نسمه إمام تكتب: الوساطة الأبوية ثقافة غير مُفعّلة

مقالات الرأي

نسمة إمام
نسمة إمام


ألقينا الضوء سلفًا على ما خلّفته مادة "كرتون الواقع"، من مساوئ هذا النوع الحديث من الكرتون الذي أنتجته إحدى شركات الإنتاج الأجنبية وبثته عبر شبكة "اليوتيوب"، وهو عبارة عن تطوير لفكرة الكرتون المعتادة، ولكنه يعتمد على أداء أشخاص عاديون يرتدون ملابس أبطال شخصيات ديزني المحببة للطفل، ويقومون بتمثيل دورهم بدلًا من الرسوم المتحركة، ويتم بث كافة الأفكار من خلال هذا الكرتون للطفل على مدار الحلقات المذاعة، مثل فكرة الشذوذ الجنسي، وزنا المحارم، وانعدام النظافة الشخصية وغيرها من الأفكار الشاذة الهادمة لأخلاق المجتمع بوجه عام، وتتنافى مع الآداب العامة والفطرة البريئة للطفل على وجه الخصوص.

 

قد يرى البعض أنه يمكن السيطرة على هذا النوع من المحتوى، بإغلاق شبكة اليوتيوب وتعويض الطفل بقنوات الأطفال المتخصصة بدلًا منه، قد تكون الفكرة جيدة ولكن إذا ما آثر الأبوان الاهتمام بعملية التوسط الأبوي أثناء المشاهدة، والتي تعني مشاركة كلا الأبوين أو أحدهما للطفل فيما يشاهد، ومناقشته فيما شاهداه سويًا، ولكن ماذا إذا لم يتفرغ أحد للمشاهدة مع الطفل؟.

 

وتُعرّف الوساطة الأبوية بأنها الاستراتيجيات التي يقدمها الآباء لتحقيق أقصى قدر من المنافع وتقليل المخاطر (التأثيرات السلبية المحتملة) من تأثير وسائط الإعلام، وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في الثمانينيات من القرن المنصرم.

 

وللتوسط الأبوي أنواع، منها الوساطة النشطة Active or Instructive Mediation، وتشير إلى النقاش بين الآباء والأمهات مع أطفالهم حول المحتوى التليفزيوني الي تعرضوا له، مع تعمدهم لتوجيه بعض الأسئلة للأبناء من أجل زيادة وعيهم أثناء أو بعد المشاهدة، والوساطة المقيدة Restrictive Mediation or Rulemaking، وتشير إلى القواعد التي يضعها الآباء والأمهات لأطفالهم حول مشاهدة التليفزيون في سن الطفولة أو المراهقة، والوساطة بالمشاركة Co-Viewing Mediation، وتشير إلى مشاركة الوالدين لطفلهما في مشاهدة المحتوى التليفزيوني الذي يتعرض له.

 

قد تُصدم بالإجابة، ولكن قنوات الأطفال المتخصصة ليست بمنأى عن بث ماهو ضار لأطفالنا، فإذا تعرّض الطفل لبرنامج ما يتعلم من خلاله كيفية النطق الصحيح للكلمات، والحروف والأرقام، فإن الطفل المصري على وجه التحديد قد يعاني من مشاكل بعملية التخاطب، نظرًا لتعرّضه للهجات عربية مختلفة عما هو مألوف له، فلا يستطع حينذاك الفهم أو الحديث بالكيفية نفسها، فيحدث لديه اضطراب في كيفية النطق الصحيح للكلمة، ومن المؤكد أن الطفل سوف يتعرّض لمادة الكرتون التقليدية عبر تلك القنوات، وأكدت العديد من الدراسات والبحوث العلمية، أن 98% من محتوى مادة الكرتون مصنف بأنه سلبي، يبث أغلبه العنف والكراهية، والبقية الباقية تستهدف هدم السلوكيات الإيجابية وإبراز السلوكيات السلبية المعادية للمجتمع، هذا بغض النظر بالطبع عن ضعف تواصل الطفل مع من حوله، نتيجة المشاهدة فقط دون الحديث المتبادل، مما يضعف من قدرته على الحدث، ويجعله انطوائيًا لايرغب بالخوض في العلاقات الاجتماعية المتعارف عليها.

 

وبالنظر إلى مجتمعنا العربي كوحدة واحدة، سوف نجد ضعفًا واضحًا وشُحًا في الإنتاج المحلي لبرامج الأطفال، وبالكاد نرى إنتاجًا ضعيفًا موجهًا للطفل، على الرغم من نجاح تلك التجارب سواءً في مادة الكرتون أو البرامج العامة التي يقدمها مذيعون.

 

ولكي نحقق الاستفادة القصوى من تلك القنوات الموجهة للطفل العربي، سواءً أكان الطفل مصريًا أم عربيًا بوجه عام، لابد لنا من وقفة مع أنفسنا والعمل على إجراء دراسات ميدانية تستهدف التعرف على سيكولوجية الطفل، فطفل اليوم ليس كطفل الأمس، إضافة إلى إجراء دراسات تسويقية موسعة لكافة الأفكار المطروحة وفقًا لنتائج الدراسات الميدانية التي أجريت.

 

وأخيرًا، لن نستطع التقدم حقًا إذا لم نعطِ للطفل حقه في مشاهدة ماهو نافع، وحجب ماهو ضار، بإنتاج ما يتلاءم مع غاياتنا الكبرى والمتمثلة في بناء قادة الغد. 


المصادر:

Sabrina L. Connell, Alexis R. Lauricella and Ellen Wartella, (2015), Parental Co-Use of Media Technology with their Young Children in the USA, Journal of Children and Media, Vol.9, No.1, pp5-21


Kelly Mendoza, (2009), Surveying Parental Mediation: Connections, Challenges and Questions for Media Literacy, Journal of Media Literacy Education, Vol.1, No.3, pp 32-33.


Sean Meehan ,(2016), A Model of Parental Mediation of their Children’s Use of Internet Connected Devices, Journal of Psychology and Clinical Psychiatry, Vol.5, No.5,p.4.


Chen V.H. & Chng G.S.,(2016), Active and Restrictive Parental Mediation Over Time: Effects on Youths’ Self-Regulatory Competencies and Impulsivity, Computers & Education, pp3-4.