رامي المتولي يكتب: الأصليين.. تجربة ناجحة أضرها تسطيح الفكرة

مقالات الرأي



انطلاقًا من أزمة الهوية وتحول المجتمع المصرى من منتج لمستهلك بشكل ربما يراه البعض مبالغًا فيه بينما يراه آخرون سلوكًا طبيعيًا نتيجة العولمة وهيمنة النظام الرأسمالى على العالم بكل قيمه يبدأ فيلم «الأصليين» بمشهد افتتاحى يبدو من خلاله سمير عليوة «ماجد الكدوانى» ضئيلًا وسط المنتجات التى يسير بجوارها بهدوء يدفع أمامه عربة تسوق مليئة بالبضائع ويحادث زوجته ماهيتاب «كندة علوش» ليسأل هل هناك طلبات نسى أن يجلبها، المفارقة أنه عند عودته للمنزل وبعد كمية البضائع المشتراة التى لا تفوق استهلاك عائلة من أربع أفراد بالتأكيد، تطلب منه زوجته أن يطلب بيتزا «ديليفرى» «جانك فوود» الذى يعد أهم رموز الثقافة الاستهلاكية فى العام، بهذين المشهدين يبنى المخرج مروان حامد رؤيته بمنتهى البساطة وباستخدام معادل بصرى عن الحوار الذى كتبه أحمد مراد تقييمه الفنى جيد جدًا وأيضًا قاعدته الأساسية فى الفيلم والتى ستمثل نقطة الصراع الأكثر أهمية دون الخوض فى الكثير من التفاصيل.

الحقيقة أن اللغة السينمائية والاعتماد على الصورة بشكل أساسى لم ينقطع أو تقل جودته طوال أحداث الفيلم والمسئول الأول عن ذلك هو مروان الذى عبر بشكل ذكى عن الكثير من التفاصيل بشكل لا يختلف عن أى فيلم عالمى، أبرز ترجماته البصرية لروح السيناريو هى شكل الجسد الذى ظهر به المصريون القدماء فى المشاهد التى صاحبت محاضرات ثريا «منة شلبي» وبين الشكل الذى وصل له المصريون ممثلين فى سمير وماهيتاب اللذين تتركز الدهون فى أجسادهما كمؤشر للكسل والاعتماد على الأكلات السريعة دون بذل أى مجهود على الرغم من كون سمير رياضى سابق إلا أنه ترك كل ذلك من أجل حياة استهلاكية حتى على المستوى الوظيفى الذى ما أن انتهت صلاحيته حتى جرى استبداله بمنتهى السهولة بنموذج أنثوى معدل أصغر سنًا وأكثر حيوية.

المقارنات الكثيرة فى الفيلم والتى جرى التعبير عنها بصريًا لم تقف عند هذا الحد بل تخطت للمقارنة بين العمارة القديمة وجمالها وخصوصيتها والعمارة الحديثة وحتى الأخيرة تحمل بداخلها مقارنة فمنزل سمير يعبر بشدة عن نمطه وطريقته فى الحياة خلافًا لثريا التى على الرغم من انتماء منزل كل منهما فى الديكور الداخلى لـ»ستايل» واحد لكنهما مختلفان تمامًا، يظل سمير استهلاكيا معبأ بما لا يحتاجه فى حين تحيط ثريا نفسها بما تحتاجه فقط وحولها مساحة واسعة لتتحرك وتعيش بحرية.

اختيارات الممثلين للأدوار ممتازة على الرغم من التشكك عند سماعها للمرة الأولى، فوجود كندة فى شخصية ماهيتاب ربما يجعل البعض يتشكك فى قدرتها على تقديم الشخصية بشكل جيد ليس لكونها غير قديرة بذلك لكن لأن الشخصية مختلفة جدًا وتفشل بعض الممثلات المصريات فى تقديمها، الحفاظ على الخط الواصل بين الفتاة الغنية المدللة المادية لأقصى درجة المهتمة بالموضة والمظهر وفى نفس الوقت لها أصول اجتماعية أقل يظهران بشدة فى تصرفاتها وطريقتها فى النطق، كندة جسدت ابنة طبقة ثرية لكنها ليست أصيلة فى الثراء وفى مقابلها سمير ابن الطبقة البرجوازية التى لا تملك من المال الكثير لكن لتربيته شكل آخر مختلف عن ماهيتاب.

خالد الصاوى أيضًا إضافة مهمة، لم يهمل فى رسم الشخصية التى يقدمها ولم يبالغ فى أدائه كما هو الحال مع الكثير من أعماله التى قدمها مؤخرًا، توجيهات مروان حامد واضحة بشدة لتحكم شطحاته الفردية المفاجأة فى تقديم الشخصيات والتى تفسد الشكل العام لما يطل به على الجمهور على الرغم من موهبته وحضوره الطاغيين، وعلى غير المتوقع تأتى منة شلبى بأداء أقل مما هو متوقع لكن السبب الرئيسى فى ذلك يرجع للسيناريو الذى حمل هذه الشخصية تحديدًا مسئولية الخطابة ومنح الفيلم صراعه الأساسى بالشكل الذى لم يمكنه من تقديم بصمتها على ثريا لأن لسانها مبرمج على المونولوجات الطويلة.

المونولوجات الطويلة ليست آفة سيناريو وحوار مراد الوحيدة، لكن الأزمة الأكبر هى تسطيح الفكرة الرئيسية الهادفة لمقارنة كبرى بين ما كان عليه المصريون القدماء وما أصبحوا عليه ولكن ليس عن ضعف أو خطأ من مراد على العكس أضاف تفصيلة غرائبية كعادته فى رواياته كان من شأنها لو سلط عليها الضوء بشكل كافٍ لصنعت حيوية أكثر فيما يتعلق بتناول الفكرة، ألا وهى الاستخدامات غير المعتادة لزهرة اللوتس وربط اللون الأزرق بالحضارة القديمة، لكن الظن الأغلب أن الصناع لم يرغبوا فى تعميق الفكرة وعرضها بشكل متعدد فى مستويات قراءته سواء فى الحوار أو اللغة السينمائية حتى لا يقعوا فى فخ ما يطلق عليه الكثيرون «فيلم المهرجانات» وفضلوا أن تبدو الفكرة واضحة ومباشرة لتصل إلى أكبر قدر ممكن من الجمهور خاصة أن عرضه يبدأ فى موسم عيد الفطر أحد أهم المواسم السينمائية تجاريًا إن لم يكن الأهم، لكن هذا الاختيار تحديدًا هو ما أثر على الفيلم سلبًا وجعل الشريحة الرئيسية التى يهمها الفيلم ترى الحوار ومعالجة الفكرة ككل العنصر الأضعف وأثر سلبًا على تلقى الفيلم ككل، وكما هى العادة لم يهتم قطاع كبير من الشريحة التى يحاول الفيلم استهدافها بالفيلم وتوجهوا ناحية فيلم الحركة الذى يفضلونه، فأصبح الفيلم كمن رقص على السلم بين الشريحتين، لكن على الرغم من هذا العيب فى واحد من أهم عناصره إلا أن فيلم الأصليين يتميز بكونه يخرج عن السياق التقليدى فى تناول الفكرة، ويحمل أفضل خدع بصرية وتصميم إنتاج ليس فقط هذا العام بل منذ فترة طويلة ماضية.