عبد الحفيظ سعد يكتب: مصر تبدأ مواجهة مطامع إسرائيل وتركيا وإيران فى دول حوض النيل

مقالات الرأي



"عنتيبى".. قمة إعادة النهر إلى مجاريه


تعود قضية مياه النيل للواجهة مرة أخرى، مع انطلاق القمة الرئاسية لدول النهر الخميس فى العاصمة الأوغندية «عنتيبي»، وهى القمة التى تعد الأولى من نوعها منذ فترة طويلة وتأتى فى ظروف بالغة الصعوبة والحساسية خاصة لمصر، مع تزايد المخاوف من أن يؤدى اكتمال بناء سد النهضة الإثيوبى، من تأثير ذلك على حصة مصر من مياه النيل. وتسعى القمة المرتقبة والتى يتوقع أن يحضرها زعماء دول النيل السبعة وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسى، العمل على تجاوز الخلافات بين الدول خاصة مصر وإثيوبيا والعمل على تصحيح مسار اتفاقية عنتيبى التى وقعت عليها ست من دولة المنبع عام 2010، بدون موافقة دول المصب «مصر والسودان»، وهى الاتفاقية التى كسرت جدار الثقة بين دول النيل، خاصة بعد تجاوزها عن الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل، وزاد منها شروع إثيوبيا فى بناء سد النهضة باستغلال الأوضاع السياسية فى مصر والتى تفجرت عقب ثورة 25 يناير.

ومنذ ذلك الحين تحولت منابع نهر النيل لمطامع لعدة دول إقليمية، تسعى للضغط على مصر عبر مياه النيل، وهو ما كشفته عنه الزيارة التى قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قبل أقل من عام، لأربع من دول حوض النيل وهى أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، ورغم أن الزيارة بررتها إسرائيل «لدعم التعاون الاقتصادى مع الدول الإفريقية الأربع»، إلا أن ذلك لا يخفى مساعى إسرائيل باللعب بورقة مياه النيل على مصر مع مطامعها فى الحصول على مياهه.

ولم تكن التحركات الإسرائيلية خلال العام الماضى وحدها فى دول النيل، فنجد أن تركيا أطلت هى الأخرى بوجهها بالعمل على التدخل فى دول النيل، من خلال زيارة قام بها رجب أردوغان إلى دول منابع النيل وعلى رأسها تنزانيا فى يناير الماضى، والتى سبقتها زيارات أخرى لرجل تركيا الذى لا يخفى عداءه لمصر لدول النيل وعلى رأسها إثيوبيا.

ومن هنا نجد أن التحركات الإقليمية فى اللعب فى دول منابع النيل التى لم تقتصر فقط على إسرائيل وتركيا، إيران أيضا تسعى للعب فى دول النيل عبر فتح علاقات مع دول النيل خاصة تنزانيا من خلال نشر التشيع فيها.

ومن هنا نجد أن المخاطر والمطامع فى دول حوض النيل تزيد، ويأتى جزء كبير منها للعمل على الضغط على مصر، متزامنا مع العمل على زيادة الاستثمارات الواعدة فى دول النيل.

ولذلك يضع أمام قمة عنتيبى المرتقبة والتى تنطلق أعمالها -الخميس- آمالًا مصرية كبيرة لفتح صفحة جديدة مع دول النيل، والعمل على تدارك ماحدث فى اتفاقية عنتيبى الأولى والتى لم توقع عليها مصر أو السودان، حيث نعتمد القاهرة كليا فى مصادرها المائية على نهر النيل، مقارنة بامتلاك بقية دول الحوض الأخرى لمصادر مائية بديلة يمكن اللجوء إليها، بما يجعل مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول الذى تضمنته الاتفاقية بغرض توزيع حصص المياه.

ولذلك ينظر إلى قمة عنتيبى، بأنها خطوة مهمة للعمل على استعادة مصر لزخمها الإفريقى، فى ظل نشاط القاهرة فى الفترة الأخيرة فى القارة السمراء اختلف عن تلك الفترات التى تلت تجميد مصر لمشاركتها فى مبادرة حوض النيل فى العام 2010، أعقب اتفاقية عنتيبى، خاصة مع نشوب ثورة يناير 2011 ما أدى إلى انكفاء مصر على مشكلات الداخل لمواجهة عدم الاستقرار، وتعرضت لتجميد عضويتها فى الاتحاد الإفريقى إثر ثورة 30 يونيو 2013.

وكان ذلك الخلل الذى مكن إثيوبيا من تأمين استثمارات فى السدود، حيث استغلت أديس أبابا خلل القوة الإقليمية لصالحها، ولو ظرفيا مع مصر إبان ثورة يناير، سواء فى مسألة حشد جهود دول المنبع عبر اتفاقية عنتيبى أو فرض واقع فى العام 2011 عبر مشروع سد النهضة لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة 6 آلاف ميجاوات وبسعة تخزينية تقدر بـ74 مليار متر مكعب، وعمق ذلك أن الموقف السودانى ذاته بدا ميالا، بل فى بعض الأحيان مدافعا عن وجهة النظر الإثيوبية فى بناء السد، والتى لا يغيب عن ذلك التأجيج الذى كانت تقوم به قطر فى تحفيز الخرطوم على اتخاذ مواقف ضد مصالح القاهرة حتى لو مثل ذلك خطرا على السودان. ومن هنا نجد أن مصر فى قبولها لإعادة التعاون مع دول حوض النيل، وحضورها قمة عنتيبى لا تعنى الموافقة على اتفاقية عنتيبى، بل ترتبط بمحاولة بناء وضع جديد يتجاوز الخلافات حول هذه الاتفاقية، عبر طرح إطار تعاونى جديد يشكل حلا إقليميا متوازنا يحقق المصالح المشتركة لدول المنبع والمصب، يضمن للأولى الاستفادة التنموية من النهر، ولا ينكر على الثانية حصصها المائية المكتسبة، ولا يمسها بأضرار فى أمنها المائى.

وتضمن إعادة صياغة مبادئ لمبادرة حوض النيل، تكريس معادلة “التنمية العادلة المرضية”، عبر التنسيق فى مشروعات السدود وتحويلها إلى بنية إقليمية وتنموية مشتركة فى شرق إفريقيا، فضلا عن التركيز على مشروعات الفواقد المائية من نهر النيل الذى لا يستغل من مياه النهر سوى 10%.

وأيضا تسير فى ذلك عمل مصر على إعادة دورها فى دول إفريقيا باستخدام التنمية، ولعل مبادرة وزارة الخارجية للاستعانة بجهود الجراح العالمى مجدى يعقوب فى فتح مراكز متخصصة لعلاج مرضى القلب فى دول حوض النيل، يعد من الأوراق التى يجب أن تزداد فى الفترة القادمة فى زيادة المبادرات الشعبية فى دول النيل للعمل على ملء الفراغ، الذى تستغله وتلعب به قوى إقليمية مثل تحركات إسرائيل وتركيا وإيران.

ومن هنا ينتظر أن تساعد القمة الرئاسية على تجاوز أزمة عنتيبى، أن أوغندا كدولة مستضيفة للقمة، والتى ظهرت تغيرا بشكل ما لصالح مصر، وسعت أوغندا من خلاله باقتراح مواقف وسيطة نسبيا لدول المنبع والمصب، بما يحافظ على حقوق دول المصب، مع استغلال دول المنابع لإمكانياتها، لكن ذلك سيقف ضده بعض دول المنابع، مثل إثيوبيا، والتى ستسعى للعمل على المناورة، وكسب الوقت حتى تفرض على الجميع واقعا جديدا ببناء السدود، وهو ما سوف تكشف عنه الأيام المقبلة.