عبدالحفيظ سعد يكتب: الواقعة المختفية.. دكتور جامعى يضرب 22 طالبة برجل كرسى والإدارة تماطل فى عقابه

مقالات الرأي



ملفات التحرش والعنف ضد المرأة المسكوت عنها فى جامعة القاهرة

■ القضية حدثت قبل عامين ومنصب والدته عضو هيئة التدريس فى الشئون القانونية يوقف عقابه

■ عضو لجنة تأديب يضغط على الطالبات للتنازل عن الشكوى واعتبار الضرب "تدريبا"

■ "شيزوفرينيا" الجامعة العريقة.. تنشئ وحدة لمكافحة التحرش والعنف ضد المرأة وتتستر على شكوى الطالبات تجاه الأساتذة

■ تسريب أستاذ الإعلام يوضح عدم تحرك إدارة الجامعة فى الكشف ووقف الانتهاكات ضد الطالبات


سهل جدا أن نضع رءوسنا فى الرمال.. ونؤشر على علامة الكمال.. ونغلق الموضوع.. ولا نتحدث عنه.. خاصة أن المبررات «جاهزة».. وتتعلق بأهم مؤسسة تعليمية فى مصر.. وترتبط بـ«أساتذة الجامعة» الذين يجب التعامل معهم بحذر، لأنهم مثل «قطعة الألماس»، لا يجوز أن تخدش..

لكن ما دار فى الأيام الماضية المرتبط بالتسجيل المسرب لأحد أعضاء هيئة التدريس، وهو يقوم بالضغط على إحدى الطالبات، يدفعنا أن نفتح الحديث عنها، خاصة أنه لم يعد من السهل أن نضع رءوسنا فى الرمال كثيرا فى ظل التدفق فى وسائل التواصل، والتى لم تعطنا فرصة أن نغلق ملفات شائكة وصعبة، ولا نتحدث عنها، لأنها ستفرض نفسها علينا..

وفى الواقعة الأخيرة، والتى تتعلق بالتسجيل الصوتى المسرب على مواقع التواصل الاجتماعى، لأحد أساتذة الجامعة، وهو يقوم بالضغط على إحدى الطالبات فى جامعة القاهرة، ليجبرها على إقرار، ليتهرب من تهمة التحرش بها، وهى الواقعة المرتبطة باسم الدكتور ياسين لاشين، أستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، والتى أحالها رئيس الجامعة الجديد محمد الخشن للنيابة العامة للتحقيق، لتعيد بذلك فتح ملف ما تتعرض له الطالبات على يد الأساتذة، خاصة أنها مرتبطة بأكبر قضيتين مرتبطتين بالنساء بصفة عامة، وهما «التحرش الجنسى»، و«العنف ضد المرأة».

لكن فى الحقيقة لا تعد قضية «دكتور لاشين» الوحيدة والتى تتعلق بالتعامل مع الطالبات فى جامعة القاهرة، فهناك وقائع كثيرة، «مختفية» لا أحد يعلم عنها شيئا، بدافع يتعلق بمراعاة علاقة الزمالة بين أساتذة الجامعات أو خشية أن يؤدى فتحها إلى تشويه العلاقة بين الأساتذة والطلبة، أو وجود يد خفية تساند شخصا ما، وتمنع توجيه أى اتهام له.

وفى إحدى هذه الوقائع «المختفية» والتى حدثت فى كلية التربية النوعية جامعة القاهرة، والتى لا تقل فجاجة عن وقائع التحرش والتعرض للطالبات، ورغم أن الحادثة، التى شهدتها الجامعة قبل عامين، وتم رفعها إلى رئيس الجامعة جابر نصار فى حينها، إلا أنها ظلت حبيسة الأدراج، وتم التكتم عليها وعدم فتحها.

وتدور الحادثة والتى شهدتها كلية التربية النوعية فى 18 نوفمبر 2015، كما تقول الأوراق التى تحت أيدينا، عندما دخل دكتور «أ. ى» على طلاب الفرقة الثانية بنات قسم موسيقى، والذى يقوم بتدريس مادة «الارتجال» لطلاب الفرقة، وكان مدرس المادة قد طلب من الطالبات فى المحاضرة السابقة أن يقمن، بالتحضير للمحاضرة، وهددهن بأنه سوف يقوم بعقابهن، إذ لم ينفذن طلبه.

وبالفعل سأل دكتور المادة الطالبات، هل قمتن بالتحضير للدرس؟ لكنه وجد 22 منهن لم يقمن بالتحضير، وبدأ فى تنفيذ تهديده وعقابهن، والذى لم يكن عاديا أو تقليديا على طلاب الجامعة عامة وليس الطالبات فقط، فأمر الدكتور الطالبات اللاتى لم ينفذن طلبه، بأن يصطففن ويقفن فى قاعة المحاضرة، وأجبرهن أن يقمن بمد أيديهن، وأحضر رجل كرسى قديم من المدرج، وقامن بضربهن «عبطهم» على أيديهن، وهدد من لم تستجب للعقاب من الطالبات، بأنه سوف يحرمها من دخول الامتحان نهاية العام.

ونتج أثناء تنفيذ الدكتور للعقاب ضد الطالبات الجامعيات، أن أصيبت إحداهن» ن م»، بشرخ وتمزق فى يدها نتيجة تعرضها للضرب برجل الكرسى، عندما تفادت ضربة من يد الدكتور.

إدارة وأساتذة قسم الموسيقى بكلية التربية النوعية التى حدثت فيها الواقعة، رفضوا الواقعة، خاصة رئيس قسم التربية الموسيقية وعضو هيئة تدريس آخر، عندما علما بالواقعة من الطالبات، قاما بكتابة مذكرة بالواقعة لرئيس الجامعة فى حينها الدكتور جابر نصار، والتى حملت رقم (897)، خاصة أن الدكتور صاحب الواقعة مشهور عنه استخدام العنف بالضرب تجاه الطالبات، وهو ما يخالف كل قوانين التعليم، وليس الجامعة فقط، خاصة أن عمر طالبات الجامعة يقترب فى العشرينات، ولا يجوز سواء فى العرف العام أو التعليمى أن يتم عقابهن بدنيا، فى ظل وجود آليات أخرى تعطى الحق لأى عضو هيئة تدريس بالعقاب، دون العقاب البدنى.

وبعد أن رفعت المذكرة لرئيس الجامعة جابر نصار، ظلت حبيسة الأدراج لديه عدة شهور، لكن مع إلحاح أولياء أمور الطالبات، وبعض أعضاء هيئة التدريس بالجامعة بضرورة فتح التحقيق فى الواقعة، قام رئيس الجامعة بإحالة الواقعة للتحقيق فى إبريل 2016، أى بعد أشهر من وقوعها، وتم ذلك بعد تلويح أولياء أمور الطالبات بأنهم سوف يحررون محضرا فى قسم الشرطة.

واسندت مهمة التحقيق إلى الدكتور أسامة المليجى بحقوق القاهرة، واستمعت لجنة التحقيق إلى الطالبات اللاتى تعرضن للعنف وأخذ أقوال الدكتور المتهم.

ولكن إدارة الجامعة لم تتخذ أى موقف من الدكتور صاحب الواقعة، خاصة فى ظل ما يتردد عن النفوذ الذى يمتلكه فى الجامعة، خاصة أن والدته مسئولة بالشئون القانونية بإدارة الجامعة، وظل التكتم على القضية وعدم إحالتها للتأديب أو اتخاذ أى إجراء عقابى ضد الدكتور المتهم.

وأمام إلحاح أولياء أمور الطالبات والمسئولين فى القسم بالكلية قامت لجنة التحقيق بإحالة الدكتور المتهم إلى لجنة تأديبية فى يناير 2017، أى بعد ما يزيد على 8 أشهر من بدء التحقيق، واستمرت حالة المماطلة من قبل إدارة الجامعة فى إجراءات التأديب تجاه الدكتور المتهم، مع وجود ضغوط على الطالبات بالتراجع عن شكواهن، وإمكانية تعرضهن للتنكيل بالرسوب فى بعض المواد.

غير أن مطالبة أولياء أمور الطالبات والضغوط على رئيس الجامعة وإحراجه، تم تحديد أول جلسة للجنة التأديب بالجامعة مع الدكتور المتهم، بعد 6 أشهر من قرار الإحالة وذلك فى 18 يونيو 2017، وأمام لجنة التأديب أقر الدكتور المتهم بالواقعة، مبررا أنه قام بضرب الفتيات من أجل مصلحتهن..!

والأغرب من ذلك أن أعضاء لجنة التأديب سعت لإغلاق القضية، والضغط على الطالبات للتراجع عن الشكوى، وأخبر أحد أعضاء اللجنة طالبة أصرت على موقفها، بأن «ما قام به الدكتور وضربها يعد أمرا عاديا»، قائلا لها «اعتبريه المدرب الخاص بك، وأنا المدرب الخاص بى كان بيضربنى وهو أمر عادى». وعندما رفضت الطالبة التشبيه الذى ساقه عضو لجنة التأديب، خاصة أنها «بنت» فى سن العشرين، وأنه لا يجوز أن تضرب فيه، حتى من والداها، نهرها أعضاء اللجنة وتم طردها وأوقفوا التحقيق، بعد أن رفضوا الاستماع لأقوال رئيس القسم والأستاذ بالكلية اللذين يعتبران شهود أثبات على الواقعة، ليتم تأجيل جلسة التأديب لميعاد غير معلوم، وتوجه من اللجنة عدم توجيه أى عقاب تجاه الدكتور المتهم.

غير أن ما دار فى الأيام الماضية فى جامعة القاهرة أيضا، والذى يتعلق بالتسريب الأخير لأستاذ كلية الإعلام، والذى فتح ما تتعرض له الطالبات فى الكلية على يد بعض أعضاء هيئة التدريس، دفع أولياء أمور الطالبات بالتحرك مرة أخرى والعمل على استمرار جلسات التأديب لعقاب الدكتور صاحب واقعة الضرب، وهى الواقعة التى مازالت ماثلة أمام الإدارة الجديدة للجامعة.

«شيزوفرينيا» جامعة القاهرة

الواقعة الخاصة بـ«القضية المختفية» والمتعلقة بحادثة الضرب التى قام بها عضو هيئة التدريس ضد طالبات كلية التربية فى جامعة القاهرة والتسريب الأخير لأستاذ كلية الإعلام، والتى تجسد وقائع أخرى مسكوت عنها يكشف مدى التناقض و(الشيزوفرينيا) فى إدارة جامعة القاهرة، بين ما هو معلن فى ملاحقة التحرش والعنف الذى تتعرض له المرأة بصفة عامة، وهو أمر مرتبط بحالة الازدواجية التى يعيشها المجتمع بصفة عامة، لكن كان ألا يحدث ذلك فى مؤسسة تربوية تسعى لوضع حلول وضخ كوادر فى المجتمع تصلح أحواله.

التناقض فى جامعة القاهرة، بين السكوت وعدم الوقوف أمام وقائع التحرش أو العنف ضد الطالبات، يأتى عبر إنشاء وحدة لمكافحة التحرش الجنسى والعنف ضد المرأة التى أعلنت عنها الجامعة فى إبريل عام 2014، بهدف توعية المرأة بعدم السكوت عن وقائع التحرش والانتهاكات التى تتعرض لها سواء فى الشارع أو العمل والعمل على حمايتها مما تتعرض له.

ونجد أن البيان التأسيسى للوحدة، المنشور على موقع الجامعة الإلكترونى، قال: «يعد التحرش الجنسى ظاهرة عالمية تشكل خرقا لحق الفرد فى الأمن والأمان. وحتى أمد قريب اعتبر الكثيرون فى المجتمع المصرى التحرش موضوعا حساسا لا يصح الكلام عنه ما دفع العديد من ضحايا هذه الظاهرة للسكوت خشية اللوم أو وصمة المجتمع».

وأضاف البيان «لكن مع بزوغ المد الثورى منذ بداية 2011، بدأ الصمت المحيط بموضوع التحرش الجنسى فى الانحسار نتيجة لتمكين العديد من النساء ومشاركتهن فى هذا المد الثورى، ما جعل من آفة التحرش الجنسى موضوعا لحوار ونقاش مجتمعى».

وأكد البيان التأسيسى لوحدة مكافحة التحرش والعنف ضد المرأة فى جامعة القاهرة أنه «استجابة لمطالب مؤسسات المجتمع المدنى المتمثلة فى مجموعات تهدف إلى مجابهة التحرش، أصدرت الحكومة قانونا يجرم التحرش الجنسى. وقد دفع هذا مجموعة من الأكاديميين المهتمين للمبادرة بتقديم سياسة لمجابهة التحرش الجنسى بجامعة القاهرة شارك فى صياغتها أيضا ممثلون عن الطلاب وبعض مؤسسات المجتمع المدنى الفاعلة فى هذا المجال».

وأضاف البيان «نظرا لالتزام جامعة القاهرة بتوفير بيئة تعليمية يحظى فيها الطلاب والطالبات بالتقدير والاحترام والمساواة فى الحقوق والواجبات، واتساقا مع اتجاهات المشرع المصرى للتصدى لهذا الوباء الذى ينخر فى جذور العلاقات الإنسانية بين أبناء الوطن الواحد، استجابت جامعة القاهرة لهذه المبادرة، وبدأت مباشرة فى تفعيل التدابير اللازمة للوقاية والتوعية، ونشر ثقافة الاحترام والمساواة، وكذلك إنشاء آلية لمناهضة التحرش واتخاذ الإجراءات المناسبة لمساعدة المضار.

وأشارت الجامعة إلى أن هذه المبادرة تعد الأولى على مستوى الجامعات المصرية، قد تشكلت وحدة لمناهضة التحرش والعنف ضد المرأة تشرف عليها لجنة عليا تختص بوضع السياسات وأخرى تنفيذية تشرف على تنفيذ السياسات بالتنسيق مع ممثلين عن اللجنة التنفيذية بكليات الجامعة المختلفة ممن تلقوا تدريبا نفسيا وقانونيا للتعامل مع الشكاوى الخاصة بالتحرش فى المجتمع الجامعى.

ووضع إدارة الجامعة آلية لعمل وحدة «مكافحة التحرش والعنف ضد المرأة»، وطرق عقاب الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، مع التأكيد أن جميع الشكاوى الخاصة بالتحرش والعنف سيتم تحقيقها فورا، تحت إشراف رئيس الجامعة.

بل إن وحدة مناهضة التحرش والعنف ضد المرأة أقامت معسكرات تدريبية لإعداد الكوادر الطلابية لمناهضة التحرش بالتعاون مع وزارة الشباب والاتحاد النوعى لنساء مصر، وتم التخطيط طبقا لما هو معلن بإعداد 10 معسكرات للطلبة سنويا لتدريبهم على مواجهة التحرش والعنف تجاه المرأة، سواء داخل أسوار الجامعة أو فى خارجها.

لكن ما يظهر من كلام ووعود من قبل الإدارة بمكافحة التحرش، يتناقض مع الواقع، وما تكشف عنه الوقائع المسربة ووجود أياد خفية تسعى لسكوت الطالبات عما يتعرض له داخل الحرم الجامعى أو فى قاعات الدرس، وتقديم علاقات الزمالة على ما تنادى به الجامعة بالعمل على محاربة ظاهرة التحرش والعنف ضد المرأة، باعتبارها ظاهرة «خطيرة» تفشت فى المجتمع، لكن يبدو أن كلمات الجامعة تتطابق مع المثل الذى يقول « أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك استعجب»، فى ظل وجود العديد من الشكاوى من الطالبات اللائى يتعرضن للتحرش والعنف، لكن غالبيتها يتم التكتم عليها وتوضع فى الأدراج، لمراعاة مصالح الزمالة، أو تحت مسمى «سمعة الأساتذة» دون النظر إلى حقوق الفتيات، وعلى عكس ما تنادى به الجامعة. حتى يتفاجأ الجميع بتسريب أو قضية تتفجر وتقفز من الأسوار.. وتتحول لفضيحة كما شاهدنا مؤخرا.