عادل حمودة يكتب: تشخيص حكم مصر فى تسجيلات عبد الناصر السرية

مقالات الرأي



طالما يوجد تنظيم دولى لن يكف الإخوان عن المؤامرات

■ ما أن أخرجت الإخوان من المعتقلات وأعدتهم إلى وظائفهم حتى حاولوا اغتيالى ثلاث مرات تحت رعاية سيد قطب 

■ كنت أعرف عن الشيوعيين والإخوان أكثر مما تعرف المباحث فقد مررت على كل التنظيمات

■ دربت التنظيم السرى للجماعة على السلاح للقتال فى فلسطين فقتل النقراشى باشا 

■ مشكلة الحكومة ألا أحد يرد على أحد ولا أحد يدافع عن أحد! 

■ غياب حرية الصحافة جعلنا لا نرى عيوبنا التى أدت إلى الهزيمة


بغير الحرية لا توجد حقيقة

لكن.. الحرية الغائبة فى بلادنا جعلت الحقيقة دائما مؤجلة

لا تأتى الحقيقة فى موعدها أبدا

نصف قرن من وضع شرائط «البلاستر» على وثائق يونيو حرمنا من تلقى دروسها والاستفادة من خبراتها.

بقينا فى دائرة الصمت التى فرض علينا البقاء فيها حتى نموت.

لم يكن غريبا أن تتكرر أخطاؤنا لأننا لم نواجه عيوبنا.

فى المحاضر السرية للقاءات جمال عبد الناصر بمجلس الوزراء والقيادات السياسية والحكام العرب التى شرح فيها بصوته ما جرى سنجد أكثر من دليل.

لخص عبد الناصر أسباب الهزيمة فى «تبجحنا بالكلام» دون فعل وكذبنا وصدقنا كذبنا ولم نعتمد فى اختيار المناصب على الكفاءات وإنما على التقارير الأمنية وغابت عنا المعلومات المرشدة للقرارات الصائبة.

«صراخنا أضخم من أصواتنا.. وسيفنا أطول من قامتنا.. ما دخل اليهود من حدودنا وإنما تسربوا مثل النمل من عيوبنا».. «نجعل من أقزامنا أبطالا.. ومن أشرافنا أنذالا.. ونرتجل البطولة ارتجالا.. ونشحذ النصر على أعدائنا من عنده تعالى».. حسب نزار قبانى.

لكن.. تلك الأسباب لم تفرض نفسها إلا لغياب حرية التعبير.. لقد أممت الصحافة بسبب كاريكاتير للفنان حجازى نشر فى «صباح الخير» عن زوجة تخبئ عشيقها تحت السرير.. وهو ما اعتبره عبد الناصر نوعا من غياب الصحافة عن مشاكل التنمية الجادة.. على أن تأميم الرأى أدى إلى تكميم الأفواه فغاب النقد.. وعوقب من يمارسه بالإبعاد أو بالاعتقال.. وتصور النظام أن كل ما ينشر حقيقة.. جيش قوى.. وشعب سعيد.. وقدرة هائلة على سحق الأعداء.. وهو ما سقط تماما فى الساعات الأولى من حرب الهزيمة.

وأتذكر أننا كنا ونحن فى الجامعة لم نجد متنفسا عن هذه الحالة إلا قصيدة نزار قبانى «هوامش على دفتر النكسة» التى شخص فيها ما حدث بدقة وحنكة وبراعة لم يتوصل إليها أكثر المحللين موهبة وخبرة: «يا سيدى السلطان فرحنا نتناولها سرا: لقد خسرت الحرب مرتين.. لأن نصف شعبنا ليس له لسان.. ماقيمة الشعب الذى ليس له لسان.. لقد خسرت الحرب مرتين لأنك انفصلت عن قضية الإنسان».

وقد نبهت الهزيمة عبد الناصر إلى أن الحرية كشافات مضيئة للنظام تفضح الأخطار التى تنتظره قبل أن يقع فيها ولكن العمر لم يمهله لتنفيذ الإصلاح السياسى الذى أدرك أهميته.

وعندما تحدث عبد الناصر عن سيناء وصفها بكعكة الرمل التى لن يجد فيها «اليهود» ما يغرى بالبقاء «وقد رحلوا عنها فعلا فيما بعد» لكنه كان حريصا على إعادة الضفة الغربية بأسرع ما يمكن ومهما كان الثمن فبقاؤها سنة يعنى ابتلاعها كاملة وهو ما حدث فيما بعد حيث سيطر عليها المستوطنون اليهود الذين اعتبروها أرضاً مقدسة لدولة إسرائيل.

وتنبه عبد الناصر مبكرا إلى ضرورة توحيد التيارات السياسية المختلفة حرصا على سلامة المجتمع ولكن فى الوقت الذى استجاب فيه اليسار إلى دعوته بحل تنظيماته السرية بقى الإخوان على حالهم.. يجهزون قواتهم ترقبا وتربصا.

إن خلط الدين بالديناميات خلق وحشا شرسا شرها يرتوى بدماء ضحاياه وهو يلتهم جثثهم.. وما أن نصدق أن تاب إلى الله وسلم أنيابه ومخالبه حتى نجده يخرج من تحت الأرض أكثر عنفا وأشد بأسا وأوسع تخريبا وتدميرا.

أمام مجلس الوزراء رصدت التسجيلات السرية بصوت عبد الناصر كيف عطلت جماعة الإخوان الكثير من الإصلاحات السياسية التى بدأ تنفيذها عام 1964 قائلا:

فى ذلك العام «أردنا أن ننهى المعتقلات».. «كان أمل عندى وماهواش مفخرة لواحد زيى» وجود معتقلين.. «وفعلا صدر الدستور فى مارس 1964 ومكانش فيه ولا واحد معتقل» وطلع للإخوان قانون ليرجعوا إلى وظائفهم.

«الواحد كان يشعر بمنتهى السعادة إن ما فيش معتقلين.. لا شيوعى ولا إخوانى».. وكان تفكير اضمهم للتنظيم السياسى.. «أنا برضه ابتديت مع كل الأحزاب واتصلت بالإخوان والشيوعيين وأعرف كل الخلفيات بتفاصيلها».. وفى وقت من الأوقات «كنت أعرف أكثر مما تعرف المباحث».. أسماء وعناوين.. «فيه ناس خيرين هنا وهناك وكان هدفى باستمرار أجمع الكل فى وحدة واحدة».

ولكن.. حدثت عملية الإخوان فى عام 1965 التى نفذت تحت قيادة سيد قطب.

«كنا معتقدين أنها عملية صغيرة» لا تستحق منا أهمية لكن العملية كشفت عن تنظيم مسلح كبير لحرق البلد».. و«بصرف النظر عن إن شمس بدران فى السجن النهارده فالرجل للذمة كان سهران ليل نهار يتابع العملية وفى سباق بينه وبين الآخرين لإنقاذ البلد من عمليات الاغتيالات وهو قال فى المحكمة: إنه وقتها أنقذ حياتى 3 مرات وهذا حقيقى».

وبسبب هذه العملية «فتحنا المعتقلات مرة أخرى».. «طبعا قد يكون هناك من ظلم».. «سيبنا ناس بتجمع فلوس لكن لما ظهرت العملية بهذا الشكل أصبح جمع الفلوس يعنى وجود تنظيم غير ظاهر».

«بعد العدوان «فى يونيو 67» ابتدينا الإفراج عن عدد كبير «من الإخوان» وأظن فاضل عدد قليل هم اللى موجودين فى التنظيم السرى».

«الحقيقة المشكلة النهارده إن دول إذا طلعناهم بحكم تفكيرهم وبحكم تكوينهم» سيعودون إلى العنف من جديد «وهو ما حدث فيما بعد».

أنا «برضه كنت متصلاً بناس من الجهاز السرى قبل الثورة ويمكن استطعت أن أؤثر عليهم بعد الثورة فغيرهم المرشد.. كنت باعرف عبد الرحمن السندى وهو كان ماسك الجهاز السرى قبل الثورة.. وفعلا كنت بأدرب ناس من الإخوان.. وأنا لما رحت عند إبراهيم عبد الهادى «وكان رئيسا للوزراء» ما روحتش على إنى من الضباط الأحرار.. لا.. إبراهيم عبد الهادى كان بيستجوبنى على إنى من الإخوان.. لأنى دربت ناس منهم.. وفى التحقيقات اللى حصلت بعد قتل «محمود فهمى» النقراشى «رئيس الحكومة وزير الداخلية الذى إغتاله التنظيم» قالوا: إن انا دربتهم.. أنا فعلا دربت هؤلاء الناس لكن عشان فلسطين».

«المشكلة النهارده إذا طلعوا الناس دول هل هيرجعوا تانى يعملوا جهاز سرى ويتصلوا بسعيد رمضان «قيادى إخوانى هرب إلى سويسرا عام 1954 وكون التنظيم الدولى واستثمارات ثروات الجماعة لتمويل عمليات العنف» ويضللوا وندخل تانى فى مشاكل أقسى من المشاكل الأولى.. هل نحتمل ده ؟».

«وهم حاولوا يتصلوا بالجيش ولغاية دلوقتى.. لغاية يومنا هذا فيه اتصال بالجيش.. وفيه عمليات داخل الجيش قايم بها الإخوان النهارده ولم نمسكها ولكن الفريق «محمد فوزى» يعلم عنها».

«الشيوعيون النهارده مافيش وهو يمكن واحد اللى هو صلاح عيسى اللى اعتقل أخيرا.. كل اللى كان عليهم أحكام أفرج عنهم سنة 64 وخرجوا وعادوا إلى أعمالهم ولكن طالما هناك قوة من الإخوان موجودة فى الخارج وعندها الكثير من الأموال وتتصل بالداخل فالمشكلة مستمرة».

وينتقل عبد الناصر إلى موضوع آخر ربما لا نزال نعانى منه:

«لفتوا نظرى إلى موضوع مهم.. الحكومة عندنا ما حدش بيرد على حد «ضحك» وما حدش بيدفع للتانى «ضحك» وهذا يمثل نوعا من أنواع التفسخ الموجود ولكن هنا فى مجلس الوزراء نفتح هذه المواضيع لزم لما واحد يبعت لحد يرد عليه ولكن ما حدش بيرد على حد وأعرف أن فيه شركات مقاولات كثيرة لها فلوس وما حدش بيدفعها وده الحقيقة مسئوليتنا الأولى إحنا».

وأتصور أن تلك العيوب البيروقراطية لا تزال مزمنة قائمة.. فلا أحد يرد على أحد إلا بالواسطة أو بالمصلحة.. ولا يعرف المواطن كيف يوصل شكواه للحكومة.. وكل وزارة لا تسدد ما عليها للوزارات الأخرى.. البترول له مليارات عند الكهرباء.. والكهرباء لها مليارات عند باقى الوزارات والمؤسسات العامة.. وكثير من موارد الدولة ضايعة بسبب صراع الوزارات واختلاف المحافظات.

إن البيروقراطية كارثة التنمية فى مصر.. فالجهاز الإدارى تضخم إلى أن تجاوز الستة ملايين موظف وعامل.. خرجوا من قوة الإنتاج.. وتشكل أجورهم وحوافزهم ومكافآتهم النسبة الأكبر من ميزانية الدولة فلا يتبقى إلا النذر القليل للاستثمارات والخدمات.. فضعفت الصحة.. وتراجع التعليم.. وتضاعف الفقر.. وقلت المواهب.. وساد الغش والفساد.. وعجز التطور عن البقاء فى أرضنا فهاجر بعيدا عنا بحثا عن أمم أخرى تعرف قيمته.