رامي رشدي يكتب: هل يجرؤ قادة الفتوى بالعالم الإسلامى على تكفير "داعش" من قلب القاهرة؟

مقالات الرأي

رامي رشدي
رامي رشدي


بحضور 3 آلاف مفتٍ من 64 دولة إسلامية

■ المحاضرات والندوات والمناقشات دارت على فكرة المنهج المتشدد والفتاوى المتطرفة وتجاهلوا الجماعات الإرهابية

■ شيخ الأزهر يطالب بإنشاء أقسام للفتاوى فى الكليات الإسلامية فى العالم وينتقد الهجوم على كتب التراث


3 آلاف مفت من 64 دولة إسلامية فى العالم مجتمعين فى القاهرة؟، والسؤال هل يستطيعون إصدار فتوى تكفر تنظيم داعش الإرهابى من مصر؟ تلك هى المعضلة الحقيقية التى تواجه كل فقهاء وعلماء الدول العربية والإسلامية من شتى بقاع الدنيا، الموجودين فى القاهرة، المشاركين فى فعاليات المؤتمر العالمى الذى تنظمه دار الإفتاء المصرية، برعاية مباشرة من رئاسة الجمهورية والذى تستمر فعاليته فى الفترة من 17 لـ19 أكتوبر الجارى.

بالنظر للأجندة الرسمية للمؤتمر نجدها، نوهت من بعيد للفكر المتطرف والفتاوى الشاذة إلا أنها لم تقترب من تكفير تنظيم داعش، رغم أنه أطلق فى الفترة الأخيرة، مجموعة من الفتاوى الضالة، التى زعزعت أمن واستقرار المجتمعات، وأشاعت الكراهية بين الناس، وبررت القتل والذبح، الأمر الذى جعل دار الإفتاء المصرية عبر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، تناقش هذه الظاهرة بصورة علمية للخروج بنتائج قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

ووفقاً لأجندة المؤتمر الذى يبحث آفاق الفتوى من حيث تعلقها بحفظ استقرار حياة الناس فى مختلف نواحيها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وكيفية استخدام منجزات العلم الحديث فى خدمة هذه العملية، تمت دعوة مسئولى الفتوى من جميع الدولة الإسلامية للجلوس على موائد البحث العلمى لإيجاد حلول لفوضى الفتاوى وطرح الخطط وللمشاركة فى التنمية الوطنية والعالمية.

ويناقش المؤتمر الفتوى فى مواجهة الإفساد والتخريب، ويتناول «فتاوى الجماعات المتطرفة، ورعاية المقاصد الشرعية ومواجهة الفوضى والتخريب، إدراك الواقع فى فتاوى الجماعات الإرهابية، عرضاً ونقداً من فوضى الإرهاب إلى فوضى الإسلاموفوبيا.

كل ما سبق يتناول الفتاوى التى يصدرها داعش وفكره المتطرف دون تناول منهج التنظيم الإرهابى نفسه، والقطع بتكفيره، حتى مع متابعة الجلسات الافتتاحية للمؤتمر وكلمات كل العلماء والمشايخ الكبار على رأسها كلمة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وإن كانت رصينة فى معانيها وجوهرها ولها دلالات واضحة ولكنها كالعادة لم تتطرق لتكفير تنظيم داعش وتلك هى الإشكالية الحقيقية التى تواجه المؤتمر.

شيخ الأزهر قال فى كلمته إن «الساحة الآن تعج بتصدر بعض أدعياء العلم حلقاتِ تشويه الإسلام والجرأة على القرآن والحديث والتراث فى حملة موزعة الأدوار، وأن أهل العلم الصحيح وأهلُ الفتوى فى أيامنا هذه تم ابتلاؤهم بنوعٍ من الضغوط والمضايقات لم يعهدوه».

وانتقد الطيب الهجوم المقصود على تراث المسلمين، الذى يستخدم دعاوى زائفة، للتدليس على الشباب، مؤكداً أنه من المعتاد فى الوقت الحالى اقتطاع عبارات الفقهاء من سياقاتها لتبدو شاذَّة منكرة.

وانتقد الطيب الهجوم على الأزهر وإدانة مناهجه بعد وقوع الحوادث الإرهابية، وكلما أحرزت المؤسسة الأزهرية نجاحًا فى تحقيق رسالتها، وربط ذلك الهجوم على الحضارة الإسلامية والأزهر، وبين المطالبات بإباحة الشذوذ ودعوات مساواة المرأة والرجل فى الميراث وزواج المسلمة بغير المسلم، واقترح فى نهاية كلمته إنشاء أقسام علمية متخصصة فى كليات الشـريعة أو كليات العلوم الإسلامية باسم قسم الفتوى وعلومها.

كلمة شيخ الأزهر تحمل دلالات واضحة وقذائف للرد على كل الانتقادات التى طالت المؤسسة الأزهرية لتجديد الخطاب الدينى، لكنه لم يتطرق ولو بكلمة واحدة لتنظيم داعش وفتاويه التى صدرت معتمدة على كتب التراث وعلى المذاهب الأربعة، وإن ختم كلمته باقتراح لو تم تنفيذه سيكون بمثابة نقلة نوعية فى ملف تجديد الخطاب الدينى، وهو إنشاء أقسام للفتاوى فى الكليات الشرعية بجميع الكليات الإسلامية فى شتى بقاع الدنيا.

ولم تختلف كلمة الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية عن الطيب، حيث أشار إلى ضرورة عدم نسيان دور الدار فى تجديد الخطاب الدينى وأنها كانت بمثابة النقطة البيضاء فى ثوب تجديد الخطاب الدينى لجميع فروع المؤسسة الدينية بأكملها.

الدكتور علام، لم ينكر الظَّرْفُ العَصيبُ الذى تَمرُّ بِهِ مِصْرُ والمِنطقةُ بِأَسْرِهَا، والعَالَمُ كلُّه، بسببِ تَنامى ظاهرةِ الإرهابِ والتطرفِ نتيجةَ «إصدارِ الفتاوَى المُضلِّلَةِ المُنحَرِفَةِ المُجَافيةِ للمَنهجِ الوسطيِّ الصحيحِ واتِّبَاعِها؛ مِمّا كانَ له أسوأُ الأثرِ فى انتشارِ العنفِ والفَوْضَى، وتدميرِ الأمنِ والسِّلْمِ، وتهديدِ الاستقرارِ والطمأنينةِ الَّتى تَنْعَمُ بِها المجتمعاتُ والأفرادُ».

وعلام، قال أيضاً أنه «إذا كانَ العالمُ بِأَسْرِهِ يَنتفضُ الآنَ لمحاربةِ الإرهابِ فَإِنَّهُ يَنبغى عَلَى أهلِ العلمِ وحرَّاسِ الدِّينِ والعقيدةِ مِنْ أهلِ الفتوَى والاجتهادِ أنْ يَعلموا أنَّهمْ عَلى ثَغْرٍ عظيمٍ مِنْ ثُغُورِ الإسلامِ، أَلَا وَهُوَ ثَغْرُ تَصحيحِ المفاهيمِ المَغلوطةِ وَصَدِّ الأفكارِ المتطرفةِ ونشرِ قِيَمِ الدِّينِ الصحيحةِ السمحةِ، وَجِهادُنَا فِى مَيْدَانِ المعركةِ لا يَنفكُّ لحظةً عنْ جِهادِنَا فى مَيْدَانِ الفقهِ والفِكْرِ».

وحذر علام من « نشرِ الفَتاوَى المُضَلِّلَةِ والأفكارِ المَغْلوطةِ عَبْرَ وَسائلِ التَّواصُلِ الاجتماعيِّ وغَيْرِهَا مِنْ وسائلِ الإعلامِ المسموعةِ والمرئيةِ؛ والتى كانَ لَهُا أسوأُ الأَثَرِ فِى نشرِ العُنْفِ والفوضَى وَتَهديدِ السِّلْمِ والأمنِ فِى كثير مِن بلادِنا».

هذا هو تشريح المفتى لظاهرة التطرف والفتاوى المتطرفة، لكنه هو الآخر لم يتطرق لداعش، وهو ما تكرر فى كلمات مفتى لبنان الذى أدان ما يحدث لمسلمى الروهينجا فى مينامار، وما يحدث مع الفلسطينيين فى القدس، دون الإشارة من قريب أو بعيد لطبيعة داعش.

الجلسات والمناقشات والدلالات والأطروحات التى تمت مناقشتها على مدار 3 أيام، وإن كانت تحمل فى طياتها كثيرا من الحلول الجوهرية للفتاوى المتطرفة والشاذة، وتضع منهجاً واضحا للكيفية تصدى رجال الدين والعلم والعلماء فى شتى بقاع العالم الإسلامى للفتاوى المتطرفة، ومواجهة عالم السوشيال ميديا وفضاء الإنترنت، ولكنها لم تحسم أمر تكفير تلك الجماعات المتطرفة، ولو بالإشارة إلى أن داعش وأخواتها من خوارج الإسلام.

ويقف منهج الأزهر على مدار عقود طويلة عند نقطة واحدة، وهى عدم تكفير أى جماعة أو فئة نطقت الشهادة وأعلنت أنها من المسلمين، حتى لو حملوا السلاح فى وجه أشقائهم فى الدين، ويعتبرهم متطرفين فقط.

والسؤال ألا يوجد من بين آلاف المفتيين الحاضرين فى المؤتمر والتى تتنوع مناهجهم ومذاهبهم، رجل واحد يستطيع حمل هذا العبء النطق بكلمة واضحة ضد داعش، ويستنبط من الأحكام الفقهية والدلالات والمرجعيات فى كتب التراث المختلفة بعيدا عن منهج الأزهرى الأشعرى الوسطى، ويعلن عن فتاوى تكفر التنظيمات الإرهابية مثل داعش ومن على شاكلتها.

إن علم الفتاوى والفقه الإسلامى يعتمد على استنباط الأحكام من القرآن الكريم والسنة النبوية وعلى علم الفقهاء والعلماء فى شتى بقاع الدنيا، فالأئمة الأربعة لم يتقابلوا ولم يعاصروا بعضهم البعض جميعاً، بداية من الإمام مالك مرورا بالإمام أبوحنيفة النعمان، وصولاً للإمام الشافعى وأخيرا الإمام أحمد بن حنبل، فلكل منهم مذهب وأحكام فقهية وفتاوى لم تتعارض مع بعضها البعض، ولكل واحد منهم رأى فى المسألة الواحدة مخالفاً لرأى الثانى.

ألا يستطيع هؤلاء العلماء ومسئولو الفتوى من شتى بقاع الدنيا أن يضعوا حدا لتلك الجماعات المحسوبة على الإسلام والمسلمين، والتى تشوه صورة الدين والمؤمنين به، وأن يقولوا كلمة شجاعة تحمى الإسلام من جماعات الشر التى تدعى أنها الناطقة باسم الله المنفذة لأحكام كتابه الكريم؟.