محمد جودة يكتب: تفاهمات "دحلان - حماس" في القاهرة .. غزة أولاً!

ركن القراء

محمد جودة
محمد جودة


لقد شكلت تفاهمات "دحلان - حماس" التي رعتها الشقيقة مصر مؤخراً خطوة سياسية مفاجئة وهامة جدا للفلسطينيين وفي ذات الوقت صادمة للقيادة الفلسطينية وعلي رأسها رئيس السلطة محمود عباس ٬ فقد شكلت هذه الخطوة ضربة لمخططات عباس وسلطته في رام الله لتركيع غزة وإغراقها في الظلام ولو ستُنار هذه البقعة الجغرافية يوميا لمدة ساعة واحدة بالوقود المصري ، فهذا حتماً سيسجل في صفحات التاريخ لغزة كانتصار.

قبل عدة أسابيع وفي إطار اجراءات السلطة الفلسطينية التي اتخذتها تجاه قطاع غزة بهدف الضغط علي سكانه لينتفضوا في وجه حركة حماس من أجل تسليم حكمها للسلطة والتنازل عنه ٬ خرج علينا مسؤول في السلطة وهو عضو لجنة مركزية في حركة فتح بعبارة " يا بنشيل يا بتشيل " ٬هذه العبارة التي هي أشبه إلي حد قريب من لغة التجار حينما يتنافسون لشراء بضاعتهم من السوق٬ هي خطيرة بأبعادها ومعناها لو نظرنا لها ضمن المفهوم السياسي والذي أطلقه  لسان ذاك المسؤول ٬ وقد تفضي سياسياً  للشعرة الفاصلة بين الانقسام كحالة فلسطينية موجودة وقائمة منذ قرابة العشرة سنوات ونيف بكل تبعاته وملحقاته وتكلفته وما بين الانفصال التام والكلي عن غزة كجزء من الوطن ٬ بمعني آخر هي رسالة قاطعة من ذاك المسؤول لحركة حماس التي تسيطر علي قطاع غزة بأن تختار ما بين أن تشيل وتحمل هموم القطاع ومشاكله وقضاياه بمفردها٬ أو أن تأتي هذه الحركة ذليلة راكعة لمطالب رئيس السلطة محمود عباس وحركة فتح وبالتالي هم من يشيلوا ويتكفلوا بهموم ومشاكل غزة .

لاشك أن الغالبية العظمي من الشعب الفلسطيني ومثقفيه وسياسييه وكتابه واعلامييه يدركون جيداً أن حركة حماس لن تقبل بتسليم حكمها كاملاً لأي طرف لأن ذلك يعني نهايتها ٬ كما أن حركة حماس لن تستطيع أن تشيل وتحمل هموم قطاع غزة بالمطلق٬ وأن الواقع الحالي يقول أن غزة ومشاكلها وهمومها وقضاياها لن يستطيع طرف واحد حمله أو المقدرة عليه٬ وأن قطاع غزة بحاجة لشراكة وطنية حقيقية بين كل الاطراف الفلسطينية ٬ وهو يمثل نحو٤٠ ٪ من الشعب الفلسطيني حسب اخر احصائية للإمم المتحدة.  

صحيح أن حركة حماس تعيش الآن في ورطة وأزمة كبيرة في إدارتها لغزة والتفرد بحكمها وهي في وضع معقد وغاية في الصعوبة ٬ لاسيما بعد سقوط حلم الخلافة و تراجع الإخوان المسلمين على صعيد الإقليم وتحولهم إلى جماعة إرهابية مطاردة عربيا ودوليا٬ وأيضا بعد المقاطعة العربية لدويلة قطر الحيلف والداعم لحركة حماس ٬ لذلك تبحث حركة حماس عن مخرج من أزمتها بأقل خسارة ممكنة ٬ مخرج يحافظ علي وجودها وحكمها ولو بالشراكة ٬ ففي نظر حماس الغريقة جاء القيادي محمد دحلان طوق نجاة لها ولمشاكل حكمها وأزمتها في غزة وفي نظر سكان القطاع فإن القيادي دحلان هو المنقذ الحقيقي لهمومهم ومشاكلهم وإخراجهم من الظلم الواقع عليهم ٬ بعدما ضاقت بهم كل السبل للخروج من معاناتهم وحياتهم الكارثية التي فرضها عليهم واقع الانقسام ٬  هذا في الوقت الذي باتت كل المؤشرات تنذر بأن إنفجار القطاع أصبح في حكم المؤكد في أي لحظة إذا استمر الوضع علي ما هو عليه ٬ وأن الخاسر من ذلك ليست حركة حماس وحدها بل كل الأطراف الفلسطينية  .

إن المشهد الحالي رغم صعوبته وقسوته ورغم الكثير مما يقال فيه ٬ إلا أن الحالة الفلسطينية تتطلب من كل الأطراف التفكير جدياً بالخطر المحدق بالقضية الفلسطينية وما يعصف بمستقبلها ٬ وأن نعترف بأن الانقسام الفلسطيني أضر بقضيتنا وشعبنا حد النكسة ٬ وأن محاولات فرض القوة والاستعراض والهيمنة والعناد والشطب وإلغاء للآخر أدت لمزيد من تمزيق الجسد الفلسطيني والابتعاد أكثر عن لملمة الشمل الوطني ٬ وأن اجراءات السلطة الفلسطينية والرئيس عباس تجاه غزة يعود بالضرر علي سكان القطاع كافة وليس علي حركة حماس ٬ وأن المستفيد من ذلك فقط هو الاحتلال الاسرائيلي .

لذلك أعتقد أنه وفي ظل هذا الانتحار التي يواجهه سكان قطاع غزة اللذين ضاقت الحياة عليهم ٬ وأصبحت حياتهم لا تطاق ٬ وزادت هموم الناس ومشاكلهم ولم يعد أحد  يحرك ساكناً أو يقدم حلولاً عملية تجاه حل قضاياهم وما يعيشونه من معاناة يومية تلخصت في قطع الكهرباء والماء والرواتب عنهم ومنعوا وحرموا من العلاج والسفر وحرية الحركة للخارج ٬ وهذا كله  بفعل السلطة الفلسطينية واجراءاتها التعسفية والظالمة بحق قطاع غزة وأبنائه ٬ كان لابد ولزاماً علي كل وطني حر لديه حرص علي أبناء جلدته وشعبه أن يبحث عن مخرج وطني يتفق والحد الأدني مع متطلبات إيجاد حياة كريمة لـ قرابة ٢ مليون فلسطيني يعيشون في غزة ٬ وهنا أتسائل كمواطن فلسطيني ماذا أبقي السيد محمود عباس للفلسطينيين في قطاع غزة من رابط بينه وبينهم ٬علي اعتبار أنه رئيس للكل الفلسطيني؟

لقد أضحت اجراءات الرئيس عباس واستمراره في مواصلة اتخاذ المزيد من الاجراءات تجاه قطاع غزة تشكل خطرا حقيقياً علي الوحدة الفلسطينية ٬ وقد يؤدي ذلك لعواقب سياسية ليست محسوبة ونتائج عكسية مدمرة تفضي في النهاية للدفع بقطاع غزة نحو التحول لكيان سياسي منفصل ومستقل بذاته ٬ وهذا بكل تأكيد ما يخطط له ويطلبه ويدفع بإتجاهه الاحتلال الاسرائيلي ٬ وهو الرابح الأكبر من تحقيقه .

وهنا لا بد القول أننا بحاجة إلى كافة الجهود الفلسطينية مجتمعة للنجاة مما نحن فيه الآن ، وإذا كان الرئيس عباس يسعى لمصالحة حقيقية فكلنا معه وسندعمه ونبارك كل خطواته ، وسنطالب دحلان بالتراجع عن تفاهماته مع حماس وإفساح المجال لهذه المصالحة كي تتحقق٬ أما أن تبقي الاوضاع علي هذا النحو ٬ واستمرار عباس بإستخدام نهج وسياسة العصا والجزرة مع سكان القطاع ٬ وإذلالهم والنيل من كرامتهم والعبث بمستقبلهم وحياتهم ٬ فهذا أمر مرفوض وسنحاربه ونجابهه بكل الوسائل والسبل .

أخيراً أقول أن تفاهمات " دحلان - حماس " لم تأتي حباً من قبل الطرفين لبعضهم البعض ٬ بقدر ما أن لهذه التفاهمات وهذا التقارب من إنقاذ للأوضاع المعيشة في قطاع غزة وحياة سكانه٬ ومعالجة لهمومهم ومشاكلهم ٬ تفاهمات نابعة من إحساس وطني وإنساني تجاه غزة أولاً وهي التي تستحق ٬ بعدما تخلي عنها من تقع علي عاتقه مسؤولية رعايتها والدفاع عنها وحماية شعبها.

ختاماً لا بد التأكيد أن هذه التفاهمات لن تتطور لأبعاد سياسية كما يروج لها البعض ٬ ويحاول تهويل ما جري بأنه مقدمة لفصل قطاع غزة عن باقي الوطن ، وإقامة كيان سياسي منفصل و مستقل بذاته ، فهذه القضية لم ولن تطرح البتة من قبل أي طرف كان ٬ وهو أمر مرفوض لن يقبل به أي فلسطيني غيور علي شعبه ووطنه وقضيته ، وقد أجزم هنا أن دحلان ومعه كل الأحرار والوطنيين في التيار الإصلاحي لحركة فتح وأيضاً الشقيقة مصر راعية هذه التفاهمات لن يقبلوا بهذه الهرطقات والخزعبلات التي يطلقها ويرددها المرجفين بهدف التشويش علي سير هذه التفاهمات وتضليل الشارع الفلسطيني والعربي علي السواء.