مي سمير تكتب: نادى بيلدربيرج.. الجمعية السرية التى تحكم العالم

مقالات الرأي



تفاصيل اجتماعها الأخير فى أمريكا

150 من كبار رجال المال والسياسة فى العالم يرسمون ملامح المشهد الدولى فى اجتماع سرى سنوى


عند الحديث عن النخبة التى تدير المشهد السياسى الدولى، وتتحكم فى صناعة القرار من وراء الستار، من المهم الإشارة إلى مؤتمر بيلدربيرج، أحد أكثر المؤتمرات سرية فى العالم.  

مؤتمر بيلدربيرج، تجمع سنوى خاص، يضم ما بين 120 و150 شخصا من النخبة السياسية الأوروبية والأمريكية، وخبراء الصناعة، وعالم المال والأعمال، والأوساط الأكاديمية، ووسائل الإعلام، وأسسه الأمير برنارد عام 1954.

عقد المؤتمر هذا العام فى بداية شهر يونيو، واستمر لمدة ثلاثة أيام بفندق ويستفيلد ماريوت، فى شانتيلى بولاية فيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ونشرت قائمة بالمواضيع الرئيسية التى سيتم مناقشتها على موقع المؤتمر على الإنترنت، قبل وقت قصير من الاجتماع.

شملت المناقشة إدارة ترامب، والعلاقات عبر الأطلنطى، والتحالف الدفاعى عبر الأطلنطى، ومستقبل الاتحاد الأوروبى، والعولمة، وتغير المناخ، والوظائف والدخل، والتوقعات غير المحققة، والأخبار الوهمية، ولماذا تزداد شعبية الشعبوية، وروسيا فى النظام الدولى، والشرق الأدنى، والانتشار النووى، والصين، وعدد ًا من الأحداث الجارية.


1- أجندة ساخنة

تتغير أسماء المشاركين فى المؤتمر سنويا، ويتم اختيارها من قبل لجنة توجيهية، تضم عضوين من كل 18 دولة، ما بين أوروبا وأمريكا الشمالية، وتشمل الوظائف الرسمية فى اللجنة، رئيساً وأميناً عاماً فخرياً، ويتلقى المشاركون السابقون فى المؤتمر تقارير عن آخر مؤتمر.

عضو اللجنة التوجيهية، هى فئة العضوية الوحيدة بالمؤتمر، وإلى جانب اللجنة يوجد فريق استشارى مستقل. ويتولى رجل الأعمال الفرنسى هنرى دى لا كرو دى كاستريس، فى الوقت الحالى، منصب رئيس اللجنة التوجيهية، وهو المنصب الذى شغله بعد تقاعده من منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذى لشركة أكسا.

 يستضيف المؤتمر هذا العام، جينز ستولتنبرج،  سكرتير عام  حلف ناتو، الذى سيتولى إدارة جلسة بعنوان «التحالف الدفاعى عبر الأطلنطى»، يشارك بها وزير الدفاع الهولندى، وكتلة من كبار السياسيين، وقادة الأحزاب الأوروبية، وكلهم يأملون فى إعادة بناء العلاقات القوية عبر الأطلنطى، بعد زيارة ترامب لحلف ناتو. يعد أهم اسم فى قائمة المشاركين، تسوى تيان كاى، سفير الصين لدى الولايات المتحدة، وطبقا لجدول أعمال المؤتمر فإنه سيتم مناقشة الصين فى جلسة يحضرها سفيرها، ووزير التجارة الأمريكى، ومستشار الأمن القومى الأمريكى، واثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى، وحاكم ولاية فرجينيا، واثنان من قادة المخابرات المركزية الأمريكية السابقين، وعدد من المستثمرين الأمريكيين الكبار، بما فى ذلك رؤساء مجموعة Carlyle،  و KKR،  ورئيس شركة جوجل.

إريك شميدت، الرئيس التنفيذى لشركة  Alphabet، الشركة القابضة لشركة  جوجل، عاد لتوه من رحلة عمل إلى بكين استهدفت إطلاق تطبيق جديد، وأعلن أنه من دواعى سروره أن يعود إلى الصين التى يحبها كثيرا، وبالتأكيد فإن قضاء ثلاثة أيام فى الدردشة مع السفير الصينى لن تضر بطموحات شركة جوجل العملاقة.

من بين الشخصيات الدولية التى تشارك فى هذا المؤتمر، النمساوى  بول إم أكليتنر، رئيس مجلس إدارة بنك دويتشه بنك منذ 31 مايو 2012، وهو أيضا عضو فى مجالس الإشراف على عدد من شركات مجموعة باير الألمانية، وهى من كبريات شركات الأدوية فى العالم، وعضو فى لجنة المساهمين فى شركة هنكل، ويساهم فى رسم ملامح السياسة الألمانية، من خلال عضويته  فى اللجنة الاتحادية الألمانية، لقانون الحوكمة الألمانى. من بريطانيا يشارك اللورد أندرو أدونيس، وهو سياسى سابق فى حزب العمال البريطانى، إضافة إلى ماركوس أمبروز بول أغيوس، وهو ممول بريطانى ورئيس سابق لمجموعة باركليز، ويعمل حاليا فى المجلس التنفيذى الجديد لهيئة الإذاعة البريطانية، كمدير أول غير تنفيذى. ويشارك أيضا الكاتب والصحفى التركى المعارض، مصطفى أكيول، وهو مؤلف كتاب «الإسلام من غير المتطرفين: قضية المسلمين من أجل الحرية»، الذى رشح فى عام 2012 لجائزة ليونيل جيلبر، علاوة على روجر تشارلز ألتمان، المصرفى الأمريكى الشهير، ومؤسس ورئيس مجلس إدارة إيفركور، وهو سياسى ديمقراطى سابق شغل منصب مساعد وزير الخزانة فى إدارة كارتر من يناير 1977 وحتى يناير 1981، كما عمل نائبا لوزير الخزانة فى إدارة بيل كلينتون من يناير 1993 حتى استقال فى أغسطس 1994.

ومن عالم السياسة الأمريكية تشارك تشارك ليزا موناكو، وهى المدعى العام التى كانت تشغل منصب مستشار الأمن الداخلى للولايات المتحدة فى إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ومستشار رئيس إدارة  مكافحة الإرهاب، والعضو القانونى فى مجلس الأمن الداخلى للولايات المتحدة، وقد شغلت موناكو منصب مساعد النائب العام لشئون الأمن القومى سابقا. من أصغر المشاركين سنا، رينيه بينكو، وهو مستثمر عقارى نمساوى يبلغ من العمر 40 عاما، وهو مؤسس شركة سيجنا القابضة التى تعد أكبر شركة عقارية خاصة فى النمسا.

وللسيدات مكانة مهمة فى المؤتمر، مثل آن كاثرين بيرنر، وهى سيدة أعمال تجمع بين الجنسية السويسرية والفنلندية، وتشغل حاليا منصب وزير النقل والاتصالات فى فنلندا، وهناك أيضا آنا باتريشيا بوتين- سانز، وهى مصرفية إسبانية، وفى 10 سبتمبر 2014 تم تعيينها رئيسا تنفيذيا لمجموعة سانتاند، وتحتل آنا باتريشيا بوتين- سانز، مكانة دائمة فى قائمة مجلة فوربس لأقوى النساء فى العالم.


2- أزمة ترامب

لا يتم الكشف عن تفاصيل اجتماعات هذا المؤتمر، وعلى الرغم من إعلان موقعه الرسمى العناوين الرئيسية التى ستناقش، إلا أن تفاصيل ما يتم التوصل إليه من قرارات وتوصيات، تظل تحت بند «سرى للغاية»، لكن صحيفة الجادريان البريطانية، كشفت عن بعض كواليس هذا المؤتمر، الذى احتل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب جزءاً كبيراً من مناقشاته.

وأشارت الصحيفة إلى حالة عامة من عدم الرضا تجاه سياسات الرئيس الأمريكى، الذى يبدو أنه فى حاجة لكباح جماحه، وإخضاع سياساته لتعديلات تتماشى مع توجهات أعضاء المؤتمر، الذين يمكن وصفهم بأكثر الشخصيات أهمية فى العالم.  

فى المقابل قرر البيت الأبيض عدم المغامرة، وتم إرسال فريق من كبار أعضاء إدارة  ترامب للدفاع عن الرئيس الأمريكى، خلال المؤتمر، وضم هذا الفريق عالى المستوى، مستشار الأمن القومى هر ماكماستر، ووزير التجارة ويلبر روس، واستراتيجى ترامب الجديد كريس ليديل، ولكن يبقى السؤال: هل نجح هذا الفريق فى الحصول على موافقة المشاركين فى المؤتمر على دونالد ترامب، أم أن هذا المؤتمر الذى يضم القادة الفعليين للعالم، أرسل رسالة تحذير للرئيس الأمريكى، قد نرى آثارها فى سياساته القادمة. يعد وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كسينجر، أحد أهم أعضاء مؤتمر أو مجموعة  بيلدربيرج، وفى هذا الإطار زار «كسينجر» الرئيس الأمريكى  ترامب فى البيت الأبيض، قبل عقد المؤتمر بعدة أسابيع، لمناقشة مجموعة من القضايا الدولية، كان من ضمنها الدور الروسى فى مختلف أنحاء العالم، والموقف الأمريكى تجاه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، إلى جانب تفاصيل أخرى بالمؤتمر.


3- التنظيم السرى

عقد المؤتمر الأول لهذا التنظيم الذى انبثق عنه فكرة مؤتمر بيلدربيرج، فى فندق دى بيلدربيرج، بمدينة أوستيربيك بهولندا، فى الفترة من 29 إلى 31 مايو 1954، ومن هنا اكتسب المؤتمر اسمه، وقد بدأه عدة أشخاص بمن فيهم السياسى البولندى المنفى جوزف ريتينجر، الذى كان يشعر بالقلق فى ذلك الوقت إزاء نمو مشاعر معاداة أمريكية فى غرب أوروبا، حيث طرح فكرة تأسيس مؤتمر دولى يجتمع فيه زعماء من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، بهدف تعزيز التحالف الأطلسى، وتقديم فهم أفضل بين ثقافات الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، لتعزيز التعاون فى القضايا السياسية والاقتصادية والدفاعية.

اقترب ريتينجر، من الأمير برنارد فى هولندا، الذى وافق على تعزيز الفكرة، جنبا إلى جنب مع رئيس الوزراء البلجيكى السابق بول فان زيلاند، ورئيس يونيليفر الهولندى بول ريكنس، واتصل برنارد بدوره مع والتر بيديل سميث، الذى كان يشغل فى ذلك الوقت منصب رئيس المخابرات المركزية الأمريكية، والذى طلب من مستشار أيزنهاور التعامل مع الاقتراح، وكان من المقرر وضع قائمة الضيوف بدعوة اثنين من الحاضرين من كل أمة، يمثل كل منهما وجهة نظر «متحفظة» و«ليبرالية».

حضر المؤتمر وقتها 50 شخصا من 11 دولة فى أوروبا الغربية، إلى جانب 11 أمريكياً، وأدى نجاح الاجتماع الأول إلى اتفاق المنظمين على عقد مؤتمر سنوى، ثم أنشئت لجنة توجيهية دائمة مع تعيين ريتينجر أمينا دائما.

فى عام 2001، قال السياسى البريطانى دينيس هيلى، أحد مؤسسى مجموعة بيلدربيرج، وعضو فى اللجنة التوجيهية لمدة 30 عاما: إن القول بأننا نسعى من أجل حكومة عالمية واحدة مبالغ فيه، لكنه ليس مجحفا كليا. وفى عام 2002، كتب جون رونسون، أن المجموعة لديها مكتب مركزى صغير فى هولندا، وهو الذى يقرر كل سنة ما البلد المستضيف للاجتماع القادم، ثم يتعين على البلد المضيف حجز فندق بأكمله لمدة أربعة أيام، بالإضافة إلى ترتيب المطاعم والنقل والأمن، ويحصل البلد المضيف على تبرعات لتمويل تنظيم المؤتمر، من شركات داعمة مثل باركليز، وفيات أوتوموبيلز، وغلاكسوسميثكلين، وهاينز، ونوكيا، وزيروكس.

تعرضت مجموعة بيلدربيرج  لانتقادات بسبب افتقارها إلى الشفافية والمساءلة، وقد أدت الطبيعة غير المعلنة للإجراءات إلى العديد من نظريات المؤامرة، وقد كانت هذه النظرة مشهورة على حد سواء لدى جميع الأطياف السياسية.

يتهم بعض اليسار مجموعة بيلدربيرج، بالتآمر لفرض سيطرة رأسمالية، بينما يتهم البعض فى اليمين المجموعة بالتآمر لفرض حكومة عالمية، والاقتصاد المخطط له.

فى أغسطس 2010، كتب الرئيس الكوبى الراحل فيدل كاسترو، مقالا مثيرا للجدل فى صحيفة «جرانما» الشيوعية الكوبية، حيث استشهد بكتاب دانيال إستولين لعام 2006، بعنوان «أسرار نادى بيلدربيرج»، ووصف كاسترو مؤتمر بيلدربيرج بالمجموعة الشريرة التى تستهدف التلاعب بالجماهير، لتركيب حكومة عالمية لا تعرف حدودا، ولا تكون مسئولة أمام أى شخص.