عندما قالت أم كلثوم لبليغ حمدى: "واد يا بليغ اللى معاه ربنا يمشى على الميه"

منوعات

بليغ حمدي
بليغ حمدي


ذكرى رحيل عملاق النغم


من غرائب الأقدار أن هذا الشهر، وكما عودتكم كل عام، أتحدث عن ذكرى عبقرى التلحين بليغ حمدى، الذى رحل عن عالمنا فى هذا الشهر، كما تحل ذكرى فنان الشعب سيد درويش، سيد درويش مجدد الموسيقى المصرية الذى لم تمت ألحانه للآن، وصاحب النشيد الوطنى «بلادى بلادى»، الذى لحنه لاستقبال سعد باشا زغلول من المنفى، فيشاء القدر أن يموت فجر وصول سعد زغلول، لتردد مصر كلها من ذلك التاريخ «بلادى بلادى لكى حبى وفؤادى».. كلمات الشاعر محمد يونس القاضى التى استقاها من خطبة الزعيم مصطفى كامل من خطبته الشهيرة فى 1907 بلادى بلادى لك حبى وفؤادى لك حياتى ووجودى ولكى دمى ولكى عقلى ولسانى لكى لبى وجنانى.

يشاء القدر أن تكون ذكرى المجددين فى ذات الشهر، كأنما يؤكد القدر أن سيد درويش ثم بعد خمسين عاما بليغ حمدى رغم أنف من يرددون أسماء أخرى، هما مجد التلحين فى مصر، سيد درويش «شد الحزام على وسطك غيره ما يفيدك»، «بلادى بلادى»، وبليغ حمدى «يا حبيبتى يا مصر» التى شدت بها شادية، وتعد الآن الأغنية الوطنية غير الرسمية للمصريين فى كل مناسبة وطنية ومع كل حدث، تلك الأغنية التى تعجب محمد عبد الوهاب من تلحينها قائلا: إن بليغ عمل السهل الممتنع، بليغ الذى كان كفيل أى لحن له أن ينجح مطربا ويضعه فى الصفوف الأولى، بليغ الذى للآن أى مطرب يريد أن يكون له شعبية يردد ألحانه، سواء سيدة أو رجل.

نوال الزغبى التى غنت ألحان بليغ لوردة، وإليسا التى تغنت أيضا بها وبأغانى عبد الحليم من ألحان بليغ، ونانسى وصابر الرباعى وشيرين عبد الوهاب، حتى المطربون الشعبيون وآخرهم محمود الليثى، الذى يردد فى الحفلات ألحان بليغ لمحمد رشدى، بليغ حمدى كلمة السر فى نجاح أغنيات أى مطرب أو مطربة، كأن القدر شاء أن ينصفه بعد ظلمه ورحيله، من الناس ومن زملائه فى التلحين الذين حقدوا على موهبته التى كانت مثل فيضان النيل ونقية ونابعة من وجدان أهله، لذا دخلت القلوب واستقرت وعاشت للآن وستعيش أجيالاً وأجيالا.

حفل ذكرى بليغ حمدى بالأوبرا يتصدره الصفوف الأولى من رجالات الدولة والوزراء آخرها حفل الأسبوع الماضى بدار الأوبرا، وتصدره وزير الشباب وآخرون، الملحن الوحيد الذى عشق موهبة بليغ وساندها ووضعها فى الطريق بل أعطاه الفرصة وفضله على نفسه، هو محمد فوزى، الذى كانت قد أرسلت له سيدة الغناء أم كلثوم كلمات (حب إيه) لتكون أول تعاون بينها وبين فوزى، دخل فوزى يأخذ حمام فعاد ليجد بليغ يدندن بالمقدمة لتلك الكلمات.. فلم يغر، ولم يطرده من منزله، لأن حلم حياة فوزى أن يلحن للست مثل الموجى وعبد الوهاب، وكان يتمنى فريد الأطرش، وكرر ذلك فى لقاءات بل والحوارات الصحفية، ووصل الأمر به أن يقول إن عبد الوهاب هو من يقف بينى وبين أم كلثوم حتى لا تغنى بحنجرتها ألحانى، فوزى لم يغر، أخذ بليغ حمدى من يده لأم كلثوم وقال لها هذا الشاب سيلحن لك تلك الكلمات أفضل منى، لتكون الانطلاقة الكبرى والتحول فى حياة بليغ الموسيقية.

يا بليغ.. «اللى معاه ربنا يمشى على الميه وهو مطمن»، وأسرد لكم هنا جزءا من حوار أم كلثوم مع بليغ حمدى بالإذاعة، اقرأوا وتنهدوا، أثناء الشغل على أغنية «بعيد عنك حياتى عذاب» وأنا بسمعها والكلام لبليغ حمدى «وفين انت يا نور عينى يا روح قلبى فين، فين أشكيلك فين عندى كلام وكلام وكلام وحاجات فين دمعك يا عين بيريحنى بكايا ساعات»، هنا امتلأت عيناها بالدموع وبكت بدون صوت، انهمر منها الدمع بدون كلام، ووضعت يدها على كتفى وقالت ربنا يحفظك يا ابنى.

ورغم ذلك شدت أذنى وقالت لى «عايزة أغنى الأغنية دى فى عيد الثورة أمام عبد الناصر»، ولم نكن قد انتهينا من البروفات ولا كتابة النوتات بشكل كامل، فقالت لسعدية خادمتها، «خدى الأفندى ده من أيديه يروح يجيب النوتات وماتسبيش إيدك من إيده أحسن تلاقيه الصبح فى لبنان»، وغنتها فعلا أمام عبد الناصر، ولكن لم تكن بالشكل اللائق واحتجنا بروفات كثيرة حتى ظهرت بالشكل النهائى، وأحيانا كان يحدث هجوم علىَّ فكنت أذهب وأجلس عندها أبكى فكانت تضحك وتقول لى «واد يا بليغ اللى معاه ربنا يمشى على الميه وهو مطمن، اتطمن يا ابنى».

وأيام ما كنت بشتغل فى «ألف ليلة وليلة» رحت أنفرد بنفسى فى الإسكندرية؛ لأن النغمة كانت «معصلجة» معايا، مر يومان لأجدها قد جاءت وقالت لى أنت هربان ليه؟.. فقلت: لا هربان ولا حاجة، أنا بشتغل يا ست، فردت: لأن أنا لو سبتك مش هتخلص فى سنتك، سمعنى يالا عملت إيه.. ولما سمعتها اطمأنت وقالت لى انت لازم تتجوز بقى وتتلم ونشوف لك حتة عيل، وكانت تكلم والدتى فى التليفون وتقول لها عايزين نجوز بليغ وأشوفله عروسة، واللا انتى يا عائشة هانم تشوفى له».