فؤاد معوض يكتب: شكوكو الفيلسوف

مقالات الرأي



صاحب مقولة الحب بهدلة لا حول ولا..

أنا أهرش إذن أنا أفكر..

وليس - أبدًا - للرأى الذى يقول إن راسى فى حاجة إلى عملية غسيل وسيشوار!..

سبب الهرش هو البحث عن مقدمة للدخول فى موضوع سبق مرارًا وتكرارًا الكتابة فيه!

المقدمات الصحفية أصبحت كما الموضة لابد وأن تكون جذابة «رأى للدكتور عبد اللطيف حمزة فى كتابه عن فن المقال»!.. و..

فكرة هذا الموضوع أوحت إلى به رسالة كان قد أرسلها الروائى «دوستويفسكى» إلى صديق يقول له فيها «قررت أخيرًا فى لحظة فراغ أن أنبش أدراج خزائنى حتى عثرت فيها على هذا الدفتر الذى أرسله إليك الآن والذى سجلت فيه بعض ذكرياتى التى ابتدأت كتابتها فى وقت كان لا يزال سعيدًا من حياتى ولقد بلغنى من شدة شوقك إلى قراءة هذا الدفتر أن أروى لك فيه عن بداياتى وعن شقائى وعن أشياء أخرى كثيرة إنك لابد وأن تجد فى قراءته ريا لظمئك ما فى ذلك شك».. و..

■ ■ ■

نفس الفكرة طلبت من محمود إبراهيم إسماعيل موسى الشهير بـ«شكوكو» فى حوار أجريته معه عام 1984 تنفيذها بحيث يحكى لى عن بداياته قال -والكلام على لسانه- عمرى وقتها كان لا يتعدى الـ13 عامًا عندما صعدت إلى بيت مجاور لنا كانت تقام فوق سطحه أحد الأفراح الشعبية تحييه مطربة اسمها «زينب العصفورية» اشتهرت بأدائها الطربى لأغنيات نالت الإعجاب كان أشهرها دور مطلعه يقول «بحياتك أيها الظبى الشرود.. لا تخن عهدى ولا تنسى العهود.. عاشقك قد ذاب من نار الصدود.. والنبى لو تنظره لاترحمه» بالرغم من أننى - والكلام على لسان شكوكو- لم أكن أعرف من هذا الظبى الشرود ولا معنى عاشقك قد ذاب من نار العهود تلك! وبالرغم من عدم فهم معانى هذه الأغنية حفظتها عن ظهر كلب وليس قلب هااااه.. هاااه.. ومعها أغنيات أخرى من ضمنها «لو كانت الناس تخلينى على حالى.. وبافتكرك أكتر ما أنت فاكرنى.. وما انحرمش من ضحكتك.. معظمها قدمتها فى أفراح كنت مدعواً للغناء بها فى الجمالية والعطوف وباب الشعرية والدرب الأحمر وأحياء شعبية أخرى كنت أغنى فيها مجانًا حتى عام 1935 إلى أن كبرت وأصبح فى استطاعتى أن أسهر الليل دون اللجوء لتنفيذ الفكرة القديمة التى كنت ألجأ إليها خوفًا من علقة ساخنة يمنحها لى الوالد عند عودتى آخر الليل أقلام وشلاليت وتوبيخ لحظة البحث عنى فى السرير فلا يجد - بدلاً منى - سوى المخدة وجزء ظاهر من الطاقية فوقهما الغطاء حتى إذا شاهدهما الوالد يتأكد بأننى نائم فى الوقت الذى أقوم فيه بالتسلل فى هدوء على أطراف أصابعى للخروج إلى الشارع والسهر فى ملاهى روض الفرج للفرجة على أخوان عكاشة وعلى الكسار والأخير هو الذى اكتشفنى وقدمنى للناس فى اسكتشات فكاهية هادفة من يومها - حتى يومنا وأنا حريص على هذا - مستحيل أن أقدم تهريجًا بلا معنى أو نوعًا من القافية المبتذلة تسألنى «والكلام للعبد لله» عن نوعية النكات التى أقدمها للناس وأنا على المسرح؟! خذ واحدة.. و..تم تعيين رجل فى وظيفة فراش عنبر نوم للبنات بإحدى المدارس الداخلية معه كل مفاتيح هذه الغرف.. وبعد زمن ناداه الناظر قائلاً له: لماذا لم تأت أول الشهر لتقبض ماهيتك؟! فقاطعه الفراش قائلاً: عجبًا.. وهل تعطوننى ماهية أيضًا؟! هااااه..هااااا.. حلوة ومحترمة بمجرد انتهائى من تقديمها كانت الناس تغالب أشد حالات الضحك والانبساط!

■ ■ ■

وقتها لقبنى جليل البندارى بـ«شارلى شابلن العرب»!.. ومن بعده مصطفى «بك». أمين وعلى الصفحة الأولى من أخبار اليوم قام بنشر صورتين متجاورتين لى ولمصطفى النحاس باشا كتب تحت صورة النحاس لقب «زعيم الوفد» وتحت صورتى لقب «زعيم الشعب» بعد أن أصبحت لى تماثيل تباع فى الشوارع وما من دكان بقال أو جزار أو حلاق خصوصًا فى الأحياء الشعبية إلا وكان يزينه تمثال لى!.. زكى طليمات - الله يعطيه الصحة - كان إلى وقت قريب يحتفظ لى بأحد هذه التماثيل موضوعًا فوق مكتبه من أجل التباهى بذلك!

إلى جانب الفرق الفنية التى كنت أعمل بها ابتدأت أعمل بالسينما.. قمت ببطولة عدة أفلام كان آخرها «شمشون ولبلب» مع الراحل سراج منير هذا بالإضافة إلى الفرقة الاستعراضية التى كونتها وكنت أعمل بها ومعى شفيق جلال وعبد العزيز محمود وتحية كاريوكا وحورية حسن طوال الموسم على مسرح الأزبكية فى الشتاء وفى الصيف على طول المسارح المنتشرة على الكورنيش! الفلوس كانت فى جيبى كما الأرز اكتسبتها من الفن وصرفتها على الفن وليس فى أى مشاريع أخرى بناء العمارات مثلاً أو افتتاح قهاوى ومحال جزارة! قمت - قبل الدولة - بإنشاء مسرح للعرائس.. قدمت فيه ثلاث روايات «السندباد البلدى» و«الكونت دى مونت شكوكو» و«شكوكو فى كوكب البطيخ» أنفقت عليها أكثر من 50 ألف جنيه، رقم يساوى ميزانية وزارة الشئون أيامها ولذلك نجح مسرح العرائس فنيًا لكنه لم ينجح فى تعويضى ماديًا.. مثل هذه المسارح تحتاج لنفقات كثيرة فشلت فى توفيرها وهو ما جعلنى لا أحتمل الخسارة فجمعت ديكورات المسرحيات الثلاث ووضعتها فى ورشة النجارة التى امتلكها و«يا عم شكوكو ريح فؤادك وبزيادة تعب الجيوب يا أهل الله»!.. أطالب الدولة - والكلام مازال على لسان شكوكو - بإنشاء مسرح للعرائس يطلق عليه اسمى.. اسمى على المسرح مش كتير علىّ!..

■ ■ ■

تسألنى - والكلام موجه للعبد لله - عما أفعله هذه الأيام لا أكثر ولا أقل من الجلوس مع أولادى «سلطان» و«حمادة» و«المدام» والفرجة على التليفزيون!.. تستطيع أن تعتبرنى بنى آدم «بيتوتى» أعود إلى البيت بعد انتهاء نمرتى مباشرة ليس خوفًا على الصحة التى لم تعد تحتمل سهر أيام زمان، الصحة عال والحمد لله لذلك لا أحب التردد على الأطباء للتحليل أو الكشف كما يفعل الكثيرون!.. أؤمن بكلمة قديمة قالها «أنا تول فرانس» وبأن «أمهر الأطباء بل أشطرهم هو الطبيب الذى تذهب إليه فلا تجده»!

جملة اعتراضية بالمناسبة تذكرت كلمة مشابهة قالها مارك توين «لقد تقدم الطب تقدمًا عظيمًا فى السنوات القليلة الماضية إلى حد أنه أصبح من المستحيل على الطبيب أن يجد شيئًا سليمًا فى المريض»!

حكمة شكوكو «المثقف» الذى يحفظ جملة قالها «أناتول فرانس» جعلتنى أتدخل بالسؤال.. و.. هل تعرف الخواجة «سيمون بوليفار»؟!

أجاب شكوشو وهو يردد «يا خراابى» عز المعرفة مش ده صاحب فرن أفرنجى فى شارع عبد الخالق ثروت؟!

ملحوظة: سيمون بوليفار محرر أمريكا اللاتينية وقد ولد بوليفار فى 24 يوليو عام 1783 وكان أبوه راغبًا فى أن يسميه «سانتياجو» غير أن القس الذى تولى تعميد الوليد أطلق عليه اسم سيمون ورد على احتجاجات بوليفار الأب بقوله: إننى لدى إلهام يوحى بأن هذا الطفل سيصبح يومًا ما «سيمون ما كابيوس» للعالم الجديد!

وهل تعرف يا عم شكوكو الخواجة «سيمون ماكابيوس» هذا؟!

أجاب شكوكو وهو يضحك: ده صاحب محل كوافير حريمى فى شبرا!

ملحوظة: كان «سيمون ماكابيوس من أبطال التحرير القدامى!..

تسألنى -والكلام موجه للعبد لله- عن بقية ما افعله هذه الأيام لا اكثر ولا أقل من الذهاب كل يوم جمعة إلى منزل الصحفى حسن إمام عمر للعب الطاولة مع من أجدهم هناك محمد محمود شعبان «بابا شارو، أحمد الحداد «رغاى ساعة لقلبك» فهمى عمر «الإذاعى الشهير» إبراهيم الوردانى «الصحفى القدير» وغيرهم وغيرهم من أصدقاء العمر! مونولوجاتى والحمد لله تذاع من الراديو حاليًا!.. كثيرًا مايطلبنى التليفزيون للعمل فى حفلة يقيمها! قليل الخروج للذهاب إلى السينما اللهم إلا إذا كان الفيلم يستحق الخروج.. الأفلام على أيامنا كانت من حيث الموضوع ميت فل واربعتاشر.. أفلام هذه الأيام من حيث القيمة لا تساوى ثمن فردة شبشب زنوبة! هوايتى القديمة زمان كانت جمع تذاكر الترام وغطيان زجاجات الكوكاكولا!.. هوايتى حاليًا جمع كل ما كتب عنى ووضعه فى دوسيهات من أجل أحفادى والأجيال المقبلة!.. مازلت احتفظ بأول خطاب فى حياتى من بنت الجيران قالت لى فيه بعد أنتقالنا من حارة كنا نسكنها فى حى العباسية إلى حارة أخرى فى حى باب الشعرية «الحارة ضلمة من غيرك يا حمودة»! أحب المونولوجات إلى قلبى ذلك المونولوج الذى كثيرًا ما أردده بينى وبين نفسى «الحب بهدلة لا حول ولا»!.. قلبى حاليًا لا يتسع إلا لزوجتى!.. ليس صحيحًا ما يقال وبأن الحب يصبح بطيئًا مثل الروتين الحكومى بعد الزواج مباشرة! كذاب وستين كذاب ذلك الذى قال بإن الحب مثل طبق الشوربة أوله حار وآخره بارد!.. الحب الحقيقى يحتفظ دائماً بـ«سخونته» على الدوام!.. هل أصف لك وصفة قالها شيخ مغربى قديم تؤكد ذلك؟!.. «تؤخذ أوقيتان من صافى وصال الحبيب منتقاه من عيدان الجفا وخوف الرقيب.. وثلاثة مثاقيل من غلث الهجر والبعد والانقطاع.. وأوقيتان من خالص الوداد والكتمان منزوعة من نواة الصدود والهجران.. يدق الجميع ويخلط مع أوقيتين من شراب الرضا وأوقيتان من مربى اللقا يشرب الخليط على الريق ثلاثة أيام ويضاف إليه قلب لوز العناق وماء ليمون الوفاق نافع إنشاء الله يا ولدى وأدعى لى!..

تسألنى - والكلام موجه للعبد لله - عما إذا ما فشلت هذه الوصفة فى استمرار سخونة الحب هذا.. أفعل بنصيحة ما سبق أن فعله ابن عروس بقوله «من حبنا حبناه وصار متاعنا متاعه.. ومن كرهنا كرهناه يحرم علينا اجتماعه! وسلامو عليكو عليكو السلام!