البحث عن كنوز الفراعنة فى ناهيا وكرداسة

العدد الأسبوعي

تنقيب الأثار - أرشيفية
تنقيب الأثار - أرشيفية


أنفاق بطول 50 متراً وعمق 6 أمتار لاكتشاف الآثار.. و100 ألف للدجال مقابل معرفة باب المقبرة

■ تسويق القطع المكتشفة يتم عن طريق مقاطع فيديو مصورة على الهواتف المحمولة


لجأت مجموعات من شباب منطقتى ناهيا وكرداسة إلى جمع ما لديهم من أموال لإنفاقها على العمليات المحمومة للبحث عن الآثار التى تمتلىء بها المنطقة التى كانت مكاناً يضم مقابر ومعابد فرعونية منذ آلاف السنين تمتلىء بالتحف والتماثيل والمشغولات الذهبية، القادرة على نقل أى شاب إلى خانة الأثرياء فى ضربة حظ. العثور على «مساخيط» الفراعنة أو دفائن الأوانى الفخارية المبعثرة التى تحمل نقوشاً فرعونية هو حال أهالى ناهيا وكرداسة الذين يعتقدون بشكل قاطع وحاسم أن الوصول للكنز الفرعونى المحفوظ فى المقبرة هو الوسيلة الأكيدة للوصول إلى النعيم والدخول عبر أبوابه للعبور من مستنقع الفقر إلى حياة الرفاهية خصوصاً أن أسراً عديدة غادرت كرداسة وشوارع ناهيا وبعض قرى الجيزة بالفعل إلى دنيا الكامبوندات.


مسألة البحث عن الآثار تأخذ شكلا مختلفا فى ناهيا وكرادسة إذ إن الحفر أسفل المنازل يتسبب فى انهيار المبانى على رءوس أبرياء ليس لهم علاقة بحلم الثراء، خصوصاً أن الحفر يستمر تحت الأرض عبر عدة منازل حيث يستأذن الشباب من أصحاب البيوت قبل الحفر، دون أن يستطيع الملاك الرفض حتى لا يعتبرهم الشباب حجر عثرة أمام أحلامهم خصوصاً أن ملاك البيوت سيحصلون على جزء من الثروة فى حال الوصول إليها، ويتم توثيق الاتفاق بعقد.

ولمواجهة تكاليف الحفر بدءاً من شراء منازل للحفر أسفلها فضلاً عن المعدات إلى الأطعمة والمشروبات، قام الشباب الحالمين بالثراء بتكوين مجموعات للحفر إذ إن الواحد منهم لا يستطيع الإنفاق على رحلة البحث عن الكنز وحده، والتى تصل لعدة ملايين من الجنيهات، ويعتبر الشباب وأسرهم العملية بشكل إجمالى أفضل من محاولات الهروب إلى إحدى الدول الأوروبية عبر البحر فى رحلة تحيط بها الأخطار من كل جانب خصوصاً مع حوادث غرق المراكب الناقلة للمهاجرين غير الشرعيين حيث راح ضحية هذه الرحلات مئات الشباب.

ويشترى الشباب الذين ينتمون إلى عائلات كبيرة فى ناهيا وكرداسة منازل متجاورة بزعم عزمهم بناء أبراج سكنية، ثم يقومون بالحفر أسفلها للعثور على الكنز الفرعونى الذى يعتقدون بوجوده، أما الشباب من عائلات أقل ثراء فيلجأون إلى آخرين يقومون بتمويل عملية البحث عن الكنز الفرعونى مقابل الحصول على نسبة من الثروة.

الأهالى يتناقلون حكايات عن وصول أسر وشباب إلى قطع أثرية، ويؤكدون رواياتهم بفيديوهات تضم لقطات للمقابر التى توصلوا لها وأخرى لقطع أثرية، يتم الترويج لبيعها على المقاهى المعروفة بأنها المكان الأمثل للقاء التجار والراغبين فى بيع الآثار، ويتجه عدد كبير من الشباب والأسر التى خاضت تجربة البحث عن الكنوز الفرعونية إلى الرحيل عن كرداسة وناهيا وممارسة التجارة أو العمل فى المقاولات.

نجاح بعض المجموعات فى اكتشاف قطع أثرية دفع الشباب الذين ساروا على نفس الطريق إلى تحسين وسائل الحفر للوصول إلى نتائج أفضل وأسرع وبدلاً من الحفر باستخدام آلات بسيطة تطور الأمر إلى شراء ماكينات رفع مياه تعمل بدون صوت حتى لا يعلم أحد بعملية الحفر وللحفاظ على سرية الأمر.

تبدأ عملية اختيار المنطقة التى سيتم الحفر فيها من خلال الاستعانة بساحر، أشهرهم الشيخ ياسين المغربى وأبوعمار السوهاجى وهما مشهوران بين الحالمين بالعثور على الآثار، ومهمة الواحد منهما اختيار مكان الحفر واختيار مسار النفق للوصول إلى باب المقبرة، مقابل الحصول على 100 ألف جنيه أو نسبة 10% من قيمة الكنز والقطع الأثرية التى سيتم استخراجها وهناك من يقوم بشراء معدات لرفع المياه وتركيب ألواح خشبية على أعماق كبيرة لفتح مجال للنزول للبحث عن الآثار.

وعادة ما يرصد كل شاب من مجموعة الحالمين بالكنوز الفرعونية من 30 لـ100 ألف جنيه لشراء بيت صغير أو قطعة أرض لبدء الحفر باستئجار عمال مخصصين باليومية لاستخراج القطع الأثرية من أسفل تلك المنازل من خلال إنشاء أنفاق، تخفى مكان بدء الحفر خصوصاً أن طول بعض هذه الأنفاق يصل لـ100 متر، ما يؤدى لتصدعات وشروخ فى جدران منازل عديدة، حيث يتبادل الجيران اتهامات البحث عن الآثار والتسبب فى انهيار المبانى.

محمد عبد المعبود، موظف بإحدى الشركات السياحية، أحد أهالى ناهيا، قال لـ«الفجر»، إن هناك أيادى خفية تمول الباحثين عن الآثار، حيث ظهرت مجموعات بحث عن الآثار تتكون من أشخاص لا يملكون قوت يومهم حيث أوهمهم بعض الغرباء بأنهم يسكنون فوق كنوز فرعونية وآثار إسلامية تعود للعصرين العباسى والفاطمى، وأن أحد جيرانه حاول إقناعه شخصياً بالسماح له بالحفر قرب منزله ووعده بتعويض حال وقوع أضرار للمبنى، لافتاً إلى أن كتب التاريخ توضح أن ناهيا منطقة أثرية كانت معروفة قديماً بـ«دير ناهيا» وقبلها كانت منطقة فرعونية.

وفى إحدى المناطق الفقيرة بناهيا قرب شارع الحسينية الذى يقسم المنطقة تنتشر حكايات الكنوز المكتشفة وتوجد مظاهر لعمليات البحث والتى تسببت فى انهيار مبان وتشريد سكانها ومنهم مبنى كان يعيش فيه 12 شخصاً حيث أبلغوا الشرطة بوقائع الحفر التى عادت مجدداً.

حسين عبدالله، 47 سنة، عامل، مقيم فى كرداسة، قال لـ«الفجر» إن جاره حفر أسفل منزله وأنشأ أنفاقا مبطنة بألواح خشبية للوصول إلى مدخل المقبرة الفرعونية التى يبحث عنها، حيث مرت الأنفاق لتتجاوز المنازل المجاورة ما قد يتسبب فى انهيارها فوق رءوس سكانها، قرب المنزل الذى تربى فيه

لاعب الكرة السابق محمد أبوتريكة، نجم منتخب مصر والنادى الأهلى السابق، حيث أكد الجيران المتضررون أن مبانيهم تعانى من التصدع منذ سنوات بسبب البحث عن الآثار، وفيما أصبح البعض أثرياء دفع آخرون الثمن بالموت تحت الأنقاض أو التشرد فى الشوارع بعد تصدع بيوتهم.

ممدوح حامد، 37 سنة، عامل، فوجىء بحدوث هبوط أرضى فى صالة منزله وتصدعات بجميع الحوائط، مشيراً إلى أنه قدم شكاوى منذ سنوات، ضد الباحثين عن الآثار حيث تم القبض عليهم بالفعل ولكن تم إطلاق سراحهم بعد سداد كفالة مالية دون عقاب، كما سبق وحققت نيابة كرداسة فى وقائع كثيرة تتعلق بالتنقيب عن الآثار، ولكن هذه العمليات استمرت ويتعرض السكان لضغوط لغض النظر عن عمليات الحفر مقابل الحصول على تعويض مالى فيما تتم عمليات حفر أخرى دون علم سكان آخرين.

وترك بعض أهالى المنظقة منازلهم بعد أيام من الحفر بحثاً عن الكنز المفقود، منهم بعض المنتمين لعائلة الزمر الشهيرة، بسبب الحفر أسفل بيتهم حيث ألقت الشرطة القبض على عمال كانوا يحفرون ويضعون ألواحاً خشبية يتوسطها حفرة يصل عمقها لأكثر من 5 أمتار ويوجد فيها بقايا أسلاك كهربائية ولمبة للإنارة أسفلها آثار مياه جوفية وأكوام من الطين الممتلئ بالحجارة وأجزاء الفخار المكسور الملئ بنقوش ورسومات تعود لعصور فرعونية.

بمجرد خروجنا من المكان بعد تصوير إحدى هذه الحفر التى يتخللها أخشاب وأسلاك كهربائية، لا يتصور أحد وجودها أسفل منزل بسيط، قال لنا بعض الأهالى إن عمليات الحفر داخل المنازل للتنقيب عن الآثار تجرى ليلاً ونهارا فى الخفاء، وأكد أحد السكان أن المنطقة ظهرت فيها آثار بالفعل قبل سنوات خصوصاً خلال ثورة 25 يناير، حيث انتشرت عمليات تداول صور ومقاطع لاكتشافات أثرية من جانب الأهالى ولقطات لأنفاق التنقيب، كما ارتفعت نسبة البلاغات المقدمة للشرطة بوجود شواهد لعمليات حفر أسفل منازل المنطقة.

ولا يزال أثر الشروخ والتصدعات فى منازل ناهيا وكرداسة شاهداً على وجود عمليات حفر وتنقيب عن الآثار حيث يصل عرض بعض التشققات لـ10 و15 سنتيمترا، ولكن البسطاء يخشون من الإبلاغ خشية تعرضهم لتعديات من الباحثين عن الكنوز خصوصاً مع الإفراج عن كثيرين منهم بعد سداد كفالات.