محمد مسعود يكتب: الخناقة حارة و«الميت» مواطن

مقالات الرأي



على تجار السياسة والدين أن «يخرسوا»

المواطن تحول إلى فريسة ينهش التجار جيبه ويطمع الأطباء فى «كليته» ويراهن الإسلاميون على إفساد «دماغه»

■ حالات الانتحار لم تعد بسبب الفقر بينما هربا من حضن العذاب إلى حضن الحور العين 
■ رصاصة فى الرأس أو حد سكين يقطع شريان الحياة أو «الشنق».. الطريقة السهلة للخلاص من الكبت والهموم والديون والضغوط

تطاولت الأحزان على حياة، لم ينعم أصحابها بقدر من السعادة، ضاقت سبلهم، وغلقت الأبواب فى وجوههم.. وفاق الألم قدرة البشر على احتماله.

المجتمع الآن، تحول إلى سوق، بدلا من أن يكون فيه المواطن هو المستهلك، أصبح مُستهلكا من الجميع، الكل يرغب فى نهشه وهلاكه، كحمل وسط الذئاب، تاجر بلا ضمير يطمع فى جنيهات قليلة فى جيبه، فيزيد عليه الأسعار ليحصل عليها، وطبيب جشع فى سوق الأعضاء البشرية يطمع فى «كلية أو قرنية»، من جسده الضعيف الواهن، وتاجر الدين يطمع فى «دماغ»، يملأها سموما، ليحوله إلى إرهابى، أو «فتاة ليل» أجبرتها الظروف لتجارة السعادة والمتعة الحرام، بمقابل أغلبهم لا يمتلكه.

بداية من الجيب إلى العقل مرورا ببقية الجسد، صار المواطن المصرى فريسة لصياد شرس، لا منجى منه ولا فرار، مادام الجميع غض الطرف عنه، وتركه وحيدا طريدًا.

فى هذه الحال لن تجد مفرا من أن تجد نفسك أمام شخص أجبرته الظروف على ثلاثة خيارات، إما أن يكون عنصرا إجراميا (قاتل، سارق، مغتصب، متحرش، أو فتاة ليل).. أو دماغًا خصبًا لزراعة أفكار مسمومة تحوله إلى جهادى، إشباعا لغريزة الانتقام من مجتمع قهره (ولو كذبا).

أما الخيار الأخير والأسهل، وهو أن يعلن العصيان على جميع التجار، من تجار اللحوم لتجار البقول.. ومن تجار الدين إلى تجار السياسة، وقبلها سيعلن العصيان على النفس والألم والحزن والضياع، برصاصة فى الرأس، أو حبل خشن تتدلى منه رقبته، أو حد سكين يقطع عنه شريان الحياة.

1- انتبهوا أيها السادة

على كل من يحمل هما اجتماعيا أن ينتبه، ويحذر، فلم تخل صفحات الحوادث فى جميع المطبوعات المصرية من جرائم، على الجميع خاصة خبراء علم الاجتماع والأطباء النفسيين، أن يقفوا عندها ويحللونها.

المجتمع أصبح فى حاجة لمن ينقذه بعيدا عن تأييد المؤيدين لحكومة أورئيس ورفض ومعارضة المعارضين لسياسات الدولة، المجتمع فى حاجة لأن تنتبهوا جميعًا، كى لا ندع الفرصة لمن يرسم لنا الدنيا بقلمه الأسود، ويحرض على قتل النفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق، هربا من حضن العذاب.. إلى حضن الحور العين.

الوجوه متجهمة، كل يفكر فى مستقبله، كيف سيعيش؟، سؤال صعب، ربما كانت إجابته بالخلاص من جميع التجار، لكنه حتما سيفشل، فيكون السؤال البديل.. كيف سأموت؟.. وهنا تكون الخيارات والحلول أسهل.

2- الخوف من المجهول

اقترب من أولاده، ربما ليلقى عليهم نظرة، لم تكن أبدا نظرة اطمئنان، الأقرب أنها كانت نظرة وداع، بعدها دخل إلى المطبخ، ودس السم فى طعامهم جميعا، وجلس ليتناول الطعام معهم، كان يريد أن يموت ويموتوا جميعا، خوفا عليهم من «قرصة»، و«هم»، القرصة يعرفها جيدا، هى قرصة الجوع، والهم يحمله ويعلمه علم اليقين، ولا يريد لهم أن يحملوه من بعده.. لذا فكان قراره بتنفيذ الإبادة الجماعية لأسرته.. خوفا من مستقبل مظلم، وهربا من مارد مخيف اسمه المجهول.

3- الطريق إلى الموت

وضع رسالته الأخيرة، قبل أن يقرر الانتحار بساعات قليلة، لماذا يبكى على هذه الدنيا بعد أن هجرته الزوجة التى أحبها، لم يخش سوى حزن الأم، لكنه يعلم جيدا أنه حزن لن يدوم، وعلى ذلك أوثق الحبل حول رقبته جيدا، قبل أن يتدلى من «جنش» السقف ويصير جثة خلال دقائق قليلة، أمام ابنه الرضيع الذى تركته له الزوجة التى فاض بها الكيل فذهبت إلى غير رجعة.

وضع ابنه فى مسئولية أشقائه، هم مسئولون عنه، مسئولية كاملة، كتب لهم ذلك قبل الانتحار أو بالأحرى قبل أن تخور قواه عن المواجهة.. تركه للدنيا وحيدا وبجواره 20 جرامًا من نبات البانجو المخدر، أما زوجته فقالت إن ضغوط الحياة جعلته يهينها كثيرا، وتحملت لأنها تحبه، لكن لكونها بشرا لم تعد تحتمل فهجرته.. فقرر الانتحار.

4- القادم أسوأ

الحادث الذى وقع فى مدينة الإسكندرية خلال الأسبوع الماضى بين صاحب السيارة الأجرة والسائق الذى يعمل لديه، وجعل صاحب السيارة يرديه قتيلا قبل أن يطلق النار على نفسه، يؤكد للجميع أن الناس أصبحت «روحها فى مناخيرها»، لم يعد أحد قادرا على الجدال، القتل أصبح سهلا.. بلا جلال، مثلما أصبح الحزن سهلا «زى البرد والصداع » كما قال الشاعر العظيم الراحل صلاح جاهين.

الناس فى مصر، تحتاج ليد حنونة تطبطب عليهم، ترفع عنهم أوجاعهم، فى حاجة لأن يفهموا ظروف وملابسات وأسباب ما يحدث ويجرى فى دهاليز السياسة، نعلم أن البلد فى حالة حرب على الإرهاب، وأن الإخوان المسلمين مازالوا يحملون لواء إما أن نحكمكم أو أن نقتلكم.. وأن الرئيس تولى مقاليد الحكم فى ظروف دقيقة، لكننا نعلم أيضا أن المصريين يتحملون المصاعب لكن بشرط أن يفهموا ما يجرى على أرض الواقع دون أن يخرج مسئول قائلا لهم إن الضرر الواقع عليهم «يصب فى مصلحتهم».

لا تتركوا المواطن، فريسة لحصاده التعليمى السيئ أو لفكر راديكالى يهدف للتخريب.. أنقذوا المواطن من التجار.. قبل أن تنقذوا الوطن.