طارق الشناوي يكتب: حتى القلادة (فالصو)!!

الفجر الفني

بوابة الفجر


بذكاء التقطتها منى الشاذلى، وأظن أنها كانت تعلم قبل التصوير أن القلادة ليست ذهبا خالصا، ربما أمسكت بتلك المعلومة فى الدردشة التى تسبق عادة الحوار المسجل، فأيقنت بحكم خبرتها أن تلك هى اللمحة التى ستبرق لتُصبح «مانشيت» فى كل «الميديا». دليلى أن منى تعمدت أن تقول وهى توجه السؤال لأم كلثوم وبراءة الأطفال فى عينيها حصل نجيب محفوظ على قلادة النيل من الذهب الخالص، لماذا أضافت توصيف الذهب الخالص؟ فى العادة نكتفى بأن نقول «قلادة النيل» أرفع الأوسمة المصرية منذ مطلع القرن العشرين، وهكذا حققت هدفا إعلاميا عزيز المنال ليتحول السؤال الذى يتدثر بالبراءة إلى إجابة تحمل أكبر اتهام من الممكن أن يوجه لدولة وهو التزوير فى أرفع جوائزها.

 

الأمر يقينى ولا يحتاج للتشكيك. إننا نصدق كل ما قالته ابنة أديبنا الكبير، القلادة فى المتحف الذى يحمل اسم نجيب محفوظ، وعند تسلمها طبقا للإجراءات الروتينية المتبعة فى مثل هذه الأمور، كتبوا فى المواصفات أنها ذهب قشرة، هل معنى ذلك أن عصر مبارك كله مجرد قشرة تبرق فقط من الخارج، وقلادة النيل هى العنوان.

 

هل يوجه الاتهام فقط لرئيس الجمهورية الأسبق حسنى مبارك؟ السؤال: هل كل القلادات التى منحت قبل 1988 كانت من الذهب الخالص حقا؟ فالجائزة تعود لزمن الملك فؤاد، فهل فقط حدث ذلك مع نجيب محفوظ، وهل ما بعدها أيضا من الذهب الخالص، أم أنها دائما فضة مطلية بالذهب، مثل أهم الجوائز فى مجال السينما وهو تمثال (الأوسكار) برونز مطلى بالذهب، ورغم ذلك فإنها تحتفظ بتوصيف الذهب، وهكذا نقول الأوسكار الذهبية.

 

ابنة نجيب محفوظ ذكرت الحقيقة، وطبقا لروايتها العفوية جاء الاكتشاف من خلال عين الأم الخبيرة السيدة عطية الله، وهى مثل عدد لا بأس به من سيدات ذلك الجيل كن يدركن بمجرد النظرة الفارق بين الذهب الحقيقى والزائف، وتأكدت عندما سألت الجواهرجى، ويبقى فى كل تلك الحكاية وهو ما يعنينا أساسا أن نجيب محفوظ والمعروف عنه السخرية اللاذعة فى مواقف مشابهة لم يسخر، وفى الحد الأدنى لم يبد امتعاضا، أما كونه لم يعلن غضبه أو حتى لم يصارح أحدا بذلك- فهذا يتفق ومنهج الأستاذ الذى لا يدخل فى معركة أبدا مع السلطة.

 

من الذى فعل ذلك وهل هى متعمدة؟ صناعة قلادة بهذا الحجم كم فردا يشارك فى إنهائها؟ هل كل هؤلاء تواطئوا جميعا واقتسموا المبلغ فيما بينهم؟ مستحيل طبعا، إلا أن الواقعة تمس هيبة الدولة مباشرة.

 

أرادت منى الشاذلى عندما انضمت لـ«سى بى سى» أن تريح نفسها تماما من السياسة وسنينها فى برنامجها «معكم». أنا لا أصدقها طبعا فى المقدمة التى تسبق البرنامج عندما تؤكد أنها قررت عن قناعة الابتعاد عن مناقشة القضايا السياسية، هى أيقنت مثل عدد من الإعلاميين أن السقف الحالى لا يسمح بأى مساحة من الشغب السياسى فوجهت البوصلة إلى القضايا الاجتماعية والفنية بعيدا عن دوشة الدماغ.

 

إلا أنها هذه المرة تناولت قضية تمس مباشرة الأمن القومى، فعندما تزوّر أعلى جائزة مصرية عبر التاريخ لا يمكن أن نتعامل مع الحكاية ببساطة، والسكوت ليس فى صالح الدولة، حتى لو كان الملوك والأمراء والرؤساء والعلماء والمفكرون الذين أهديت لهم القلادة من قبل ليست لديهم زوجات بحصافة السيدة هدية الله التى كشفت بنظرة واحدة أنها (فالصو)!!