إيمان كمال تكتب: أنا وجواهرجي الصحافة

مقالات الرأي



كثيرا ما اسمع عن معاناة المرأة وحربها الشرسة من أجل أن تؤكد على وجودها وذاتها وبأنها الشخص الكامل تماما الذي لا ينقصه شئ بل يتفوق أحيانا على الرجل ..لكنني لم أمر بهذه التجربة ولو بشكل عابر، بل أعترف بأنني كنت محظوظة كثيرا بوالدي رحمه الله  وهو الرجل الذي نشأ وتربى في الصعيد ولم يشعرني يوما بأن هناك فرق بين الرجل والمرأة فالحياة كانت أكثر سلاسة وبديهية ولم تحتمل التعقيدات وقتها فكوني انثى لا يحتمل الرهان وكل هذه المعارك.

انتهى دور والدي مبكرا وبالتحديد وأنا طالبة جامعية لينكسر السند والدعم وافقد من وضع البذرة الأولى في عقلي ومعرفتي، فكان هو المنبت الذي صنعت منه ذاتي وحرصت على ألا يهدمها اصحاب العقول الضيقة.

قبل أسابيع وفي تحضيرات لحلقات جديدة لبرنامج (حياتنا) على قناة النهار و الذي تقدمه الإعلامية دعاء فاروق وأتولى رئاسة تحريره فكرنا في شخصية مؤثرة .. تستحق أن نتعرف على حياتها على ارض الواقع وليس ما يصدر للاعلام والميديا ..تستحق في أن يقترب منها الجمهور ومن اللحظة الأولى وجدتني اقول "أستاذ عادل حمودة"  لنقدم حلقتين اقتربنا خلالهما من حياته العائلية والمهنية.


لماذا عادل حمودة !

سنوات طويلة عملت بها بجريدة الفجر رفضت خلالها التعامل المباشر مع "عادل حمودة" خشية من أن أرى ما يزعجني بسبب الأقاويل والحكاوي التي سمعتها كثيرا ..ولن اقول صدقتها ولكنني فضلت أن اعمل في صمت  ..حتى رشحني الزميل والصديق أحمد فايق "مدير تحرير الجريدة" لأتولى رئاسة القسم الفني ليثبت لي ايضا بأن الوصل لا ينقطع فهناك دعم وسند ..فرحل أبي لكن عوضني الله بمن يؤمنون بموهبتي ومن يدركون بأن الأنثى ليس درجة عاشرة أو اقل عقلا ومجهودا ..بل على العكس فيضعني فايق في الاختبارات الاصعب كى اخرج منها اكثر صلابة وموهبة ونجاح و يؤكد بأن الطبيعي في الحياة هو ما تربيت عليه.

 وكان اللقاء الحقيقي الأول بيني وبين "عادل حمودة" والذي منحني الفرصة وقرر هو بدوره أن يضعني تحت الاختبار "بينه وبين نفسه" كنت أدرك بأنه يختبرني ولم يكن قد قالها أمامي.. كنت أعلم بأنه لم يكن يدرك بأنني ذلك الشخص الذي يمتلك هذه الادوات التي تطورت مع الوقت وبالخبرة.

كان من الممكن أن يعطي المساحة نفسها لأنثى أجمل مني مثلا أو لصحفي رجل أو شخص يجيد آليات التنفيذ التي لم أكن تعلمتها بعد ..لكن كلمة واحدة منحتني الطمأنينة وجعلت خطواتي ثابتة وواضحة "أنا معاكي وفي ضهرك وناقشيني".

اشهر كثيرة عملت بها وتعلمت منه الكثير لم يتدخل يوما في ما أكتبه ..لم يفرض على وجهة نظره أو يسفه من أفكاري بل على العكس فالنقاش هو المنهج في مدرسته الصحفية والاستماع جيدا لكل الملاحظات ..كثيرا ما أرى من يسعون للمناصب بمجرد الجلوس على الكرسي يصبح التنظير هو وسيلتهم للتحقق أما عادل حمودة فهو الصحفي الشغوف الذي لا يخجل من أن يسعى وراء المعلومة حتى الآن ، الذي يتعامل بروح الهاوي فعلى دائرة الإجتماعات لا يخجل من أن يسأل الجميع عن موضوع قام بكتابته أو عنوان وضعه ويعطي الإهتمام لكل كلمة تقال له.

جاءت الصدمة الكبرى بالنسبة لي "أنا حامل" واغلب المجلات والصحف تقوم بطرد الصحفيات الحوامل على اعتبار أن ظروفهن باتت تحول دون التحقق والنجاح ، فأخفيت الأمر خوفا من رد فعل هذا الرجل الذي ادخلني التجربة ولا اريد الخروج منها حتى جاءت اللحظة التي لابد وأن اخبره بها فلم اتخيل ذلك الأب الذي طبطب عليا وطمأنني وشدد على أن صحتي أولا وبأنه يثق في عملي تماما ،ليفاجئني بوضع إسمي على ترويسة الجريدة ليحول ألم وتعب الحمل لحافز قوي فواصلت العمل دون كلل حتى قبل الولادة بثلاثة أيام والعودة بعدها بأسبوعين فقط وكأنني اقول له بأن ظنك لن يخيب وبأن رهانك لن يخسر.

مواقف كثيرة وحالة من الثراء في كل جلسة تجمعنا.. اتذكر وأنا طفلة كان والدي يشتري لنا الكتب والمجلات فملأ وعيي بالأدباء والمثقفين حتى قبل أن أعي الكثير من التفاصيل.

وفي مهنة الصحافة الكثير يتحدث والقليل يقرأ أو  لديه نهم حقيقي للمعرفة لكن في عالم عادل حمودة دخلت في تفاصيل الأدباء والمفكرين نتحدث كثيرا عن احسان عبد القدوس ويوسف ادريس ونجيب محفوظ  نتحدث عن السينما والأدب ..نتحدث عن الثقافة والجمال والحياة والسفر ..أفكار كثيرة وأفق تفتح لي في كل جلسة.

كيف لهذا الشخص الذي جمعته الحياة بكبار الاشخاص في عالم السياسة والفن والثقافة أن يكون بكل هذه البساطة مع الجميع ، كيف لا يبخل على أحد بالمعرفة ولا يبخل بأن يناقش ويجادل، كيف لشخص حياته بها الكثير والكثير من التفاصيل أن يقتطع الوقت كى يعطي النصيحة أو الإشارة لكى يفتح طاقة من الابداع في روح كل المقربين منه.. كيف يمكن ان يكون بكل هذا السحر لمن يعرفونه عن قرب ؟ حتى من اختلفوا معه لأسبابهم فهم يدركون تماما قيمته.

مواقف انسانية بسيطة جعلتني لا اتردد وأنا أفكر بأن الأستاذ "عادل حمودة" يستحق حلقات وحلقات وبأن كلمات الحب والاعتراف بالجميل والفضل لا تكفي ،وبأن هذا الشخص الذي يظهر على الفضائيات ليناقش ويتحدث عن السياسة والمجتمع هو جواهرجي الصحافة الذي صنع اسطورة الكثير من المبدعين ..الذي اضاء لهم الطريق ، فأعترف بأنني لمرة أخرى محظوظة أن اعطتني الحياة فرصة أخرى واشخاص حقيقيون.

لا أنكر بأن الكتابة عن "عادل حمودة" هو أمر مربك لأسباب كثيرة ، فمن يختلفون معه لا يرون إلا الاختلاف فالكراهية لا تمتزج بالمرونة ..أما تلاميذه ومحبيه ومن منحهم الفرصة مثلي فسيكون لديهم الكثير من القصص والحكايات مثلي ،فصدق ابراهيم عيسى حين قال عنه "أبانا الذي علمنا السحر".