ميادة عبدالعال تكتب: ثورة إرادة أم ثورة كرامة

ركن القراء

ميادة عبدالعال
ميادة عبدالعال


كانت ثورة 25 يناير نتيجة طبيعية لبلوغ الاستهانة بكرامة المصريين مبلغاً هائلاً ووصول الظلم والفساد إلى مستوى غير مسبوق، الأمر الذي دفع قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى المحافظة بطابعها في مصر إلى البحث عن التغيير.

وحدث ذلك من دون أي تخطيط أو إعداد، إذ تحولت تظاهرات بدأت محدودة، وكان سقفها عزل وزير داخلية أمعن في استباحة كرامة الناس إلى ثورة عارمة هدفها إسقاط الرئيس الذي لم تكفه 30 عاماً في السلطة، فأخذ يعد لتوريثها إلى نجله.

وكان طبيعياً أن تتعثر ثورة لم يكن أحد ممن شاركوا فيها مستعداً لها، وأن تتخبط في مسارها نتيجة تجفيف منابع السياسة، وتجريف الاقتصاد والمجتمع، على مدى عقود. ولم يمكن غريباً، والحال هكذا أن تتصدر جماعة «الإخوان المسلمين» المشهد اعتماداً على تنظيمها الكبير القادر على ملء الفراغ بعد أن أتاحت لها صفقات عدة مع نظام مبارك، ومن قبله أنور السادات، تغلغلاً في المجتمع زين لقيادتها القفز على الثورة.ولم تجد القوى الديموقراطية، وغيرها مما تُسمى «مدنية»، خياراً إلا التصدي لهذا السطو على ثورة لم يكن لمن قفزوا عليها إلا دوراً محدوداً فيها.

فكان تشكيل «جبهة الإنقاذ الوطني» في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 تعبيراً عن تبلور معارضة قوية لسلطة «الإخوان» ولم يمض على دخول الرئيس المنتمي إليها القصر خمسة شهور. وخاضت تلك الجبهة نضالاً ديموقراطياً واضحاً في سعيه إلى تصحيح مسار الثورة، حتى آخر ابريل 2013 حين ظهر ما أُطلق عليه حملة «تمرد» التي أُثيرت شبهات بعد ذلك عن علاقة بعض مؤسسيها (وليس كلهم) بقوى مضادة للثورة.

وأخفقت كل المحاولات التي بُذلت في الأيام السابقة على 30 يونيو من أجل تجنب صدام كسر عظم عبر مشاريع عدة لحلول سياسية. ولذلك كان نزول أعداد كبيرة من المصريين إلى الشوارع في 30 يونيو تطوراً طبيعياً.

تتحول المسيرات إلى كتلة بشرية هائلة مثل كرة الثلج التي يزداد حجمها كلما تدحرجت من فوق الجبل, ثم صبت بشكل حضاري - دون عنف أو ابتذال- مخزونها الثوري في ميدان التحرير ثم قصر الاتحادية. وفي المحافظات, لم يكن المشهد بعيدًا عن حالة الغليان الثوري, إذ لم تقتصر على المظاهرات الحاشدة المنددة بالنظام والمطالبة بإسقاطه, بل تخطى الأمر إلى حد فرض العصيان المدني, حيث تمكن المتظاهرون في الدقهلية وكفر الشيخ والمنوفية والشرقية والقليوبية من حصار مباني المحافظات والمباني الحكومية وإغلاقها بالجنازير وطرد محافظي الإخوان حتى يسقط النظام.وانطلقت الشرارة فى كل محافظات مصرثورة شعبية بامتياز عبرت عن الغالبية العظمى من الشعب المصري، عدا من ينتمون إلى تيار الاسلام السياسي والقلة القليلة المتعاطفة معهم، والتي تآكلت بعد عام واحد من حكم الجماعة المتهافت على السلطة والذي كاد يودي بالبلاد والعباد.

ثورة 30 يونيو التى غيرت وجه العالم كله وأثبتت أن الوعى المصرى ليس له مثيل.. قد حركت الماء الراكد فى هذه الدول الشقيقة لكى تعيد حساباتها وحتى لا تتحول الثورات العربية إلى كابوس عربى يتمكن من تدمير الشعوب وتحقيق آمال المستعمر الصهيونى.. هكذا كانت الثورة المصرية من القوة بحيث أصبحت قدوة أمام شقيقاتها فى البلدان العربية.. أصبحت منبراً لإعلاء قيم الحرية والديمقراطية الحقيقية بعيداً عن الأكاذيب ومغالطة أحلام الشعوب، واللعب على مشاعرهم..

فبينما هم يتحدثون عن القيم والدين والتقاليد نرى أن ما يفعلونه هو لخدمة الصهيونية فى مثل هذا اليوم أعلن الشعب عن وعيه الحقيقى والذى معه لا يمكن أن يتراجع إلى الخلف أبداً.. لا يمكن أن يخدعه أحد ولا يمكن أيضاً أن يكون مهدداً أو محاصراً أو يعيش فى رعب مستمر..

يوم 30 يونيو 2013 سيظل شاهداً على أعظم ثورة مصرية وربما على مستوى العالم لم يعد أحد يمكنه أن يشكك فى وعى المصريين، ولهذا فإن كل المعطيات تؤكد أنناقد تفوقنا على أنفسنا وأننا فى هذا التحدى أمام التاريخ والحضارة إنما نستجيب لنداء الضمير.. إن ما قدمه عبدالفتاح السيسى.. للشعب المصرى فى هذه الثورة هو إنجاز لا يقل بأى حال من الأحوال عن الإنجاز الذى قدمه جنود أكتوبر إلى الشعب المصرى فى العاشر من رمضان عام 1973.. لقد استجاب «السيسى» لإرادة الشعب المصرى ولرغبته فى الخروج من هذا الكابوس الكبير. لقد تحمل «السيسى» ما لم يتحمله مسؤول من قبل.. أيام عصيبة وقرارات خالدة.. ما حققه السيسى هو مطالب ثورة شعب، خرج ليطلب الحرية والحياة والعيش الكريم.