د. رشا سمير تكتب: سقطة فنان وسقوط أجيال!

مقالات الرأي



قامت الدنيا ولم تقعد ضد أحمد الفيشاوى على تعبير بدر منه وكلمات جانبه فيها الصواب حين وقف يمثل مصر ويمثل الفن المصرى أمام جمع غفير من الفنانين العرب والأجانب، فإذا به يتفوه بلفظ خارج جعل المشانق تُنصب له فى دقيقة.

سألت نفسى كثيرا وأنا أتابع مواقع التواصل الاجتماعى ما بين مؤيد ومعارض..هل هى سقطة شاب أم هى نكبة جيل؟!

جيل من الشباب يدافعون عن نجمهم الشاب اللذوذ الكوول وجيل من الكبار يرونه مستهترا ولا يرتقى لمستوى الحدث وناقص رباية بحسب آرائهم..

وتساءلت: هل ألوم الفيشاوى الشاب أم ألوم الفيشاوى الفنان؟

فالشباب لا يعتبرون اللفظ الذى قاله لفظا خارجا بقدر ماهو دارجا.. لأن فى الحقيقة تلك اللغة أصبحت لغة الشباب فى هذه الأيام.. ولكن.. لكل مقام مقال!.

إنه الفرق الحقيقى المؤسف بين جيلين، جيل نشأ على العيب والحرام والمسموح والممنوع..وجيل توهم أن حريته هى أن يفعل ما يريد دون قيد ولا اعتبارات ولا أى ضوابط..جيل وجد فى الألفاظ العجيبة المختلفة، النابية فى بعض الأحيان حالة تشعره بمواكبة المدنية الحديثة، حالة تضعه فى مرتبة شباب العالم الأوروبى والأمريكى، متناسيا أن هؤلاء الشباب متفوقين ذهنيا وثقافيا..

إن التطور الطبيعى للحياة فرض علينا مفرضات مختلفة وموضات غريبة وشكلا آخر للحياة.. وهذا هو حال الدنيا..

فى مرحلة ما كانت أغنية (عدوية) مثار جدل واستياء لجمهور عبدالحليم حافظ..وتسريحة شعر لاعب الكرة شطة كانت سقطة لجيل عادل هيكل.. ورقص جون ترافولتا المائع كان نكبة لجيل فرانك سيناترا.. وقلم إحسان عبدالقدوس كان تحديا حقيقيا لأدب العقاد..

إذن كل جديد يختلف وعادة ما يصبح هذا الاختلاف صعب الهضم.. المشكلة أن ما وصل إليه هذا الجيل من الشباب تخطى حدودا كثيرة فلم يعد هناك قيم ولم يعد لا للبيت ولا للمدرسة يد حقيقية فى التوجيه أو التعليم..

ولأن الشىء بالشىء يذكر فقد هالنى انقسام الآراء حول قيام بعض الشباب برفع علم المثليين فى إحدى الحفلات وسط تهليل وتشجيع فئة تبدو دخيلة على المجتمع المصرى الذى هو فى الأصل مجتمع احتضن كل الأديان وقدسها، مجتمع الفضيلة حتى وإن غابت فى بعض القلوب..

عن أى حرية يدافعون؟ عن حرية تحدى قوانين الله سبحانه وتعالى؟ أم عن حرية هلكت بسببها مجتمعات قبلنا؟..

تُرى على من يقع عبء مسئولية التوضيح لهؤلاء الشباب الضائع كون ما يدافعون عنه هو فى الحقيقة حرية السقوط والتدني؟..ففكرة تقبل الآخر واحتواء (المُختلفين) ليس إلا هُراء يصنعه المختلون نفسيا ويبيعونه للتافهين أصحاب العقول الفارغة..

آن الأوان للمجتمع أن يفيق..آن الأوان للدولة أن تهتم بأهم صناعة وهى صناعة البشر..تلك الصناعة التى بسببها نهضت دول وانهارت دول..فالبنية التحتية والطُرق وتطوير العشوائيات وتطويق الإعلام جزء من الحل ولكن بالتأكيد ليس هو كل الحل!.

أحترم الفيشاوى لأنه يمتلك شجاعة الاعتذار ولكننى لا أحترم آراءه التى يصُدرها للشباب الذين صنعوا منه بطلا قوميا.. فأخلاق الإنسان هى العنوان الرئيسى لنجاحه وبقائه على القمة..

لست بصدد الوعظ ولا إلقاء محاضرة عن القيم ولكن أشعر بالأسى وأنا أرى كم الشباب الذى وقع فى فخ المخدرات وكم الفتيات اللائى لم يعدن يخجلن من قول أو فعل أى شىء ممنوع أو خاطئ.

الشباب هم القوة الحقيقية لأى وطن.. وشبابنا فى حالة تغييب غير مُبررة.

كيف نلوم الشباب وهم يقتدون بنخبة زائفة؟ كيف نلوم الشباب وهم مفتقدون اهتمام الأب والأم فى خضم حياة أصبحت فيها المادة هى البطل الوحيد؟ كيف نلوم الشباب فى ظل تعليم واهن وإعلام بائس وثقافة متردية؟

العودة للوراء لن تكون حلا فزمن فاتن وعباس العقاد ومصطفى أمين وأم كلثوم زمن ولى؟ ولكن الفرصة فى خلق زمن أكثر رقيا وصلابة مازالت مُتاحة، الأخلاق لم ولن تكن أبدا بدعة أو موضة قديمة.. فالتحضر الثقافى والاجتماعى هو سمة كل الشعوب التى استطاعت أن تصنع من شبابها قوة للنهوض.. والارتقاء بأخلاق المصريين ما زالت مسئولية الدولة ومؤسساتها الفكرية والثقافية..

فمتى تغتنم الدولة تلك الفرصة؟!..