منال لاشين تكتب: بعد عام التعويم... مصر غرقت فى الديون

مقالات الرأي



■ الدين الخارجى بلغ 44% من الناتج القومى

■ 3 وزارات فقط خسرت 350 مليار جنيه

■ نصف الاحتياطى ديون للأجانب

■ يوم الجمعة المقبل يمر عام بالتمام والكمال على تعويم الجنيه لتغرق مصر كلها فى الديون ويغرق المواطن فى المشاكل والمعاناة


بعد عام على تعويم الجنيه يمكن للأرقام أن تجيب عن السؤال هل نجح التعويم فى تعويم الاقتصاد المصرى وجعله يطفو فى سطح المشاكل أو أن المواطن دفع ثمنا فادحا وفاتورة كبرى بدون ثمن حقيقى ينعكس عليه.. إجابة هذا السؤال بالأرقام قد تكون غير منصفة للمواطن ليس لأن الأرقام والمؤشرات الاقتصادية جيدة وخرافية ولكن لأنه لا يوجد رقم يصف أو يعكس معاناة المصريين خلال عام التعويم الرهيب. ولكن حتى الأرقام الاقتصادية لم ولن تنصف قرار التعويم فبعد عام من قرار التعويم لم يتحرك الاقتصاد الحقيقى فى مصر والاستثمار الأجنبى والصادرات والسياحة تتحرك للأمام، ولكنه تحرك بطىء جدا وصغير جدا جدا جدا.


1- بحر الديون

بعيدا عن تصريحات المسئولين عن أن التعويم قرار مصرى محلى ولا علاقة له بقرض صندوق النقد، فإن التعويم بشكله الحالى أو ترك الجنيه لوحده تماما يصارع الدولار قد ضرب البرنامج المصرى للإصلاح الاقتصادى وأهداف صندوق النقد فى آن واحد. لأن أهم هدف لدى الاثنين هو خفض عجز الموازنة وتقليله على مراحل. ولكن خلافا لهذا الهدف النبيل فإن التعويم وخفض سعر الجنيه أدى إلى كوارث فى ملف الديون الداخلية والخارجية.. ديون للمواطنين وديون للحكومة وبوجه خاص ثلاث وزارات مهمة واستراتيجية. مبدئيا زادت حصة الدين الخارجى لتصل إلى 44% من الناتج المحلى. وبصرف النظر عن تضاعف حجم الدين الخارجى فى العام الماضى، إلا أن أحد أسباب زيادة نسبة الدين الخارجى من الناتج المحلى يرجع إلى ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه بأكثر من الضعفين. قد لا تكشف الأرقام وحدها خطورة الأوضاع. ولذلك أريد أن أذكر الجميع أن وصول الدين الخارجى لربع الناتج القومى (25%) فقط يجب أن يشعر الجميع معه بالقلق، فما بالك ونحن نتحدث عن وصول الدين الخارجى لـ44% واقترابه بالديون والسندات الجديدة إلى 50% من الناتج المحلى. هذا وضع كارثى على الأمن الاقتصادى من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو يؤدى إلى انخفاض فرص الاستثمار فى البشر، وذلك لأن نسبة مهمة من الإيرادات ستذهب لسداد أو خدمة الديون. يكفى أن نعرف أننا ملزمون بسداد 12,5 مليار دولار العام المالى الحالى. وهو رقم يفوق ما تحصده مصر من قناة السويس والسياحة معا. ولذلك نتوقع أن تلجأ الحكومة لمزيد من الاقتراض الخارجى. فقد دخلنا دوامة الاستدانة الرهيبة. ولا نعرف أين وكيف سنخرج منها.

من الدين الخارجى إلى المحلى.. من الدولار إلى الجنيه. أدى التعويم إلى خسائر فادحة لوزارات وملفات بعينها. وزارة التموين والكهرباء والبترول على رأس هذه المجموعة. لأن كلا من الوزارات الثلاث تتعامل مع سلع تنتج بالخارج.. قمح غاز ذرة. ولذلك تضاعفت فاتورة استيراد هذه المستلزمات الاستراتيجية وبمرور عام تحملت الحكومة فى هذه الملفات فقط 350 مليار جنيه تحملتها الخزانة العامة للدولة. ثمة وزارات أو مشروعات أخرى تحملت فاتورة التعويم مثل الإسكان الذى تحمل فاتورة زيادة إنشاء وحدات الإسكان الاجتماعى. والصحة أو التأمين الصحى والعلاج على نفقة الدولة بسبب زيادة أسعار الدواء.

أما الدين المحلى فتحمل فاتورة باهظة نتيجة التعويم. ففى نفس يوم التعويم تم رفع الفائدة فى فقرة كبرى بـ3%، وتحملت المالية زيادة الفائدة على سندات وأذون الخزانة فيما بعد وخلال العام جرى رفع الفائدة مرتين بنسبة 4% متتاليتين. ودفعت المالية الثمن مرة ثانية وثالثة. ولكى تتصور فداحة الثمن الذى دفعته الخزانة العامة يكفى أن تعرف أن حجم الدين الداخلى وصل إلى مرحلة التريليون وليس المليار. نقترب من حد الـ3 تريليونات. ومعدل الاقتراض الداخلى يزيد بقفزات خرافية أسبوع بعد الآخر وشهر يلى الأشهر. ومع ذلك حدث تحسن طفيف فى ملف عجز الموازنة. وهذا التحسن يكشف أن الحكومة عوضت كل هذه الخسائر من جيوب المواطنين. وذلك فى شكل خفض الدعم على الكهرباء والغاز والبنزين والمياه وزيادة جميع أسعار الخدمات الحكومية.


2- فاتورة الأسعار

التضخم ليس زيادة الأسعار كما يتصور البعض، ووصول التضخم إلى 33.5% لا يعنى بالطبع ان الأسعار زادت بنسبة الثلث، فالتضخم يكشف نسب الزيادة فى الأسعار. وفى عام التعويم حدثت ست قفزات فى التضخم ووصل إحداها إلى رقم غير مسبوق40%. وهذه نسبة لم تعرفها مصر منذ 40 عاما. وأمامنا على الأقل عام آخر سينخفض فيه التضحم بمعدلات صغيرة جدا مما يؤدى إلى استمرار زيادة الأسعار وليس تراجعها كما تروج الحكومة.

ولكن كل ما سيحدث هو تراجع وتيرة ارتفاع الأسعار فقط.

لا أظن أننى بحاجة إلى الحديث طويلا أو كثيرا عن أحوال المواطن بعد التعويم. فنظرا لأن مصر دولة مستوردة لمعظم احتياجاتها فإن كل السلع والخدمات زادت بنسب كبرى، ومعاناة المواطن التى يعيشها يوميا خاصة الطبقة المتوسطة لا تحتاج لشرح. فثمة قاعدة شهيرة فى اللغة العربية وهى حذف المعلوم جائز، ومعاناة الناس معلومة ومحسوسة ومستمرة بالنسبة للملايين. وأفكار مثل برامج تكافل وكرامة أو رفع دعم التموين أو تأجيل تحصيل الضريبة على الزراعة لم تستطع أن تصمد أمام طوفان ارتفاع الأسعار الذى حول حياة المواطن لجحيم حقيقى. ويزيد من معاناة الشريحة المتوسطة من الطبقة المتوسطة أن كل برامج الحكومة موجهة للفقراء فقط، ولا يوجد برامج موجهة لدعم هذه الشريحة المطحونة والمرهقة.


3- تحسن السلحفاة

فى مقابل المعاناة الكبرى للمواطن فإن مؤشرات الاقتصاد الحقيقى لم تتحسن إلا بنسب متدنية وسرعة تنافس سرعة أو بالأحرى بطء السلحفاة.

الواردات التى تصورنا أن التعويم سيقصف عمرها نقصت بـ200 مليون دولار فقط، ولايزال حجم الواردات يجاوز 57 مليار دولار. من الناحية الأخرى زادت صادرات مصر بـ3 مليارات دولار وبنسبة 15% فقط وذلك وسط أحلام بزيادة الصادرات إلى 25% على الأقل. وهناك عوامل وعقبات حقيقية لنقص الصادرات تتعلق بنقص الإنتاج وارتفاع تكلفة الاستثمار فى مصر بعد زيادة الفائدة على القروض لمستويات مرتفعة. بالمثل تحسن السياحة لم يكن بالمستوى المطلوب أو المستهدف.

حتى البورصة التى تعد من أكثر الرابحين لم تحقق سوى 750 مليون دولار ربحا من صافى شراء الأجانب.

فى المقابل فإن الاستثمار الأجنبى غير المباشر للأجانب فى سندات وأذون الخزانة زاد إلى 18 مليار دولار. وهذه الأموال بطبيعتها أموال ساخنة ممكن أن تخرج من السوق فى أى لحظة وميزتها الأساسية لدى الحكومة والمركزى ميزة وحيدة. فقد أدت إلى زيادة الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى إلى مستوى قياسى فنحو نصف الاحتياطى من هذه الديون تحت اسم استثمارات.

أما الاستثمار الأجنبى المباشر فقد وصل إلى 7.8 مليار دولار. ويمثل هذا الرقم تقدما بسيطا إلى الأمام، نسبة حاكمة من هذا الاستثمار فى اكتشافات الغاز والبترول. أى أننا لم نحقق تقدما ملموسا فى جذب الاستثمارات الصناعية والسياحية.

هذه الأرقام والمؤشرات ليست للإحباط ولا مدعاة للشماتة من مواطنة ضد التعويم، ولكنها دعوة لضرورة الاستيقاظ من نوم الحكومة والغرق فى ديون جديدة. وإذا كان المواطن قد تحمل بوعى وصبر عاما كاملا. فإن من الظلم أن نطالبه بتحمل عام آخر جديد من المعاناة، ولم ينه هذه المعاناة إلا أن تسرع الحكومة بل تهرول لتحسين مناخ الاستثمار من ناحية، ومن ناحية أخرى مواجهة جشع التجار ووقف فورى وسريع لارتفاعات الأسعار غير المبررة. بدون هذين العاملين أو المهمتين فإن مصر ستعيش العام الثانى للتعويم فى أوضاع أكثر بؤسا وأقل إنتاجا حتى مع بدء إنتاج غاز ظهر.. نحن بحاجة إلى ثورة اقتصادية تشد مصر من عثرتها وتخفف آلام ومواضع التعويم.