منال لاشين تكتب: مصر تخسر 60 مليار جنيه بعد رفع أسعار الفائدة

مقالات الرأي



■ ارتفاع الأسعار فى مصر ليس ناتجًا عن ارتفاع الطلب على السلع والخدمات ولكنه نتيجة طبيعية لتعويم الجنيه وخفض دعم المواد البترولية والكهرباء

■ شريف إسماعيل فوجئ بالرفع الثانى

■ والحكومة ستعوض عجز الموازنة من جيوبنا


منذ شهرين رفع البنك المركزى سعر الفائدة 2% وسط حالة جدل وعلق رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل بأن الرفع مؤقت، ولكن عندما رفع المركزى الفائدة الأسبوع الماضى 2% أخرى التزم رئيس الحكومة الصمت وتحولت حالة الجدل إلى صدمة ودهشة وغضب، الخاسرون من الرفع المتتالى للفائدة وعلى رأسهم الحكومة والخزانة العامة والمصنعون وقطاع السيارات والعقارات وأنا وأنت.

وكانت لجنة السياسات النقدية قد فاجأت الجميع برفع جديد لسعر الفائدة بـ2% ووصف محافظ البنك المركزى طارق عامر بأن الوضع مؤقت ولكنه لم يذكر وقتا محددا للعودة إلى مستويات أقل من سعر الفائدة، ووصف بيان المركزى القرار بأنه لمحاربة التضخم والحفاظ على قيمة الجنيه.

وبعيدا عن الكلمات المكررة والأفكار النظرية وتوصيات صندوق النقد بعيدا عن هذا وذاك فإن قرار رفع الفائدة مرتين وبـ4% هو قرار سندفع ثمنه جميعا حكومة وأهالى، سندفع ثمنه الآن وفى المستقبل، سنكتوى بلدغاته الحادة المؤلمة دون أن نذوق عسله.


1- ضربة للحكومة

عندما خفضت الحكومة الدعم عن المواد البترولية ورفعت أسعارها أعلنت المالية أن القرار يوفر للخزانة حوالى 40 مليار جنيه، ولكن ما وفرته الخزانة بيد رفع الدعم، خسرته وأكثر بيد البنك المركزى، والخسائر فى رفع الفائدة 4% تتجاوز رقم الأربعين مليارا التى حملتها لنا الحكومة، طبقا لظروف مصر المالية واستدانة الخزانة الدائمة والمستمرة من البنوك فإن الخسائر تبلغ نحو 60 مليار جنيه، فكل زيادة فى سعر الفائدة بمقدار 1% يكلف الخزانة زيادة فى فوائد سندات وأذون الخزانة بـ15 مليار جنيه، وذلك نتيجة ارتفاع حجم استدانة الحكومة من البنوك من خلال سندات وأذون الخزانة، وبالطبع لو حسبت الحسبة بزيادة الفائدة 7% منذ نوفمبر الماضى، فإن الرقم سيصل إلى أكثر من 100 مليار جنيه، ولكننى لم ادخل رفع الفائدة فى نوفمبر، لأن رفع سعر الفائدة كان إجراءً ضروريا أو بالاحرى حتميا، فمن البديهى رفع سعر الفائدة بعد قرار تعويم الجنيه، ولكن الرفع الثانى والثالث بـ4% محل جدل وتساؤل، وبالنسبة لى على الأقل محل رفض، وتبرير رفع سعر الفائدة المتتالى بمحاربة التضخم وارتفاع الأسعار كلام نظرى بحت، بل إن أى تحليل متعمق للسوق المصرى يكشف أنه تطبيق خاطئ للنظريات.


2- أصل البلاء

فى الأسواق الرأسمالية تحدد نظرية العرض والطلب الكثير من قرارات الحكومة والبنك الفيدرالى (المركزى)، ويقوم البنك المركزى برفع سعر الفائدة إذا زادت الأسعار وارتفع التضخم، وذلك لأن ارتفاع الأسعار يكون ناتجا لزيادة الطلب على السلع والخدمات فترتفع الأسعار نتيجة لزيادة الطلب، والحل أن يقوم المركزى برفع سعر الفائدة ليحفز الناس على التوفير من خلال البنوك بدلا من إنفاق أموالهم فى الشراء، لان المواطن سيحصل على فائدة أكبر على الودائع، ولكن فى مصر نحن أمام حالة مختلفة جدا، فارتفاع الأسعار والتضخم حدث نتيجة تعويم الجنيه وقرارات تخفيض الدعم عن المواد البترولية، فقرار التعويم زاد سعر الدولار بنسبة 120%، وهو الأمر الذى أدى لزيادة أسعار السلع التى بها مكونات مستوردة، وبالمثل خفض الدعم على المواد البترولية أدى إلى زيادة أسعار نقل السلع، ونتيجة لهذه الزيادات الهائلة مع سوق غير مراقبة أصبح المواطن يعانى، وأغلب المواطنين يشترون احتياجاتهم بالعافية، ولذلك فإن رفع سعر الفائدة لم يكن ضروريا، لأن ارتفاع أسعار السلع والخدمات فى مصر ليس له ادنى علاقة بزيادة الطلب عليها، وارقام الشركات المسجلة بالبورصة تؤكد انخفاض كميات الإنتاج والمبيعات على حد سواء لكثير من السلع الغذائية.

من ناحية أخرى فإن استجابة البنوك لقرار رفع الفائدة صغير وغير مؤثر على الودائع، لأن أكبر رفع للفائدة على الودائع حدث فور التعويم وأصدر كل من بنكى الأهلى ومصر شهادات بعائد 20% و16%، ولذلك فالرفع فى الفائدة على الودائع سيكون على الشهادات قصيرة المدى وبنسب منخفضة، وذلك بالمقارنة بمستوى التضخم وارتفاع الأسعار، ويعلم أى موظف شاب فى البنوك أن نسبة كبيرة من أصحاب الودائع فى القطاع العائلى يفضلون الودائع طويلة ومتوسطة الأجل، ولهذا فنحن أمام وضع لم ولن يستفيد منه معظم أصحاب الودائع.


3- فاتورة خسائر

فى مقابل الاستفادة المحدودة لأصحاب الودائع من قرارى رفع سعر الفائدة، فإن فاتورة الخاسرين طويلة، دعك من خسارة الحكومة لـ60 مليارا لو استمر رفع سعر الفائدة لمدة عام، فأصحاب المصانع والمستثمرون على قائمة الخاسرين، لأن سعر فائدة الاقتراض للمشروعات تقترب من 20% وهى نسبة كبيرة تجعل كل مستثمر يفكر ألف مرة قبل بدء مشروعه أو توسعات للمشروعات القائمة، ولكن المشكلة الأكبر والأخطر أن هذه النسبة سترفع سعر السلع التى تنتجها هذه المشروعات، وسندفع نحن المستهلكين فاتورة الزيادة فى إنتاج السلع، بالإضافة أنه من المتوقع أن تعوض الحكومة خسائرها هى الأخرى برفع أسعار الخدمات على المواطنين، والحجة مواجهة عجز الموازنة.

وهناك قطاعات بعينها أكثر تأثرا أو بالأحرى تضررا بقرارى رفع الفائدة، وهذه القطاعات تعتمد بشكل كبير فى تسويقها على نظام التقسيط من خلال البنوك، وعلى رأس هذه القطاعات قطاعا السيارات والعقارات، وكلنا نعلم حجم الركود فى قطاع السيارات، أما العقارات فسيرتفع ثمنها اكثر واكثر نتيجة رفع أسعار الفائدة.

بعيدا عن القطاعات الاقتصادية فكل مواطن كان يخطط لشراء بيت أو شقة أو سيارة بالتقسيط انضم إلى قائمة الخاسرين من قرارى رفع سعر الفائدة، ولا يحتاج الامر لذكاء شديد أو دكتوراه فى الاقتصاد لمعرفة الطبقة الاكثر تضررا من هذه القرارات، كلنا نعرف اسم الطبقة التى تتعرض للاضطهاد والظلم والاستهداف، كلنا ندرك الطبقة التى يتم سحقها بكل القرارات، كلنا نعرف أن الطبقة المتوسطة هى التى تشترى السيارة والشقة بالتقسيط، فهذه الطبقة لم تستفد من رفع سعر الودائع لسببين، الاول انها فى الغالب لم تعد تملك ودائع، والسبب الثانى أنها تفضل الاستثمار فى الودائع طويلة أو متوسطة الأجل لانها طبقة تميل إلى الاستقرار.

وقد سمعت أحد الخبراء المؤيدين لقرار رفع سعر الفائدة يرد على نقطة رفع سعر الفائدة على السيارات بقول غريب، فقد قال الخبير معلش الطبقة المتوسطة تنتظر معانا شوية ولا تشترى سيارة الان، وأحب أقول لهذا الخبير ولمحافظ البنك المركزى طارق عامر، إن هذه الطبقة لا تشترى سيارة الا فى الشديد القوى، وعندما تتوقف سياراتها القديمة عن العمل، وأحب أيضا أقول لمن يردد أن السيارة للطبقة المتوسطة رفاهية، يارب تتحبس أو بالاحرى تتحشر فى أتوبيس عام أو فى المترو فى عز حر يوليو وأغسطس كام ساعة.

وأما بالنسبة لمن يردد حكاية أن قرار رفع الفائدة مؤقت فأحب أفكره بعدة قصص موحية ومعبرة.

فقد اكد المحافظ طارق عامر قبل ذلك أن من حقه أن يقول معلومات غير صحيحة لمصلحة العمل، وذلك عندما أكد أنه لم يرفع سعر الدولار، ومرة ثانية قال إنه كان بيقول نكتة لما قال إن الدولار هيبقى بـ4 جنيهات، ولذلك حكاية أن الرفع مؤقت بلا أي ضمان، وممكن رفع سعر الفائدة يستمر أكثر من سنة، وساعتها المحافظ ممكن يقول لنا: كنت عامل لكم مفاجأة.