طارق الشناوي يكتب: زعيم "حارة السقايين"

الفجر الفني

بوابة الفجر


فى الستينيات جددت أم كلثوم صوتها بموسيقى بليغ حمدى، فى السبعينيات أرادت أن تواصل الغناء بإيقاع العصر، فاتفقت مع منير مراد أكثر الملحنين فى زمنها تدفقا ومشاغبة وشبابية أن يمنحها خمس أغان قصيرة ترددها فى حفل واحد، القدر كان أسرع، ورحلت (الست) مطلع عام 75.

فى واحدة من ألطف وأحلى وأكثر أغانينا تعبيرا عن جدعنة وجرأة بنت البلد، ضع كل ما يعن لك من أفعل التفضيل، ستجدها فى (حارة السقايين) التى غنتها فى الستينيات شريفة فاضل، وأعادتها نانسى عجرم فتذكرها هذا الجيل، راجع تلك الشطرة (ماتروحش تبيع الميه ف حارة السقايين) من هو الذى يبيع الميه؟ إنه ملحن الأغنية زعيم السقايين، منير مراد، الذى أحال الموسيقى إلى حالة شعبية، من الشعب وإلى الشعب تعود.

التقيت الموسيقار الكبير مرة واحدة فى منزله بوسط المدينة وأظنه كان بيتاً ومكتباً، بعدها بأيام قليلة رحل عن عالمنا وتصادف أنه كان يفصله 12 يوماً فقط عن رحيل الرئيس أنور السادات 6 أكتوبر 81، فلم يمنحه الإعلام الاهتمام اللائق.

ما أتذكره جيدا أنه اصطحبنى إلى غرفة صغيرة، وأشار إلى عشرات من أسطوانات (سلك) قبل اختراع الأسطوانة التقليدية، وقال لى هذه تحف غنائية نادرة ورثها عن أبيه المطرب زكى مراد، ولا أدرى كيف مرت كل هذه السنوات ولم يتنبه ورثة منير مراد إلى هذا التراث النادر، هل تم بيعها مثلاً لعربة روبابيكيا التى كانت تجوب شوارع مصر وتأخذ القديم والمهمل مقابل جنيهات قليلة.

فى أرشيفه تسجيل نادر عندما أمسك بالعود وتخيل كيف يتعامل نغمياً كبار الملحنين بقصيدة «لا تكذبى» التى لحنها محمد عبدالوهاب، تناول منير بأسلوب كاريكاتورى طريقة كل ملحن لو أنه دندن نفس الكلمات، وهكذا استمعنا إلى (لا تكذبى) بمذاق فريد الأطرش وكمال الطويل ورياض السنباطى ومحمد الموجى، وأخيرا منير مراد، وعندما اختلف عبدالحليم مع محمد الموجى على الأجر أثناء تلحين (بأمر الحب)، أسند عبدالحليم الكلمات إلى منير مراد ليقدم له لحناً به مذاق الموجى!!

كان صوت عبدالحليم هو الأقرب إليه، لديكم مثلاً: «ضحك ولعب وجد وحب»، هل ننسى كيف استغل «منير» كل الأصوات فى المشهد، عبدالسلام النابلسى وسهير البابلى التى تزوجها فى تلك السنوات والثلاثى المرح، حتى الحصان شارك فى الأغنية، كان يرقص بمهارة على الإيقاع، عشنا مع موسيقاه التى ترشق فى القلب، الضحك واللعب والجد والحب، بل وكل أطياف الحياة.

بدأ مشواره مع شادية وإذا كان محمد فوزى هو الذى أطلقها ومحمود الشريف هو العمق الاستراتيجى لها، فإنه المعادل الموضوعى النغمى لصوتها بكل ما يحمله من مرح، منذ أن قدم لها «واحد اتنين واحد اتنين».. واستمرت حالة التوأمة وومضات صوت شادية تتفتح على الجمل الموسيقية لمنير، إنها لا تغنى بل ترقص وتضحك (يا دنيا زوقوكى بالعز والهنا)، و(سوق على مهلك سوق) و(إن راح منك يا عين) وغيرها، كانت أمنيته أن يلحن نشرة الأخبار فى برنامج أسبوعى وعندما رفض المسؤول فى التليفزيون المصرى قدمها للتليفزيون المكسيكى أيضا على نشرة الأخبار باللغة الإسبانية التى كان يجيدها.

موريس زكى مراد الذى أسلم فى أعقاب إعلان شقيقته ليلى إسلامها وصار منير مراد، ورغم ذلك كثيرا ما كانوا يلاحقونه باعتباره يهوديا وتناسوا أنه مصرى أولا وأخيرا، زعيم حارة الساقيين صانع البهجة والمشاغبة الأول فى الموسيقى المصرية!!