طارق الشناوي يكتب: البكر وآخر العنقود

الفجر الفني

بوابة الفجر


قارن بين حفلتى الافتتاح والختام فى مهرجان (الجونة)، لاشك أن الختام كان أكثر تنظيما وجاذبية وتلافى الكثير من المشاكل وأولها بُطء الإيقاع، وهذا يعنى أن هناك من يريد القفز فوق العوائق.

عندما نلمح النجاح فى عمل ثقافى مثل (الجونة) من المؤكد نشعر بفخر أن مهرجانا وليدا استطاع أن يجد له مساحة، بجهود زملاء أخلصوا للفكرة فأحالوها إلى حقيقة على أرض الواقع، الحكاية كانت مجرد لمحة لدى الفنانة بشرى فكانت هناك إرادة للتنفيذ، ولم يكن الأمر متعلقا بميزانية مفتوحة، فهذا التعبير لا مكان له مع رجال الأعمال، ولكن فقط هناك منطق وهدف يغلف التجربة ولها من المؤكد مردود اقتصادى قادم ليس بالضرورة الآن.

علينا البعد عن التهوين أو التهويل، وهما آفة فى حياتنا الثقافية، فلا نردد أن المهرجان ولد عملاقا، من يولد عملاقا مثل من يولد قزما. فى الحالتين الأمر حالة مرضية.

فقط نقول إن المهرجان ولد ولادة طبيعية فهو ينمو ويواصل التواجد على الخريطة، وأنه استطاع لفت الانتباه إليه، هناك بنية تحتية قادرة على الاستمرار، المكان والأجواء المصاحبة تلعب لصالح المهرجان، رغم أننا فى ظرف سياحى غير موات على الإطلاق، إلا أن الشقيقين نجيب وسميح (ساويرس) نجحا فى التحدى، بل من الممكن أن أجد أن هناك لمحات إيجابية من الممكن أن تنتقل أيضا لمهرجان القاهرة، الذى كان ويجب أن يظل هو العنوان الأول، وأتصور أن نجيب ساويرس لديه نفس التوجه فى ضرورة أن يُصبح الجونة مهرجانا موازيا وليس بديلا للقاهرة، بل أكثر من ذلك فلقد أخبرتنى د. ماجدة واصف، رئيسة مهرجان القاهرة، أنها التقت بنجيب وأبدى استعداده لمواصلة توجيه دعم مادى لمهرجان القاهرة، وكانت له فى الحقيقة مساهمات فى هذا الاتجاه أكثر من مرة فى دورات سابقة، إلا أنها فى بعض الأحيان كانت تتعثر بسبب تباين فى وجهات النظر مع قيادات المهرجان.

أتمنى من الجميع أن تظل لـ«القاهرة» مكانته فى قلوبهم، فهو بمثابة الفرحة الأولى التى تحمل دائما البهجة.

نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى.. ما الحـب إلا للحبيب الأول

كم منزل فى الأرض يعشقه الفتى.. وحنينه أبدا لأول منزل

هكذا قال شاعرنا أبو تمام. تستطيع أن تجد لتلك الكلمات صدى لما يجرى الآن بين القاهرة والجونة، بين الابن البكر وآخر العنقود.

الحبيب الأول هو مهرجان القاهرة، معاناة مهرجان القاهرة لا تعنى أبدا أن نعتبر أنه صار دقة قديمة، ترهل وأصبح عبئا ينوء به كاهل الدولة، وعليها المسارعة بالتخلص منه، فهو يستحق الدعم، بالإضافة إلى أن عليه خوض المعركة للتحرر من القيود الحكومية، فهو من الناحية الرسمية تُقيمه الدولة، والمفروض أن يعود إلى طبيعته الأولى، أقصد أن يصبح فقط تحت رعايتها والفارق شاسع، وأرى أن ذلك أيضا لصالح الدولة التى تُقدم صورة إيجابية للعالم بأنها تفتح الباب للمجتمع المدنى.

مهرجان القاهرة يصل عمره إلى 41 عاما. سيشكل نجاح (الجونة) نقطة دفع قوية له، لا أجد صراعا بين مهرجان عتيق وراسخ ومهرجان وليد ويحمل طموحا، بل لدىّ اعتقاد أن الدورة القادمة لمهرجان القاهرة سيزيدها (الجونة) إصرارا على النجاح.. إنها العدوى الحميدة!!.