مي سمير تكتب: "داعش" يقترب من إعلان إفلاسه

مقالات الرأي



"فوربس" وصفت الحرب عليه بالطويلة والطاحنة

■ التنظيم يفقد مليار دولار.. و64% من أراضيه بالعراق وسوريا فى غمضة عين


فى الوقت الذى يبقى فيه تنظيم «داعش»، واحدا من أكثر التنظيمات الإرهابية خطورة فى العالم، يبدو أن فقدان التنظيم للكثير من الأراضى التى سيطر عليها فى العراق أو سوريا، أسفر عن معاناته من شبح الانهيار المالى.

بهذه المقدمة افتتحت مجلة فوربس الاقتصادية الشهيرة، تحقيقها الذى حمل عنوان «هل أفلس تنظيم داعش» ؟

بدأ التقرير بالإشارة إلى  أن أبابكر البغدادى، زعيم «داعش» وقائده الروحى، كان  يعلم ماذا يفعل عندما اختار أن يجعل ظهوره الأول والوحيد بشكل عام فى مسجد النور بالموصل، فى يوليو ٢٠١٤.

فى هذا الظهور الوحيد أعلن البغدادى تأسيس أول خلافة إسلامية منذ عام ٢٠١٤، والبغدادى صاحب التاريخ الطويل فى عالم الإرهاب، والذى أشعلت صورته بالمسجد الوعى الجماعى عند أتباعه، باعتباره الحدث الأكثر رمزية فى انتصار داعش الكاسح فى العراق، حيث برز تفوق المنظمة الإرهابية، وبدأ كتابة فصل جديد مظلم فى التاريخ القصير للقرن الحادى والعشرين.

لكن  تاريخ  وصول المنظمة لقمة السلطة، أصبح بعد ثلاث سنوات رمز هزيمتها الساحقة.

فى أواخر يونيو 2017، بعد تسعة أشهر من بدء قوات التحالف بقيادة الجيش العراقي - بدعم من الأسلحة الأمريكية والمعدات والاستخبارات والمال- حملة تحرير الموصل، وحققت القوات العراقية إنجازا رائعا فى استعادة مسجد النور الذى يعد رمز انتصار داعش.

لكن هذا لم يمنع  حقيقة انتصار الجيش العراقى،  حيث ذهب رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى، على موقع تويتر وأعلن عبر تغريدة «نهاية دولة داعش المزيفة».

أتى الإعلان النهائى للتحرير الكامل للموصل بعد أسبوعين تقريبا، بمثابة معلم بارز آخر عن الانهيار المروع لتنظيم داعش، وقد قتل البغدادى أو هرب من الرقة  عاصمة التنظيم، ومركز عملياتها.

كما أن التنظيم الإرهابى يسيطر الآن على  55٪ فقط من المدينة، والقضاء على البنية التحتية للتنظيم فى العراق وسوريا، واسترجاع  الأراضى التى سيطر عليها، ليست سوى مسألة وقت، وإذا كانت هزيمته النهائية لا تزال بعيدة فى المستقبل، إلا أن قادته، حتى فى هذه المرحلة، يعرفون أن نهاية داعش فى تكوينه الحالى، هى أقرب من أى وقت مضى.

يواصل «داعش» العيش مع المعاناة اليومية من الخسائر الفادحة والهائلة، وبعد سنوات من إعلان قادته تأسيس الخلافة الإسلامية، فقد التنظيم  السيطرة على مناطق شاسعة فى العراق وسوريا، وكانت سيطرته قد وصلت لذروتها فى أواخر عام 2014، وامتدت على حوالى 100 ألف كيلومتر مربع  (أى مساحة أكبر من كوريا الجنوبية)، وكان أكثر من 11 مليون شخص يعيشون فى ظل نظام داعش القمعى.

ومع ذلك، فقد اكتسبت معارضة داعش زخما، ومع زيادة تدخل  القوى الكبرى فى القتال، بدأت قوته ومكانته تتراجع بشكل كبير، وفى أقل من ثلاث سنوات، فقدت الدولة الإسلامية حوالى 64٪‏ من أراضيها، وانسحبت قواتها من مساحة واسعة، تاركا فى حوزتها الآن حوالى 36 ألف كيلو متر مربع فقط، وقد أطلق سراح تسعة ملايين مدنى فى السنوات الأخيرة من قبضة أئمة داعش، الذين يحكمون اليوم نحو مليونى شخص أى بانخفاض قدره حوالى 80٪‏. 

الآن، بعد أن فقد التنظيم الكثير من مجاله، ويسيطر على عدد أقل بكثير من الناس، تجد المنظمة الأصولية نفسها فى دوامة من الاضطرابات المالية - التى قد لا تتعافى منها، قبل ثلاث سنوات، وفى ذروة سلطتها العسكرية والسياسية، بلغت تقديرات الإيرادات السنوية لتنظيم داعش نحو 3 مليارات دولار.  

فى غمضة عين، تغيرت الدولة الإسلامية من طرف داعم لتنظيم القاعدة، تتلقى المساعدات الخارجية، إلى إمبراطورية مالية  قائمة على نظام اقتصادى متطور يعتمد على النفط الذى يضخ المليارات.

من خلال شبكة لتهريب النفط والتى تم تطويرها بكفاءة إلى حد الكمال خلال عقود الحظر الدولى على صدام حسين، باع قادة داعش عشرات الآلاف من براميل النفط يوميا بالسوق السوداء، وامتلأت جيوبهم بدخل يومى يقدر بين مليونين وثلاثة ملايين دولار، ووصل إلى ما يقرب من مليار دولار سنويا.

وأسهم الهبوط المفاجئ فى أسعار النفط، الذى انتقل من 110 دولارات للبرميل فى أوائل عام 2014 إلى أقل من 30 دولارا للبرميل فى عام 2016، فى مزيد من الضغط على دخل التنظيم، وقد انخفض استهلاك داعش من بيع النفط والغاز، الذى بلغ متوسطه 130 مليون دولار فى الشهر 2014، انخفاضا حادا.

وأشار تقرير لمجلس الأمن الدولى، إلى أن عائدات داعش النفطية انخفضت من 40 مليون دولار شهريا، فى عام 2015، إلى حوالى 20 مليون دولار فى عام 2016.

ومع ذلك، ووفقا للبيانات التى نشرتها مؤخرا شركة أبحاث إهس ماركيت، فإن التنظيم لا يجلب الآن سوى 4 ملايين دولار شهريا وهو انخفاض بنسبة 97٪‏ فى الإيرادات منذ عام 2014.

ووفقا لأرقام من إهس ماركيت، يكافح التنظيم من أجل تحقيق 8 ملايين دولار فى الشهر، وهو مبلغ لا يذكر بالمقارنة مع عشرات الملايين من الدولارات التى تدفقت فى خزائنه كل شهر، منذ عام أو اثنين فقط.

إلى جانب إيرادات النفط والمكاسب التى كان يحققها التنظيم من فرض الضرائب والإتاوات، وعمليات النهب والسرقة، استولى داعش أيضا على مساحات واسعة من المزارع، والمصانع، ومحطات الطاقة، والسدود، والمرافق الاستراتيجية الأخرى، ما عزز ثروته وقوته الاقتصادية.

والأكثر من ذلك، أن التنظيم الإرهابى يملك أراض مترامية الأطراف بالمناطق الزراعية الخمس الأكثر خصوبة فى العراق، ويملك 40٪‏ من محصول القمح فى البلاد ومحاصيل أخرى.

وبشكل عام يقدر خبراء الزراعة أن داعش كان يسيطر على 30٪ من السوق الزراعية المحلية، وكل هذا خسره عندما تخلى عن تلك المناطق الشاسعة فى مواجهة تقدم التحالف.

ووفقا لتقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن داعش لا يزال يعتمد بشكل رئيسى على الدخل من النفط، والابتزاز، والضرائب التى تشكل مجتمعة ما يتراوح بين 70 و80٪‏ من دخل التنظيم الإرهابى.

خلاصة القول إن إيرادات المنظمة الإرهابية القاتلة قد انخفضت أكثر من 90٪‏ خلال ثلاث سنوات فقط، من حوالى 3 مليارات دولار فى عام 2014، إلى حوالى 200 مليون دولار فى عام ٢٠١٧. 

ولا يزال الضغط على التنظيم  من التحالف والقوى الكبرى ينمو، ويتوقع بعض الخبراء المتفائلين أن يختفى تنظيم داعش عن الوجود بحلول نهاية العام.

ولكن حتى لو كانت «نهاية  دولة داعش المزيفة»، كما وصفها العبادى، هى أقرب من أى وقت مضى ، فإن الفكرة نفسها على قيد الحياة، ولا تزال قوية فى العديد من القلوب.  

وينتهى تقرير مجلة «فوربس» بالإشارة إلى أن الدولة الإرهابية التى بنتها  داعش فى الحقيقة لا حدود  لها، وإنجازها العظيم مأساوى للغاية، ولا يقاس بالأراضى التى استولى عليها، بل بالعقول التى غزاها التنظيم، وحتى لو هزمت المنظمة الجهادية، فإن فكرة الإرهاب تظل بعيدة عن الضرب.

ويشير التقرير إلى أن من المحتمل جدا أن يعيد تنظيم داعش اختراع نفسه، كما فعل تنظيم القاعدة من قبل.

بل إنه من الممكن أن تنشأ منظمة أخرى، فى مكان آخر، وتسعى إلى تحقيق رؤيتها. وإن كان تنظيم داعش يموت بالفعل، لكن روح الأيديولوجية المتعصبة التى اجتاحت الملايين، سوف تستمر للأسف فى إلهام وتحفيز مؤيديها فى صراع دموى عالمى. ومن هذا المنظور، فإن الانتصار الوشيك على داعش، هو مجرد معركة واحدة فى حرب طويلة وطاحنة.