عبدالحفيظ سعد يكتب: انتفاضة الأزهر "الثالثة" ضد صوت أم كلثوم بزى الأئمة!

مقالات الرأي



■ هل يجهل شيوخ الأزهر والأوقاف الحاليون أن جدودهم أول من لحَّن وغنى ووضع أساس الموسيقى؟


انتفض "الأزهر" ووزارة الأوقاف معا، ضد صوت فنانة مصر الحاضرة، وصوت الشرق الدائم "أم كلثوم"، فى مشهد لم نره منذ فترة طويلة تقارب بين المؤسستين الإسلاميتين، "الوسطيتين"، بهذا الشكل بعد أن اعتدنا أن نسمع ونقرأ عن الخلافات بينهما، ومحاولة كل منهما السيطرة على ملف "تجديد الخطاب الدينى".

ولم تجمع خطورة الإرهاب وفتاوى التطرف كثيرا بينهما، حتى أتيحت الفرصة للجمع بين الأزهر والأوقاف فى معركة واحدة، "صوت أم كلثوم"، وذلك عقب ظهور الشيخ والمنشد الدينى إيهاب يونس، والذى يعمل إماما بأحد مساجد الأوقاف، فى أحد البرامج التليفزيونية، وهو يعنى أغنية أم كلثوم "لسه فاكر"، وهو ما روج له مواقع التواصل الاجتماعى وغالبيتها تابعة للإخوان أو من فى فلكهم.!

ويتلقف شيوخ الأزهر والأوقاف الواقعة، ليشهروا سيوفهم فى وجه الإمام المنشد و"أغنية أم كلثوم" وقررت الأوقاف إحالته للتحقيق ووقفه عن العمل، وذلك بحجة أنه غنى لأم كلثوم، مرتديا "الزى الأزهرى"، الأمر لم يتوقف عند وزارة الأوقاف بل خرج الأزهر ممثلا فى مرصد الفتاوى وأصدر بيانا شديد اللهجة ويحمل إدانة لما قام به الشيخ من الغناء بالزى الأزهرى، معتبرا أن ذلك يقلل من هيبة الأزهر وعلمائه!

وصور بيان مرصد الأزهر بلهجته، أن ما قام به الإمام المنشد لا يقل عما يصدر من فتاوى التكفير والإرهاب، وكأن ما قام به الشيخ إيهاب يونس لا يقل خطورة عن فتاوى التكفير التى يصدعنا بها شيوخ التطرف، وهم يتغنون بصوت تفجيراتها، بصوت سيد قطب أو ابن تيمية!

فصحيح أن مرصد الفتاوى، يعمل مباشرة تحت رعاية شيخ الأزهر أحمد الطيب، والذى دعمه فى يونيو 2015 "ليكون أحد أهم الدعائم الحديثة لمؤسسة الأزهر العريقة" وقد وصفه فضيلته بأنه "عين الأزهر الناظرة على العالم"، لا سيما أنه يعمل بعدة لغات أجنبية يقوم من خلالها بقراءة وتتبع ما يتم نشره بهذه اللغات عن الإسلام والمسلمين مع التركيز على ما ينشره المتطرفون من أفكار ومفاهيم مغلوطة.

مرصد الفتوى، والذى يظهر من تعريفه أنه مهتم ومنشأ خصيصا لمتابعة ومحاربة التطرف ومواجهة فتاوى الإرهاب، ربما غاب عنه فتاوى الإرهاب والتطرف والتخلف المنتشر، ليس فقط ما تقوم به داعش وأخواتها، بل ما ينطق به أساتذة وشيوخ المؤسسة التى ينتمى إليها فى فتاواهم المثيرة للجدل، بجواز "نكاح الميتة" أو "مضاجعة الحيوانات"، تركوا ذلك، وتوجه مقصدهم فى "تجديد الخطاب الدينى" والدفاع عن صورة الإسلام وهيبة الأزهر فى محاربة صوت أغنية "أم كلثوم" عندما يؤديها أزهرى بزيه، وكأنه يحمل حزاما ناسفا، يقتل به الأبرياء.!

وغاب عن الشيوخ وأساتذة الفكر الأزهرى "المتنورين"، أن ما قام به الشيخ إيهاب يونس من أداء أغنية "كوكب الشرق" لا يختلف كثيرا عما دعمه شيوخه وعلماءه قبل ما يزيد على قرن من الزمان، وقتها كان الأزهريون، هم من يحملون رايات التنوير والتطوير فى الفكر والثقافة والفن، وتحديدا الموسيقى، وكانت قراءة القرآن هى التى أخرجت لمصر والعالم العربى كل فنون الموسيقى فلا نستعجب عندما نعلم أن الآباء المؤسسين للموسيقى فى الأصل كانوا أزهريين، بداية من الشيخ شهاب الدين إسماعيل والشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب.

وربما لا يعلم شيوخ الأوقاف والأزهر الحاليون، أن جدودهم من شيوخ الأزهر كان لهم الفضل الأول لوضع قوام للموسيقى العربية المصرية منذ نهاية عصر المماليك، رغم أنهم "شيوخ أزهريون".

ونجد أن الشيخ شهاب إسماعيل وضع قبل بداية القرن التاسع عشر لنا كتابا اسمه "سفينة شهاب" جمع فيه التواشيح الأندلسية التى مهدت للطرب المصرى، وبعده وضع زميله الشيخ المسلوب كتاب "أسس الدور الغنائى"، ليمهدا الطريق فيما بعد لشيوخ آخرين مثل عبده الحامولى ومحمد عثمان وأبو العلا محمد ليخرجوا الغناء المصرى من الأسلوب الغجرى والعثمانى والفارسى ليأخذ شكله الخاص وأعطى تميزا للموسيقى العربية.

ولا نستعجب عندما نعلم أن أول كلمات غنى بها عبده الحامولى ولقى شهرة بعدها وضعها الشيخ عبد الرحمن قراعة مفتى الديار المصرية فى نهاية القرن الـ19، كما غنى الشيخ أبوالعلا محمد كلمات الشيخ عبد الله البشرى شيخ الأزهر الأسبق. ومهدت تلك الفتوحات الموسيقية الأولى لشيوخ الأزهر، الطريق لفتى الإسكندرية "الشيخ" سيد درويش الذى غير شكل الغناء والطرب بعد أن تم تهذيب النغمات متأثرا بالوقار القرآنى، وهو الطريق الذى صار عليه بعد غالبية شيوخ الغناء، مثل الشيوخ سلامة حجازى وزكريا أحمد وصالح عبد الحى وأبوالعلا محمد ومحمد القصبجى ويونس القاضى وحامد مرسى وصولا لسيد مكاوى والشيخ إمام عيسى، آخر اثنين فى عنقود شيوخ الملحنين الكبار، واللذين لم تمنعهما عمامتهما أو زيهما الأزهرى أن يغنا، ويطربا..

وتلازم هؤلاء شيوخ الغناء فى "الزى الأزهرى" والطرب مع عشرات من شيوخ القراء مثل الشيخ منصور بدار والشيخ الصيفى وأحمد ندا ومحمد رفعت وكامل البهتيمى والشيخ على محمود وطه الفشنى ومصطفى إسماعيل وأبوالعينين شعيشع وعبدالباسط عبدالصمد وغيرهم..

ليخرج علينا بعد قرن من الزمن من يحاربون ويحرمون الغناء بالزى الأزهرى، رغم أنهم يتغنون، بـ"تجديد الخطاب الدينى" لنجد أن تجديدهم لا يختلف كثيرا عن الأفكار والفتاوى التى يصدرها شيوخ التطرف بتكفير صوت "أم كلثوم".