعر الدونية، التى يعانون منها فى مجتمعاتهم.

تماماً كما كانت الدوافع العاطفية، وقصص الحب، هى سلاح التنظيم، الأول والأخير، أيضاً فى تحول فتيات أوروبا، إلى الوقوع فريسة لدعايته الإلكترونية، سواء للحاق بحبيب أو عشيق سبق إلى أراضى التنظيم، أو استجابة لدعوة حبيب «افتراضي» نجح فى تجنيدها واستدراجها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ناهيك عن أن النزوح نحو التطرف والانضمام إلى داعش أحياناً ماكان يترجم رغبة فى التطهر من الانحلال الجنسى والحياة اللاهية المفتوحة، فتأتى مطربة البوب البريطانية، سالى جونز «أرملة داعش البيضاء»، كأفضل نموذج لذلك قبل أن تلقى مصرعها هذا الشهرفى غارة أمريكية بطائرة بدون طيار كنموذج جديد من الارهابيات، تجاوزن تنفيذ العمليات الإرهابية بدافع نفسى آخر هو الانتقام، كما فى حالات تنظيم «الأرامل السود» فى روسيا، وساجدة الريشاوى التى نفذت تفجير الأربعاء الأسود فى عمان، لصالح تنظيم أبو مصعب الزرقاوى، ثأراً لشقيقها وزوجها الأول.

وفى الأخير يبقى داعش أرضاً خصبة، لأصحاب النفسيات المنهارة والرغبات والميول السادية الشاذة، من الرجال والنساء ممن يتلذذون بالتعذيب والقتل، بل إنه أصبح مفرخة لهم أيضاً، فقد اعترفت إحدى المقاتلات المنشقات عن تنظيم داعش مؤخراً أنها كانت تتلذذ بتعذيب النساء،خاصة فى وجود آبائهن وأزواجهن لإلحاق الهزيمة النفسية بهن، خاصة باستخدام آلة تسمى «الغضاضة» وهى آلة تشبه فك الكلب تغرس فى أثداء النساء وتسبب ألاما مبرحة.

وتظل فيديوهات القتل والذبح والحرق كوثيقة عن داعش، تبرهن بما لايدع مجالا للشك، أن خلافة البغدادى هى أكبر تجمع بشرى تنظيمى للمرضى النفسيين فى العالم بأكمله.