فضيحة.. بيع آثار مصر فى مزاد بنيويورك

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


أبرز المعروضات تمثال الملك أمنحتب و أوزوريس.. والسعر: 350 ألف دولار


بعد أيام قليلة ستشهد مدينة نيويورك، عملية بيع جديدة لبعض القطع الأثرية المصرية، وهو المعرض الذى تنظمه دار مزادات سوذبى، فى 25 أكتوبر الجارى، فى فضيحة تكررت أكثر من مرة وتسببت فى اختفاء آثار مصرية مهمة، آخرها بيع تمثال سخم كا، والذى اختفى بعد عملية البيع، رغم مطالبات الأثريين وقتئذ بإنقاذ التمثال ووقف عملية البيع، وبينما تتم عملية البيع لم تقم وزارة الآثار سوى بالاستعلام من وزارة الخارجية عن الأمر.

أثريون كثيرون سبق وملأوا الدنيا احتجاجاً على التفريط فى الآثار المصرية، عند بيع سخم كا، طالبوا بوقف النزيف الأثرى والمتاجرة فى التاريخ المصرى، واتخاذ إجراءات حازمة تجاه ترك الآثار فريسة لهواة جمع التحف والأنتيكات ومجانين الحضارة الفرعونية، خصوصاً أن الأمر ممكن ويستحق.

أبرز القطع الأثرية المعروضة تمثال للملك امنحتب الثالث من الأسرة الـ 18، يبلغ ارتفاعه 15.8 سنتيمتر وقيمته تتراوح من 200 لـ300 ألف دولار، وتمثال خشبى مذهب لـ"بتاح سوكر أوزوريس، ارتفاعه 62.5 سنتيمتر، وتمثال لـ"سير ناخت من عصر الفترة المتأخرة إلى البطلمية فى الفترة من 664 إلى 30 قبل الميلاد، ويتم عرضه بـ30 لـ50 ألف دولار، وذلك بقاعة مزادات دار كرستيز بنيويورك.

مزاد نيويورك، ليس الأول الذى يشهد التفريط فى قطع أثرية مصرية، حيث سبقتها دار كرستيز والتى تقيم مزادات كثيرة للآثار فى أكثر من دولة بالعالم وآخرها المزاد الذى باعت فيه تمثال سخم كا بلندن.

قبل المزادات يتم نشر صور القطع الأثرية على الإنترنت، للترويج للبيع، إذ إن الأمر لا يكون مفاجئاً، وبعدها تلجأ الدار إلى علماء آثار لتحديد قيمة القطعة، وشرح أهميتها بالتفصيل، والإعلان عن رحلتها منذ الكشف عنها حتى وصولها إلى صالة المزاد، وحسب بسام الشماع، باحث المصريات، فالمزادات هى خطر داهم على الآثار والتاريخ، لأن المكان الطبيعى للآثار هى المتاحف حيث يتم الحفاظ على القطع وتكون متاحة أمام المواطنين ويكشف عن أهميتها الثقافية والتاريخية، أما بيعها فى المزاد فهى خطوة يتم بعد اختفاء القطعة تماماً مثل تمثال سخم كا الذى لا يعلم أحد عنه شيئاً بعد بيعه.

الغريب أن القوانين المصرية تسمح بيع الآثار بالخارج وتغل يد مصر عن المطالبة بها، كما وقعت مصر على اتفاقية اليونسكو عام 1970، والتى تبدو فى الظاهر وسيلة للحفاظ على الملكية الثقافية والتراثية للمقتنيات، خصوصاً أنها تؤكد أن هدفها حظر استيراد أو تصدير أو نقل الملكيات الثقافية بطرق غير مشروعة، إلا أن المادة 4 منها تسببت فى كل ما تعانيه مصر من سرقة آثارها والمتاجرة فيها، حيث تتضمن هذه المادة: أن تعترف الدول الأطراف بأن الممتلكات الثقافية المهداة أو المشتراة بطريقة قانونية أو التى تم تبادلها طوعاً تشكل جزءاً من التراث الثقافى لهذه الدولة ما يعنى الاعتراف بمشروعية خروج الآثار وإهدائها من خلال نظام فاسد أو حاكم أخطأ وأهدى قطع أثرية للخارج، خصوصاً أن مصر تبيح حصول البعثات على قطع أثرية من الآثار المكتشفة، ما جعل هذه القطع جزءاً من التراث الثقافى للدولة التى تنتمى إليها البعثة ولم يعد من حق مصر المطالبة بها.

وأوضح الشماع أنه حتى عام 1983 كان بيع الآثار مباحاً فى مصر وبالتالى أى قطعة أثرية تم بيعها قبل صدور قانون تجريم تجارة الآثار، وبموجب هذه الاتفاقية لا يحق لمصر المطالبة بها، فضلاً عن أن تاريخ مصر حافل بالحكام الذين منحوا هدايا أثرية لدول أخرى أشهرهم محمد على، الذى أهدى فرنسا مسلة رمسيس الثانى التى كانت موجودة فى مدينة الأقصر والتى توجد حالياً بميدان الكونكورد فى باريس، وبموجب اتفاقية اليونسكو صارت المسلة جزءاً من التراث الثقافى الفرنسى ولا يحق لمصر المطالبة بها، مع العلم أن محمد على نفسه ندم على تصرفه وأصدر مرسوماً فى 15 أغسطس 1835 يمنع مطلقاً تصدير الآثار فى المستقبل.

جريمة محمد على تكررت فى ستينيات القرن الماضى حيث أهدت الحكومة وقتئذ بعض الهدايا للبلاد التى ساعدت فى عملية إنقاذ آثار النوبة فتم إهداء معبد كامل دندور بالنوبة إلى متحف المتروبوليتان فى مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، كما تم إهداء إسبانيا معبد دابود والذى يوجد فى أحد الميادين المهمة هناك، كما أهدى الرئيس الراحل محمد أنور السادات، خلال فترة حكمه 10 تماثيل أثرية لطائر أبى منجل لعدد من ملوك ورؤساء الدول منهم إمبراطور إيران، والذى حصل على هذه الهدية بعد 6 أشهر فقط من تولى السادات حكم مصر، والذى أهدى قطعاً أخرى لرؤساء فرنسا عام 1975 وللرئيس اليوغسلافي تيتو، ولملك السويد بمناسبة عيد ميلاده الـ90 وإلى هنرى كسنجر، وزير خارجية أمريكا وقتئذ، ولم يتم الكشف عن هذه الوقائع إلا من خلال المستشار أشرف العشماوى الذى كان منتدباً كمستشار قانونى للمجلس الأعلى للآثار وتولى مسئولية ملف استرداد الآثار المهربة خلال الفترة من 2003 لـ 2011 وكان عضو اللجنة القومية لاسترداد الآثار المهربة حتى نهاية 2011.

الشماع يرى أن هناك عدة طرق للضغط على تلك الدول لاسترداد الآثار منها تسييس قضية بيع والاتجار فى الآثار المصرية، وحظر ووقف وطرد جميع البعثات التنقيبية للبلاد التى لا توافق دولها على رد الآثار، وانسحاب مصر من اتفاقية اليونسكو أو تعديل المادة 4 لتصب فى صالح القاهرة، وتكوين لوبى شعبى مع البلاد التى لديها قضية مماثلة مثل اليونان للضغط لتعديل قوانين الاتجار وبيع الآثار.

ولفت باحث المصريات إلى أن الحديث عن استحالة استرداد الآثار المصرية، أمر ليس له مبرر خاصة مع وجود دول تمكنت من استرداد آثارها بالخارج مثل إثيوبيا التى استردت مسلة أكسوم من إيطاليا، وليبيا التى استرجعت كذلك بعض آثارها، مشيراً إلى أن من يعتقد أن وجود الآثار فى الخارج يحميها مخطئ والدليل على ذلك مسلة رمسيس الثانى بفرنسا والتى تعانى من الشروخ والتصدعات ويتم إهانتها، حيث صعد عليها أحد الأشخاص، فى تسعينيات القرن الماضى ووضع قدمه على الكتابات الهيروغليفية، كما وضع أخر واقيًا ذكريًا عليها.