رامي رشدي يكتب: مفاجأة.. بإجماع الفقهاء: ممارسة الجنس مع الحيوانات ليست زنى

مقالات الرأي



■ الحنفية والشافعية والحنابلة رفضوا إقامة الحد على الفاعل وعاقبوا الحيوان.. ومالك أفتى بمعاقبة المغتصب سواء أعزب أو متزوجا


رغم الفتاوى الغريبة التى تنهال موسمياً من المؤسسة الدينية بفروعها "دار الإفتاء، مشيخة الأزهر، ووزارة الأوقاف"، والتى تتسبب فى بلبلة للرأى العام، ودهشة وقلق، على غرار فتاوى إباحة ممارسة الجنس مع الموتى، وغيرها، التى ثبت أنها فتاوى أجمع عليها جمهور الفقهاء والعلماء، ولا يزال طلاب الأزهر يدرسونها فى مناهج المعاهد الأزهرية، لم تخرج مؤسسة الأزهر بخطة واضحة المعالم عن تنقية هذه المناهج، رغم صدور بيانات بوجود مثل هذه الخطوة، ولم يوضح الدكتور عباس شومان، وكيل مشيخة الأزهر، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، بأى جديد عن عملية تنقية تلك المناهج أو كتب التراث، لاستبعاد الغريب والشاذ الذى لم يعد يتماشى مع طبيعة المجتمع وتطوراته.

وخير دليل على أن الأزمة الكبيرة موجودة داخل مشيخة الأزهر، والعقول التى تربت على المنهج الذى أنتج هذه الفتاوى، وليست فى الكتب أو المناهج، قول الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، عن زواج القاصرات إنه لا يوجد نص صريح يحرم أو يبيح هذا النوع من الزواج، لأنه دليل واضح على عمق أزمة الفقه فى المؤسسات الدينية، التى تختصر العلم على جهود وأفكار علماء القرنين الثانى والثالت الهجرى والتى لم تعد تصلح للوقت الحالى، وهو دليل على عدم وجود العلماء القادرين على استنباط الأحكام والفتاوى من القرآن والسنة والتى تتماشى مع العصر الحالى، هل تلك معضلة حقيقية، أم أنه لم يعد بين جدران الأزهر من يستطيع الخروج على النص وتصحيح مسار الأزهر والدفاع عن لواء الدين الإسلامى الذى ناله كثير من الاتهامات، خصوصاً مع احتواء كتب التراث على فتاوى عجيبة ينكرها العقل والفطرة السليمة مثل فتاوى ممارسة الجنس مع الحيوانات.

الفتاوى الغريبة الموجودة بكتب التراث وأخرجها علماء الأزهر من بطون الكتب القديمة، تبيح ممارسة الجنس مع الحيوانات، إذ إن تلك الفتاوى تتحدث عن وسائل معاقبة الحيوان، ولم يتطرق أى منها لمعاقبة الجانى أو الإنسان الذى مارس الجنس مع حيوان لا يعقل ولا يستطيع رد هذا النوع من العدوان الغريب.

البداية من مذهب الإمام أبوحنيفة النعمان، الذى أكد أنه لا حد فى قيام الإنسان بممارسة الجنس مع الحيوانات، حيث لم يرد نص صريح فى القرآن الكريم، ولا فى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يقل به أحد من الصحابة أو التابعين، ولم يثبت أن الرسول محمد أقام حد الزنى، على من ارتكب هذا الفعل، وإن رأى أصحاب المذهب الحنفى ضرورة معاقبة هذا الإنسان وفقاً لما يراه القانون الوضعى، بالحبس أو غيره.

وتلك هى العقوبة من وجهة نظر الحنفية فيما يخص الإنسان، أما فيما يخص الحيوان الضحية، فتبارى فقهاء المذهب الحنفى وأبو حنيفة وتلاميذه على اختراع عقوبات على المجنى عليه، رغم أن الحيوان لا يملك لنفسه حولاً ولا قوة، فقرروا أنه يجب حرق هذا الحيوان حتى الموت، وفى حالة وجود جنين فى أحشاء الحيوان، يتم الانتظار حتى موعد الولادة ويتم حرقه دون الجنين، ولا يضم الجنين للحيوانات التى يتم إخراجها فى زكاة الأموال ولا يجوز التبرع، أو التصدق به ولا تقديمه أضحية فى الأعياد.

الغريب افتراض أصحاب المذهب الحنفى، إمكانية أن يلد الحيوان الذى تم اغتصابه، إنساناً، لذا قالوا إنه لو كان أنجبت البهيمة إنساناً فى حال كانت المممارسة مع "نعجة" وكبر ذلك الإنسان وصار إمام جماعة‏ وصلى بالناس فى يوم عيد الأضحى، فيجوز التضحية بهذا الإمام الذى صلى بهم باعتبار أن أمه نعجة.

ويقول أئمة وعلماء المذهب الحنفى، إنه إن كانت البهيمة مملوكة لمغتصبها، يجب قتلها، وذلك حتى لا يسخر منه الناس كلما رأوها ذاهبة وراجعة، ويقولون هذه التى فعل بها فلان كذا، فيقعون فى إثم الغيبة، وتسقط مكانة الفاعل عندهم، وربما يكون قد تاب من ذنبه، ولأن الرجل إذا رآها، قد يميل إلى تكرار الفعل، فكان من الأحوط قتلها.

ويستند الأحناف إلى ما روى عن عمر بن الخطاب، رضى الله تعالى عنه، أنه أتى برجل وقع على بهيمة، "اغتصبها" فعزره بالضرب وأمر بذبح البهيمة وإحراقها، واعتبروا فقاء المذهب أن ابن الخطاب قتل الحيوان حتى لا ينجب ولداً مشوهاً، ولذلك استنبطوا أن الحرق جاء لأنه لا يجب تناول لحم البهيمة المغتصبة بعد ذبحها، لأن لحمها نجس، استناداً لرواية أن بهيمة اغتصبها راع ولدت حيوانا مشوه الخلقة، أما إذا كانت البهيمة ملكاً لغير المغتصب فلا يجب ذبحها.

أما مذهب الإمامين الشافعى وابن حنبل، فيرى تلاميذهما، أنه يجب تعزير "معاقبة" من مارس الجنس مع البهيمة، وليس إقامة حد الزنى، أما عن كون الفاعل لا يعرف تحريم هذا الفعل، فرأوا أنه أمر غير مقبول فى حق من نشأ فى بلاد المسلمين، لأن هذا الأمر لا يخفى تحريمه على مسلم ولكنه أمر مستنكر بالفطرة.

أما فيما يخص الحيوان الضحية يرى "الشافعية"، رأيين، الأول، أنه يتم ذبح البهيمة المغتصبة إذا كانت مما يؤكل لحمها، لأن قتلها يعتبر إتلافا للمال، من غير فائدة، وهو أمر منهى عنه، أما الرأى الثانى فهو إعدام الحيوان سواء كان مما يؤكل لحمه أو لا، وذلك قطعاً للشائعات، وستراً للفضيحة، لأن الله تعالى أمر بالستر على المسلم.

أما "الحنابلة" فقالوا إنه يجب ذبح البهيمة سواء أكانت مملوكة للمغتصب أو لا، وسواء كانت مما يؤكل لحمها أم لا، ويجب على الفاعل ضمان قيمتها إذا كانت مملوكة لغيره، لأنه تسبب فى إتلافها، ومن أتلف شيئاً عليه ثمنه، عقوبة له، وذلك خشية فضح صاحب الحيوان والفاعل، لأنه كلما رآها الناس تذكروا هذه الفعلة الشنيعة.

الوحيد الذى اختلف مع المذاهب السابقة، هو الإمام مالك والذى قال نصاً إنه يجب تطبيق حد الزانى، على مغتصب الحيوان، استناداً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة، وقال الإمام مالك رضى الله تعالى عنه، إن الإسلام فشا فلا أحد يجهل شيئاً من حدوده".

وقال "المالكية" عن الحيوان الضحية، إنه لا يجب قتلها سواء أكانت مما يؤكل لحمها أم لا، وذلك لأنه لم يرد فى الشرع شىء صريح فى الأمر بذبحها، وما ورد فى رواية ابن عباس فى الأمر بقتلها رواية ضعيفة ولا يعمل بها، وقال الإمام الجزيرى: "ولعل هذه الأحكام تختلف باختلاف أحوال الناس فى الدين والورع كمالاً ونقصاً شباباً وكهولا، فيخفف عن الآراذل والشبان ويشدد العقاب على أشراف الناس وكبارهم بالحد أو القتل على قاعدة (كل من عظمت مرتبته عظمت صغيرته وزاد عقابه جزاء فعله) لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين".

تلك هى فتاوى المذاهب الفقهية الأربعة الخاصة بممارسة الجنس مع البهائم، من كتب التراث ومناهج الأزهر الشريف التى يتربى عليها ملايين من الطلاب فى الأزهر على مدار مئات السنين، ويحمل هؤلاء تلك الأفكار والفتاوى التى يجب تصحيحها بشكل كبير، فخطوات تجديد الخطاب الدينى تحتاج لثورة حقيقية ليست على المناهج الأزهرية وكتب التراث فحسب ولكنها تحتاج لثورة على الأفكار والعقول التى يحملها ملايين من خريجى الأزهر، فالحمل ثقيل على شيخ الأزهر ويجب أن نقف جميعا صفاً واحدالتفجير هذه الثورة.