هل الحكومة المصرية مستعدة لاسترداد ملايين المصريين العاملين في السعودية وتوفير أعمال بأجور كريمة لهم داخل مصر؟ الجواب: “لا”

أحمد سامي يكتب: يا زينب البحراني "الله يرحم التكية"

مقالات الرأي

بوابة الفجر


قرأت مقالًا لكاتبة سعودية، تدعى زينب علي البحراني، تحت اسم "ما يعرف ولا يقال"، أوضحت من خلاله دوافع تنازل مصر عن جزيرتي "تيران وصنافير" لصالح المملكة العربية السعودية، جاء في بعضه: (إن جزء من الشعب المصري يرتدي ثوب "الثائر لكرامة أرضه"، ثم سرعان ما ينسى الأمر عندما يلمح "عقد عمل" في السعودية! أدرك أن ما قلته الآن، يبدو حساسًا وجارحًا لكثيرين، لكنها الحقيقة، وما لم يواجهها الإنسان المصري بعيدًا عن الازدواجية في التعاطي مع الأحداث لن يجد حلًا لتلك الأزمات المتصاعدة).


الكاتبة أوضحت أن كلامها واقعي جدًا ويجهله المصرييين، فيما يتعلق بعوز مصر الدائم للملكة، ومساعداتها الاقتصادية، وأن آلاف المصريين يعملون في السعودية وستكون كارثة لو عادوا إلى مصر، ولكن أقرت فيه بأن المملكة استغلت ظروف مصر الصعبة وأغدقت عليها المليارات للحصول على شيء ليس من حقها، وهو ما أثبتته كل الخرائط والوثائق التاريخية التي انتهت إلى مصرية "تيران وصنافير" أمام المحكمة الإدارية العليا في مصر.


للأسف المقال وإن كان جارحًا بشكل صعب لكل مصري، لكن حالفه بعض الصواب، ألا وهو أننا فعلا في حاجة الآن، إلى السعودية - ولكل دولة عربية تستطيع أن ترد ولو جزء صغير مما قدمته مصر لها - نعم كثير من المصريين يعملون هناك، وستكون كارثة لو عادوا إلى مصر الآن، بظروفها الحالية، ولكن يبدوا أن الكاتبة تناست عن عمدًا أو تجهل ما قدمته مصر للمملكة، طوال التاريخ الماضي، قبل أن ترانا في هذه الحال، وتخبرنا بشيء لا نجهله، وهو احتياجنا المؤقت حاليًا للسعودية.


(هل الحكومة المصرية مستعدة لاسترداد ملايين المصريين العاملين في السعودية وتوفير أعمال بأجور كريمة لهم داخل مصر؟ الجواب: “لا”، هل ملايين العاملين في السعودية مستعدين للعودة والاستقرار بشكل دائم في مصر وترك حياتهم إلى الأبد في السعودية؟ الجواب: “لا”، هل حقا أعمال المصريين في السعودية كلها مهمة ولا يمكن للشعب السعودي أو الاقتصاد السعودي الاستغناء عنها؟ أنا كمواطنة سعودية أعرف الظروف لدينا جيدًا وأراها من قلب الحدث أقول لكم: “لا”، كثير من المهن التي يعتاش عن طريقها المصريون في السعودية كالطب والتمريض والهندسة والتدريس والتصميم الجرافيكي والاستقبال والفنادق والسواقة صارت مكتظة بالسعوديين وصولاً إلى مرحلة البطالة لا سيما في المدن الكبرى، وما فتح أبواب استقدام العاملين من مصر إلا في إطار اتفاقات سياسية تساعد بها الحكومة السعودية حكومة مصر على تجاوز الأزمة وليس لاحتياج حقيقي في سوق العمل).. واصلت الكاتبة كلامها الصادم والواقعي في الوقت ذاته، لإيضاح أن تنازل مصر عن الجزيرتين لم يكن بسبب تبعيتها للسعودية، كما استماتت الحكومة المصرية لإثبات ذلك، - ولن أخوض هنا في ما استندت إليه محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، لإثبات مصرية "تيران وصنافير" ولا بشهادات قادة الجيش المصري "السابقين" لإثبات مصريتهما - ولكن لتقول إن التنازل كان من مصر لإغلاق أبواب جهنم عنها بطلب المملكة المليارات التي ساعدت بها مصر، أو كف أذاها عن القاهرة بعدم طرد المصريين العاملين هناك.


الكاتبة لم تكتفِ بهذا الكلام، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، ولخصت كل ما يحلم به أي مواطن مصري الآن، ألا وهو ترك البلد، والسفر إلى الخارج أو بمعنى آخر، كما حدث في فيلم "عايز حقي" عندما فتح هاني رمزي مزادًا علنيًا لبيع نصيب كل مواطن مصر من الأرض، وقالت: (لو تم دفع مليار لكل مواطن مصري مقابل أن يترك مصر، ويتخلى عن الجنسية المصرية، ويأتي للإقامة في السعودية مقابل أن تأخذ السعودية مصر كلها وتسجلها باسمها هل سيرفض كل المصريين ذلك أم سيقبله أكثرهم ويرفضه أقلّهم؟ أترك الجواب لكم، هذا الجواب الذي تعرفه الحكومة السعودية جيدًا من خلال خبرتها بتجارب سابقة مع المصريين، لذا يبدو لكم أن إعلامها "غير مهتم").


اختتمت الكاتبة مقالها بقولها (مصر كانت بحاجة إلى دعم مالي، والسعودية سئمت من دفع الأموال دون مقابل، وكان لا بد من اتفاقية تحل المشكلة، وهكذا كان ما كان).


كلام الكاتبة لا يوجد أي رد عليه سوى تذكريها بأنه من الخطأ أن نقيم مصر في هذه الفترة، دون الاستناد إلى الحقائق التاريخية التي تؤكد الكثير، الذي قدمته القاهرة للرياض، ولكل الدول العربية، تناست الكاتبة الفترة التي كانت فيها مصر أجود ما يكون كالرجل الكبير الذي ينفق بسخاء، بلا امتنان، يقدم التضحيات المتوالية دون انتظار للشكر.


تناست الكاتبة أن جامعة القاهرة، وحدها علَّمَت نحو مليون طالب عربي، سعوديين وإماراتيين وكويتيين وقطريين ومازالت، ومعظمهم بدون أي رسوم دراسية، بل وكانت تصرف لهم مكافآت التفوق مثلهم مثل الطلاب المصريين؟.


تناست الكاتبة أن أول طريق مسفلت إلى مكة المكرمة، كان هدية من مصر؟، أم تناست دور الأزهر الشريف - قديمًا وليس الآن، أفاقه الله من سباته – في خدمة الإسلام والمسلمين؟.


أم تناست دور المصريين في المملكة، والذين لم يكونوا أبدًا عالة هناك، بل هم من ثبتوا أركان المملكة وساهموا بشكل كبير بخبراتهم في المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والرياضية وغيرها، حتى أصبحت المملكة ما هي عليه الآن، حتى وإن أصبح لديها اكتفاء ذاتي من العمالة السعودية، وإذا سألت هنا: ماذا لو لم تكن المملكة غنية وليس لديها مالًا ولا بترولًا؟ هل كانت لديكم الشجاعة لتقولوا ذلك الآن، أو تطالبوا حتى بجزر أو غيره، أو حتى تتكلموا بهذه النبرة المتكبرة؟ بالطبع "لا".


أم تناست الكاتبة، "التكية" المصرية إلى المملكة، التي تسابق عليه أفراد الأسرة العلوية بدءًا من محمد علي باشا وحتى الملك فاروق؟، والذي يقول فيها يقول إبراهيم رفعت باشا قومندان حرس المحمل المصري في عام ١٩٠١ وأمير الحج في سنوات ١٩٠٣ و١٩٠٤ و١٩٠٨ في كتابه "مرآة الحرمين": (التكية المصرية هي من الآثار الجليلة ذات الخيرات العميمة، وأنها نعمت صدقة جارية لمسديها ثواب جزيل وآخر عظيم ، وقد أنشأها ساكن الجنان محمد على باشا رأس الأسرة الخديوية في سنة ١٢٣٨ هجرية كما هو مسطور بدائر القبة بوسط التكية تظل الصنابير "الحنفيات" التي يتوضأ منها الناس والتكية بشارع أجياد مكان دار السعادة، ويرد إليها من الفقراء في الصباح والمساء، فيتناول الفقير في كل مرة رغيفين وشيئا من "الشربة" وربما أعُطي أكثر من ذلك، إن كان فقره مدقعًا، وكثير من نساء مكة وحواريها الفقراء يتعايشن بما يأخذن ويكتفين بذلك عن مسألة الناس، ويُصرف يوميًا من الخبز ما يقرب من ٤٠٠ أقة و١٥٠ أقة من الأزر، وفي يوم الخميس تزداد إلى ٤٢٠ أقة ويصرف في هذا اليوم فقط ١٠٠ أقة من اللحم والحمص، ويصرف من السمن ما يكفي لطبخ هذه المقادير والفقراء، يزداد عددهم حتى يبلغ ٤٠٠٠ شخص وذلك من شهر رمضان حتي آخر ذي الحجة، لورود كثير من الفقراء الحجاج السودانيين والمغاربة ثم يتناقص العدد إلى ٤٠٠ تقريبًا. 


ليس هذا وفقط، بل كانت هناك تكية أخرى إلى المدينة المنورة، أنشأها إبراهيم باشا بن محمد علي، ويبلغ طولها 89 مترًا وعرضها 50 مترًا وزودها بالمخازن والأفران والمطابخ ورتب لها المؤونة تأتيها من مصر من القمح والأرز واللحم، وفي عهد سعيد باشا ابن محمد على زاد الاهتمام بتكية المدينة المنورة، فأصدر تعليماته بزيادة الكميات المرسلة من اللحم والأرز والغلال على أن تُجمع النقود اللازمة من إيراد بعض أملاكه الخاصة، كما أوقف مساحة كبيرة من أرضه الزراعية لأعمال الخير في التكية.


وفي الكتاب نفسه، يضيف إبراهيم رفعت باشا أن بعض الإحصائيات قالت إن الإنفاق على تكيتي مكة والمدينة بلغت عام ١٩٠٩، ما يقرب من ١٩٦٠ جنيهًا من ضمن إجمالي نفقات مصر في الحرمين والتي بلغت ٥٠ ألف جنيه – وهو مبلغ كبير وقتها -.


لا شك أن هناك الكثير من المساعدات التي قدمتها مصر إلى السعودية قديمًا، وما زالت حتى الآن، وليس شرطًا أن تكون مادية، بل هي معنوية وأهمها أنه لو انتهت مصر لانتهت كل الدول العربية، ولن يشفع لها هنا مالها الذي تنفقه للحصول على ما تريده الآن، أو بترولها الذي لا بد وأن يحين وقت فنائه.


أعتذر إن كان كلامي جارحًا لأي أخ سعودي، ولكنه هو رد طبيعي على وجهة نظر سعودية، جرحت المصريين أيضًا وأهانتهم، ولا ختام لهذا المقال، إلا بجملة واحدة تلخص رد 90 مليون مصري، على مثل هذه المقالات، التي لا وصف لها إلا أنها "ازدراء للمصريين" الذين بلغ خيرهم على دول الخليج عنان السماء، وهي "الله يرحم التكية".